تمرُّ علينا الذكرى الخامسة والستُّون لنكبة العرب والمسلمين في فلسطين التي تآمر عليها المستعمرون الغربيون، وعلى رأسهم بريطانيا التي كانت تحتلُّ فلسطين ووعدت الصهاينة بمنحهم فلسطين لإقامة وطن قومي لهم، وتعاونت مع المنظمات الصهيونية في إتاحة الهجرة لليهود إلى فلسطين، ودعمت المنظمات الإرهابية الصهيونية في إشاعة القتل والرعب في نفوس أهل فسطين؛ لإجبارهم على الهجرة، فأقاموا المذابح في الأطفال والنساء والشيوخ وحرق المنازل والقرى، وتمَّ الاستيلاء على الأراضي والمدن والدِّيار والمزارع والممتلكات، وطردوا من بقي حيًّا بعد المذابح إلى خارج البلاد.
ورغم المقاومة الباسلة التي أظهرها شباب فلسطين ورجالها للدفاع عن وطنهم، إلا أن فارق القوة في السلاح والعتاد والتدريب وتآمر الدول العظمى؛ أدى إلى استشهاد عدد كبير من هؤلاء المجاهدين.
ولقد قامت الدول الغربية الاستعمارية بذلك لحلِّ المشكلة اليهودية في أوروبا، ولتمزيق الأمة العربية ومنع تواصلها الجغرافي للحيلولة دون اتحادها مرة أخرى، ولتعويض اليهود عما عانوه في أوروبا، لا سيما في ألمانيا النازية، وكأنَّما تعويض اليهود عما لحق بهم من مجازر يبيح لهم محاولة إبادة شعب أعزل بريء، وتحقيقًا لمسائل دينية عقدية يؤمن بها المتعصبون من اليهود والبروتستانت على حساب المسلمين وأرضهم ومقدساتهم.
وهذا الظلم الدولي دفع عديدًا من الدول العربية أن تهبَّ لنصرة إخوانهم في فلسطين، فسارعت إلى دفع قواتٍ للتصدِّي للزحف الصهيوني ومنعه من الاستيلاء على أرض فلسطين، بيدَ أن هذه الدول العربية كلها كانت تقع تحت الاحتلال الغربي، وكانت حكوماتها لا تملك إرادتها، وتعرَّضت هذه الجيوش لمؤامرات دولية غدرت بها، بل أسهمت هيئة الأمم المتحدة في هذه النكبة، وانحازت إلى الصهاينة بتأثير الضغوط الأمريكية، فتمَّ إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني التي اعترفت بها روسيا وأمريكا على الفور، وأعقبهما دول الغرب الظالمة.
ورغم هذه النكبة إلا أن مجاهدين متطوعين مدنيين من الدول العربية والإسلامية، كانت الغالبية العظمى منهم من جماعة الإخوان المسلمين أبلوا أحسن البلاء، وأذاقوا الصهاينة مرارة الذلِّ والهزيمة في كثيرٍ من المواقع، إلا أن تآمر الحكومات العربية المغلوبة على أمرها والحكومات الغربية أدَّى إلى عدم الوصول إلى الأهداف الكبيرة.
ومنذ قيام هذا الكيان العدواني الإرهابي العنصري الاستيطاني التوسعي وهو يُوقِد نيران الحروب ويثير الاضطراب في المنطقة، ويتوسع في العدوان والاستيلاء على الأراضي، ويستولي على القدس الشريف، ويستمر في تهجير أهل البلاد من الفلسطينيين، ويسعى للتهويد سعيًا حثيثًا، ويُكَرِّس الأسلحة التي وصلت إلى أسلحة الدَّمار الشامل في حماية أمريكا والغرب، ودعمها بالمال والسلاح والرجال، وحماية إجرامه في المؤسسات الدولية.
وإذا كانت نكبة 1948 قد هزَّت المنطقة كلها في ذاك الوقت، فإن استمرار الظلم والعدوان لن يؤدي إلا إلى استمرار المقاومة؛ للدفاع عن النفس والعرض والأرض والمقدسات.
وإذا كانت مدة الاحتلال قد طالت ففي التاريخ عبرة، فقد احتلَّ الصليبيون الشام والقدس عدَّة قرون، ولكنهم رحلوا في النهاية، فلن يضيع حقٌّ وراءه مطالب.
إن الظروف التي يمرُّ بها العالم العربي الآن لا ريب أنها ستغيِّر قواعد المعادلة، وسوف تعيد الحقوق إلى أصحابها بإذن الله تعالى، وهاهو شهر رَجَب يحمل لنا ذكرى الإسراء والمعراج تثبيتًا لهذه القم، ويقيننا في وعد الله عز وجل إذا أدَّينا ما علينا، وإن غدًا لناظره قريب.
(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
(واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
الإخوان المسلمون