29/01/2009

الحمد لله وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه
وبعد، فإن حجم التدمير والتخريب والدم البرئ المسفوك من الشهداء من الأطفال والنساء والمدنيين الذي خلَّفته الحرب الصهيونية الهمجية المجرمة على غزة هاشم، يؤكد أن الصهاينة حين يتمكنون من المسلمين يفعلون بهم الأفاعيل، من غير مراعاة لعهد قائم، ومن غير ذمة يرعونها؛ ومن غير تحرج من فعل يأتونه معهم! فهم لا يرعون عهداً، ولا يقفون عند حد التنكيل بالبرآء، بل إنهم لشدة ما تمتلئ به قلوبهم من البغضاء يتجاوزون كل حد فى التنكيل بهم إذا قدروا عليهم، على حد قوله تعالى ) ِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ( [الممتحنة: 2].
فهم لا يتأخرون عن الفتك بالمسلمين بلا شفقة ولا رحمة إلا حين يعجزهم ذلك. وليس هذا أمراً عارضاً، أو شيئاً مؤقتاً، وإنما هذا شأنهم دائماً، وديدنهم مع أهل الحق فى جميع العصور والأزمان وعلى مدار التاريخ البشرى كله بلا استثناء! قال تعالى ) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ . اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ( [التوبة: 8 - 10].
فهم قوم طغاة بغاة معتدون، لا يقيمون للمقدسات وزنا، ولا يتحرجون أمام الحرمات، ويدوسون كل ما تواضع الناس على احترامه من خلق ودين وعقيدة، وصدق الله العظيم ) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا( [المائدة:82] .
المعركة مستمرة :
لهذا فإنني أقول للمجاهدين في غزة ولكل المجاهدين على كل المستويات : إن معركة الصهاينة لا تزال مستمرة ولم تؤذن بقرب الانتهاء، فحصار غزة لا يزال مستمرا، ومعابرها لا تزال مغلقة، والمساومات الصهيونية لا تقف عند حد، والعدوان الصهيوني الإجرامي لا يزال متواصلا جوا وبحرا، والعدو الصهيوني يريد أن يحاصر الانتصار الرائع الذي حققته المقاومة البطلة عن طريق الضغط والمساومة على مرور الإمدادات الغذائية والدوائية ومواد الإعمار إلى غزة، والدفع باتجاه تقديم عملائه لتسلم ملف إعادة الإعمار، حتى يحقق من خلال هذا الحصار ما عجز عن تحقيقه من خلال الحرب والقتل والدمار، وهذا ما تفهمه المقاومة جيدا، ويجب إعانتها في التصدي له بكل قوة، فلا يصح أن يجني ثمرات النصر غير المجاهدين المنتصرين، وليذكر الجميع قول الله تعالى ) وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حتى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ( (البقرة:217).
الكيان الغاصب يجب أن يتحمل نتيجة إجرامه:
لا يختلف العقلاء في هذه الدنيا على أن المجرم ينبغي أن يدفع ثمن إجرامه، وأن المتسبب في إتلاف شيء يجب أن يتحمل إصلاحه، هذه قاعدة دينية وأخلاقية وإنسانية لا جدال فيها، وها هم اليهود لا يزالون إلى اليوم يبتزون أوروبا وألمانيا ويتقاضون تعويضات بمئات المليارات عن ما يسمى (الهولوكست) .
وإذا كان الأمر كذلك فإن تكلفة الإعمار والتعويضات التي يستحقها المظلومون من الفلسطينيين جراء الحصار وجراء هذه الحرب المجرمة يجب أن يدفعها الكيان الغاصب، وعلى حكومات الأمة العربية والإسلامية أن تتبنى هذا الاتجاه وتنشئ اللجان القانونية لملاحقة الكيان الغاصب وتحميله مسئولية وتكلفة ما أقدم عليه من إجرام ومجازر وتخريب منذ بدأ اغتصابه لفلسطين حتى اليوم، فلا يجوز إطلاقا أن نمكِّن المجرم من الإفلات بجريمته، وعلينا أن نضع النظام الدولي أمام مسئولياته الإنسانية والأخلاقية والقانونية .
وإذا كانت الحكومات الغربية والأمم المتحدة قد هبت لمحاسبة مرتكبي الجرائم النازية في حق اليهود، واستحدثت لذلك قوانين ومحاكم خاصة؛ أفلا يتحرك العالم الذي يرى كل تلك المجازر لإقرار محاكم وقوانين لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة؟.
هل آلم العالم الحر تعرض اليهود للتصفية، فيما لم يتأثر مطلقا لما رأى من حرب إبادة وحشية تعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة منذ أكثر من ستين سنة بلغت أوجها في حرب غزة الأخيرة؟.
هل آلم العالم الحر صور أفران الغاز المزعومة، فيما لم تؤثر فيه ألوف الأطنان من الذخيرة والقنابل الفوسفورية وقنابل الدايم والأسلحة المحرمة التي ألقتها العصابات الصهيونية على شعب غزة الأعزل بكثافة مذهلة، دفعت بعض المراقبين للتساؤل عما إذا كانت تلك الأسلحة والذخائر التي ألقيت بلا حساب قد دفع فيها أي ثمن!؟
هل يطرب العالم لسماع صرخات أطفال غزة الذين كبروا قبل أوانهم ويتلهى بذلك؟ ألا تتحرك الضمائر الحية في العالم الذي يدعي الحرية وحقوق الإنسان؟
إننا إذ نحيي الأفراد والهيئات الحقوقية الحرة التي تولت مواجهة الكيان الصهيوني أمام المحاكم الدولية؛ فإننا ندعو الحكومات العربية خاصة وحكومات العالم كافة والأمم المتحدة -التي أكد ممثلوها ارتكاب إسرائيل لجرائم إبادة في غزة- أن تتبنى الدعوة لإنشاء محاكم خاصة لمحاسبة قيادات وجنود العدو الصهيوني على جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها في حق أطفالنا ونسائنا وشعبنا في غزة.
توثيق كل الانتهاكات الصهيونية:
وإلى أن يتم ذلك فإنني أدعو كل الهيئات الرسمية والشعبية إلى توثيق كافة الاعتداءات والانتهاكات والأضرار التي سبَّبها هذا العدوان المجرم ؛ لتبقى الملاحقة قائمة، ولا تضيع الحقوق في ظل العوج القائم في النظام الدولي والنفاق المستشري في قلب المؤسسات الأممية، فقريبا تتغير الأحوال ويتمكن أصحاب الحق من انتزاع حقوقهم، ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا .
القضية هي فلسطين :
إن هذا العدوان المجرم الذي أصاب أحبتنا في غزة يجب ألا يصرفنا عن القضية الأساسية، وهي قضية فلسطين كل فلسطين، فغزة لا تمثل من فلسطين سوى 1.3 % من مساحة فلسطين، وهذا العدوان الصهيوني ينشب مخالبه في سائر الأرض الفلسطينية المباركة . القضية في الأصل : هي الاحتلال والعدوان الذي يفتك بالشعب الفلسطيني كله، وهنا يجب التذكير بأصل القضية.
أصل القضية:أن الاستعمار الأوربي (وبخاصة البريطاني) أعطى العصابات الصهيونية بغير حق وعداً بإقامة كيان يهودي في فلسطين على حساب الشعب العربي الفلسطيني، ووفر للعصابات الصهيونية السلاح الذي ارتكبت به مجازر وحشية في عموم فلسطين، ثم تواطأ الاستعمار فأنشأ من العدم دولة يهودية من خلال قرار ظالم للأمم المتحدة بتقسيم أرض فلسطين عام 1947م بين أهلها الفلسطينيين وبين اليهود الذين تركوا بلادهم الأصلية وتجمعوا في فلسطين، ثم أعلنت دولة الكيان الغاصب عام 1948م وأعلنت أمريكا وأوربا الاعتراف بها لتحدث واقعا جديدا لم يكن له أن يحصل لولا التواطؤ الظالم ضد الشعب الفلسطيني، والضعف والتخاذل – والعمالة أحيانا- في العالم العربي والإسلامي.
على أن دولة الاغتصاب والاحتلال لم تكتف بما أعطيت ظلما في قرار التقسيم الظالم، بل تجاوزت ذلك إلى توسيع قاعدة عدوانها واحتلال كامل فلسطين، وتجاوزت ذلك إلى احتلال أجزاء من دول الجوار الفلسطيني، دون أن تتخذ الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أية خطوات جدية أو أي موقف جدي من هذا العدوان، سوى إصدار بعض القرارات التي تدعو لعودة اللاجئين والتراجع إلى حدود الرابع من يونية 1967م، وهي قرارات ضربت بها إسرائيل عرض الحائط، ورفضت أية دعوة إلى التراجع عن شيء من هذه المظالم، وفرضت الحصار المطبق على شعب فلسطين، وحولت حياتهم إلى جحيم وبلدهم إلى سجن كبير، وأرادت جرَّ الفلسطينيين والعرب إلى مفاوضات عبثية لتقطيع الوقت إلى أن تتمكن من إخضاع فلسطين تماما.
المقاومة حق مشروع :
أردت بسرد الحقائق السابقة أن أذكِّر من غاب وعيهم بأصل القضية، لأقول : إنه أمام كل هذه الاعتداءات الصهيونية يصبح من الواجب على أصحاب الأرض أن يدافعوا عنها، وعلى أصحاب القضية أن يرفعوا راية المقاومة، وهذا حق كفلته الشرائع السماوية والوضعية، وهذه المقاومة وحدها هي السبيل لاسترداد الحقوق، ومع أن الظروف الواقعية قد لا تكون في صالح المقاومة فإن إرادة الحياة الحرة والكريمة والعزيزة، وإرادة التحرير متوفرة لدى المجاهدين الذين سطروا صحائف العز والشرف بثباتهم وصمودهم الأسطوري ؛ ليؤكدوا أن الموازين المقلوبة والعدالة المفقودة لا ينبغي أن تكون حجر عثرة في طريق التحرير.
وما من احتلال حصل في التاريخ أمكن التخلص منه من غير مقاومة مسلحة ترد العدوان وتعيد الحق إلى أصحابه الشرعيين.
وحري بكل حر في هذا العالم أن يدعم كل ساع إلى الحرية وكل مطالب بحقوقه الطبيعية، وهذا كان الموقف المنتظر من الأمم المتحدة، لكنها للأسف ساوت بين المعتدِي والمعتدَى عليه، بل جعلت الضحية الفلسطينية معتدية على الكيان الظالم ! وهذا من العجب !
منع السلاح عن المقاومة ظلم وعدوان :
إن تعجب فعجب أن تتداعى الدول الكبرى ودول الإقليم لمنع السلاح عن المعتدى عليه حتى لا يدافع عن نفسه، وحتى يستسلم للذبح والموت، وتعقد الاتفاقات وتساق الأساطيل لمحاصرة المقاومة ومنعها من التسلح للدفاع عن الشعب المعتدى عليه، وكأنما هذه المقاومة جيش كبير يمتلك الأسلحة المحرمة التي تملأ البر والبحر والجو!
وفي نفس الوقت يسمح للمعتدي الجائر بالتسليح، بل تحمل إليه الذخائر عبر البحار ليعوض ما فقد من أسلحته وذخائره في عدوانه الآثم والغاشم ؟!
في حالات الحروب بين الجيوش المتكافئة يتداعى الوسطاء إلى منع السلاح عن الجيشين المتحاربين، لكننا الآن أمام حرب ظالمة يشنها أقوى جيوش المنطقة على أمة عزلاء، لا تملك حركة المقاومة فيها مع إرادتها الصلبة إلا أسلحة خفيفة للدفاع عن النفس، ومع ذلك يراد منع هذا السلاح الخفيف عن المقاومة، في الوقت الذي تحمل فيه الأسلحة المدمرة إلى الجيش المجرم!
أي منطق أعوج هذا الذي يراد له أن يفرض على الأمة! وأي عاقل يقبل هذا الظلم البين والواضح؟!
إن تسليح المقاومة الفلسطينية فرض شرعي على كل الحكومات العربية والإسلامية، وواجب أخلاقي على كل الأحرار في هذا العالم، وإن التخلف عن هذا الواجب أو التقصير في هذه الفريضة لهو خيانة للحق، وتشجيع على العربدة والإفساد، فكيف بمساعدة المعتدي وتشجيعه، ومحاربة المعتدى عليه ومنع تسليحه؟!
دور الإعلام العربي والإسلامي في تنمية الوعي بالقضية :
لقد خاض الإعلام الصهيوني واذنابه في الإعلام العربي والإسلامي معركة كبيرة لتزييف الوعي وتحسين صورة البغي الصهيوني وخداع الرأي العام لدى شعوب العالم كله، واستطاع جر الرأي العام العالمي إلى تبني مواقفه الظالمة، في ظل غياب واضح للإعلام العربي المؤثر، غير أن هذه الصورة بدأت في التحول مع ظهور إعلام عربي مسؤول بدأ في اختراق الرأي العام العالمي، وهذا الإعلام المسؤول لا يزال أمامه مهمة كبيرة في عرض الحقيقة وتقديم الصورة الحقيقية لهذا الصراع، وكشف الوجه القبيح للإجرام الصهيوني، وإن ما سجلته عدسات المصورين من مشاهد بشعة لإجرام الصهاينة في غزة إذا أحسن تسويقه وتقديمه للرأي العام العالمي لكفيل بأن يصحح الصورة المغلوطة، وهنا أتوجه لكل صاحب ضمير حي من الإعلاميين بأن يقوم بدوره بأمانة، وأن يكشف الحقائق التي تبصر الرأي العام العالمي بالحقيقة .
الاحتلال إلى زوال :
إن زوال هذا الكيان المغتصب أمر حتمي شأنه في ذلك شأن كل احتلال مر على الدنيا، وهذه المظالم التي يرتكبها الصهاينة ستزيد من قوة المقاومة وتشعل جذوتها في النفوس، فالظلم يبعث المقاومة من رقادها، ويجمع المظلومين على هدف التحرر، ويحرك الهمم إلى الثأر واستعادة الحقوق، ثم إن هذا الكيان جسم غريب في هذه المنطقة العربية الإسلامية ليس له امتداد ولا جذور في هذه الأرض، ولن يلبث أن يزول على يد رجال المقاومة الذين عرفوا طريقهم، وذاقوا طعم النصر العزيز، واستطاعوا أن يغيروا معادلات القوة، وأن يضعوا للنصر قواعد جديدة، وكسبوا المعركة في نفوسهم قبل أن يخوضوها في الميدان، وها هو الكيان الغاصب قد بدأ في الانكماش، وصار يخوض معاركه داخل فلسطين المحتلة بعد أن كان يخوضها على أراضي الدول المجاورة، وها هو جيشه الذي نسج حوله أساطير القوة يفر مذعورا أمام المقاومة الفلسطينية المظفرة، وستبقى تلاحقه حتى تطهر الأرض المباركة، وتقيم الدولة الفلسطينية الحرة على أرض فلسطين، ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا .
والله أكبر ولله الحمد .
 
القاهرة فى : 3 من صفر 1430هـ الموافق 29 من يناير 2009م