مجدي مغيرة

تتضح كلاحة الصورة في مصر يوما بعد يوم ، فغلاء الأسعار يأخذ بتلابيب الناس ، وسيطرة الفساد صارت شبه كلية إن لم تكن كلية على جميع مفاصل الدولة ، وانهيار الأخلاق يزداد مع مرور الأيام ، وتنخفض قيمة المدخرات المودعة في البنوك بشكل يفقدها قيمتها ، وانحدار البلد يتم بشكل جنوني ، والأزمات تزداد ليس كل يوم ، بل كل ساعة  .

 ومعلوم أن تحلل أي دولة وتفككها ثم انهيارها إنما هو نتيجة حتمية للفساد المنتشر في مفاصلها ، ونتيجة حتمية لانهيار أخلاق شعبها ،  ونتيجة حتمية لظلم الأبرياء ، وهو أيضا ثمرة طبيعية عندما تتحول مؤسسات الدولة إلى وحش كاسر لا هم له سوى ملء كروش اللصوص من دماء الشعب بدلا من السهر على مصالحه وتنمية موارده وتربية أبنائه على حب وطنهم ، وتدريبهم على التضحية من أجله ، وإعدادهم للنهوض به والرقي بأحواله ، وبالتالي يصير الشعب خادما لمن يحكمه بدلا من أن يكون الحاكم خادما للشعب  .

إزاء ذلك كله أصبحنا نقف الآن على مفترق طرق تغيب عنه الخرائط الإرشادية أمام جمهور كبير من الناس ؛ مما يزيد من حيرتهم ، ولا يدرون إلى أين يتجهون .

 هل يرضون بالوضع الحالي خوفا من اليوم التالي إذا ثاروا وفشلوا في ثورتهم ؟

 وإذا نجحوا فهل سيكون نجاحا شاملا حاسما ، أم ستكون هناك ثغرات تستطيع الدولة العميقة أن تنفذ من خلالها ، وتعود إلى السلطة مرة أخرى ؟

 أم يثورون عليه لعلهم يغيرون أوضاعهم ويستردون كرامتهم ، ويلتقطون أنفاسهم ، ويستأنفون بناء وطنهم ، ويقتصون لشهدائهم وجرحاهم ومعتقليهم ؟

لكن من المعلوم أن بقاء الوضع الحالي يعني الموت التام للشعب ، ليس موتا بمعنى خروج الروح من الجسد ، بل بمعنى تبلُّد الأحاسيس ، وتحلل الأخلاق ، وسيطرة اليأس ، ويتحول الناس إلى أجساد فقدت إنسانيتها ، وضاعت آدميتها ، وأُهدِرت كرامتُها ، وهذا أمر يكاد يكون نادرا في تاريخ العالم فضلا عن تاريخ أمتنا بمختلف شعوبها .

  وإذا حدث في مصر – لاقدر الله – فسيكون ذلك لأول مرة في تاريخ تلك البلاد التي تعودت منذ فجر تاريخها على مقاومة الظالم بطرق متعددة تبدأ بالسخرية منه ، والاستهزاء به ، وتنتهي بالقضاء عليه هو وأعوانه ( ودعكم من التاريخ المزيف الذي أوحى إلى الناس بأسلوب ماكر أن المصريين عبيد لمن يحكمهم ) أقول ذلك وأمامي التجارب العديدة على مر تاريخنا الإسلامي توضح كيف ألزم المصريون حكامهم على السير بالعدل ورفع الظلم . 

يكاد يسيطر على عقلي أن كثيرا من الناس لن تجد أمامها سوى الثورة على الوضع الحالي حتى لو كانوا من أشد المؤيدين له من قبل ، إذ إن ارتفاع الأسعار قد تصل إلى حد يعجز معه رب الأسرة عن الوفاء باحتياجات بيته ، وإذا كان رد فعل البعض على ذلك هو الانتحار ، أو السكوت والرضى على مضض  ،  فمن الطبيعي أن يكون رد فعل البعض الآخر هو الانفجار في وجه من تسبب في تلك الكارثة .

 والثورات دائما لا تقوم بمشاركة من جميع أفراد الشعب ، بل إن القلة منه هي التي تثور ، ولا تتعدى نسبتها في أغلب الثورات ما بين الـ2% إلى الـ5% .

ولن يمنع حدوث هذا الانفجار إلا وجود  بقية من داخل النظام مازال يفكر بعقله ويحتفظ بشيء من إنسانيته وكرامته ، ومازال حب الوطن يدفعه إلى أن يقوم بإنقاذه حتى لو فقد في سبيل ذلك حياته .

إننا نرجو الله تبارك وتعالى أن يسارع عقلاء الوطن ( من داخل النظام ومن خارجه ، كان مؤيدا له أو معارضا ) إلى إنقاذه قبل اندفاع طوفان الغضب ، وارتفاع أمواج السخط ، فالغضب أعمى ، ونار الحرمان تحرق الأخضر واليابس ، وشهوة الانتقام تدمر كل شيء ، والرغبة الجامحة في الثأر لا تبقي ولا تذر....فاللهم لطفك بنا وببلادنا .

 

 
 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر