ممدوح الولي :

 

في خطابه الأخير بغيط العنب بالإسكندرية أشار لسيسي إلى 4 أسباب رئيسية لارتفاع الأسعار، هى: طمع التجار وزيادة مرتبات موظفى الحكومى وزيادات المعاشات، وارتفاع سعر صرف الدولار وعدم وجود آلية حقيقية لضبط الأسعار.

وتوسع فى تأكيد أثر زيادات أجور موظفى الحكومة وأصحاب المعاشات، فى إيجاد سيولة زائدة بالأسواق لم تجد أمامها المعروض السلعى الذى يتوافق معها، ووصل به القول الى أن رواتب موظفى الحكومة تزيد خلال السنوات الخمس الأخيرة بنحو 150 مليار جنيه سنويا، بالإضافة إلى زيادة خمسين مليار جنيه للمعاشات، ليصل الإجمالى للسيولة الزائدة نتيجة ذلك بالأسواق 200 مليار جنيه سنويا.

وعندما كرر أن هناك زيادة سنوية 200 مليار جنيه بالمرتبات والمعاشات، توقعت أن يكون هناك تنبيه من أحد المعاونين إلى أن هناك مبالغة فى  الرقم، لكن ذلك لم يحدث، فتوقعت أن تصحح الصحف الحكومية الأمر فى  اليوم التالى، لكنها كررت نفس ما تم قوله بالخطاب حرفيا.

ولما كان الكلام عن خمس سنوات مضت، فإن الأمر يخص الفترة من السنة المالية 2011/2012 وحتى العام المالى الأخير 2015/2016، وهنا نجد زيادة مخصصات الأجور بالموازنة بالعام الأول أى فى 2012/2012 حوالى 20 مليار جنيه، وبالعام الثانى 36 مليار جنيه، وبالعام الثالث 20 مليار جنيه وبالعام الرابع 20 مليار جنيه.

وهكذا لم تصل الزيادة فى أى من تلك السنوات المالية إلى الرقم المعلن والبالغ 150 مليار جنيه سنويا، بل أن مجموع زيادات الأجور بالسنوات الخمس بلغ 89 مليار جنيه فقط.

أما زيادات مساهمة الخزانة العامة بصناديق المعاشات فقد بلغت بالعام الأول 10 مليار جنيه، وبالعام الثانى 13 مليار جنيه وبالعام الثالث 4 مليار جنيه، وبالعام الرابع 14 مليار جنيه، أى أن الزيادة لم تبلغ 50 مليار جنيه فى أى من تلك السنوات، بل أن مجموع زيادات المعاشات بالسنوات المالية الخمس بلغت 41 مليار جنيه فقط.

وهكذا بلغت زيادت مخصصات كلا من الأجور والمعاشات معا خلال السنوات الخمس 139.5 مليار جنيه، أى أقل مما قيل عن زيادات سنة واحدة.

تراجع نصيب الأجور بالموازنة
وبمقارنة زيادة مخصصات الأجور والمعاشات خلال السنوات الخمس، والتى تساهم فى إعاشة الملايين بزيادة مخصصات فوائد الديون بالموازنة نجدها قد بلغت 140 مليار جنيه، أى تزيد عن زيادات أجور الموظفين والمعاشات بحوالى 10 مليار جنيه ، هى التى لا يستفيد منها سوى البنوك المقرضة للحكومة، وذلك بخلاف 221 مليار جنيه لزيادات أقساط الدين بالسنوات الخمس.

ونعود إلى أجور الموظفين بالموازانة والمتهمة بزيادة الأسعار، فنجد أن نصيبها النسبى من إجمالى الاستخدمات بالموازنة والتى تضم كل أبواب الموازنة الثمانية، كانت نسبته 24 % بالعام المالى 2011 / 2012، وظلت تلك النسبة تنخفض حتى بلغت 19 % بالعام المالى الأخير، كما بلغت تقديراتها بالعام المالى الحالى 18.2 % أى أنها تحتل المركز الثالث بعد مخصصات الفوائد بالمركز الأول وأقساط الديون بالمركز الثانى.

وتتشابه الصورة بنسبة مخصصات  الأجور إلى إجمالى المصروفات بالموازنة، والتى تتضمن ستة أبواب، لتصل إلى 26.1% عام 2011 / 2012 وتظل تنخفض حتى بلغت 25.2 % بالعام المالى الأخير، ويتوقع بلوغها 23.5 % بالعام المالى الحالى.

وبنسبة تلك الأجور إلى الناتج المحلى الإجمالى نجد أنها كانت 7.4% عام 2011/2012، ويتوقع بلوغها 7 % بالعام المالى الحالى، والمعروف أن صندوق النقد تضمن روشتة لدول العالم كشرط للإقراض خفض العمالة بالقطاع العام، وهو ما أشار إليه رئيس جهاز التنظيم والإدارة فى تصريحات صحفية من قبل، حيث دار الحديث عن طلبه تقليل عدد موظفى الحكومة بنحو مليونى موظف.

زيادات الأجور تعادل معدل التضخم
وتظل المقارنة الأهم بين زيادة مخصصات الأجور بالموازنة خلال تلك السنوات الخمس، وزيادة معدلات التضخم – زيادات الأسعار -  للطعام والشراب الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء، رغم تحفظ كثير من الخبراء على مؤشر التضخم لتضمنه للسلع المسعرة جبريا مثل السجائر والمنتجات البترولية وتذاكر النقل العام، مما يجعله غير معبر بوضوح عن حالة الأسعار الحقيقية بالسوق.

ورغم ذلك نجد أن زيادة مخصصات الأجور خلال السنوات الخمس الأخيرة قد بلغت نسبتها 73 %، بينما كانت نسبة زيادة مؤشر أسعار الطعام والشراب – رغم التحفظ عليها – 71 %، أى أن القوى الشرائية لمرتبات الموظفين لم تزد خلال السنوات الخمس، إن لم تكن قد انخفضت فى ظل ارتفاع الأسعار بمعدلات تفوق مؤشر التضخم الحكومى الرسمى.

والمعروف أن مرتبات الموظفين تساهم فى إعالة حوالى 30 مليون شخص، وفى تنشيط الحركة بالأسواق، بل أن معدلات النمو الاقتصادى التى تعلنها وزارة التخطيط خلال السنوات الأخيرة تشير فيها  الى أنه نمو يعتمد على الاستهلاك أكثر منه على  الاستثمار.

وهنا يتساءل البعض.. لماذا تتجاهل الجهات الرسمية أثر طبع النقود فى زيادة الأسعار، وهى الزيادات التى بلغت خلال السنوات الخمس الأخيرة 189.5 مليار جنيه، أى أكثر من زيادات أجور الموظفين والمعاشات  بنحو 59 مليار جنيه، وهو الطبع الذى لم يقابله زيادة فى عرض السلع والخدمات كما قيل بالخطاب.

القطاع الخاص 3 أضعاف الموظفين
ومن ناحية أخرى يقول البعض أن بيانات عدد المشتغلين بمصر تشير إلى بلوغ عددهم بنهاية يونيو الماضى 25 مليون مشتغل، منهم حوالى 6 مليون يعملون بالحكومة والقطاع العام، أى أن هناك 19 مليون مشتغل يعملون بالقطاع الخاص سواء المنظم فى  شكل شركات أو بالقطاع غير الرسمى، أى أن عدد المشتغلين بالقطاع الخاص ثلاثة أضعاف عدد المشتغلين بالحكومة والقطاع العام، وبالطبع كانت هناك زيادات فى أجورهم خلال السنوات الخمس الأخيرة، أى أن مساهمتهم بزيادات الأسعار أكبر من مساهمة موظفى الحكومة فى ضوء قلة المعروض السلعى.

ولقد تم بالفعل تحجيم أثر زيادات أجور العاملين بالحكومة على زيادات الأسعار، حين تم وضع حد أقصى للزيادات السنوية فى مرتباتهم بنسبة 7 % بقانون الخدمة المدنية، فى حين بلغت نسبة التضخم العام بشهر أغسطس الماضى 16.4 %، وتزيد بمؤشر أسعار الطعام والشراب إلى 20 %، حتى قبل تطبيق زيادة نسبة السبعة بالمائة التى أقرها قانون الخدمة المدنية، والتى لن يتم صرفها إلا بعد اعتماد البرلمان له، بما يشير إلى ضعف أثر زيادة مرتبات الموظفين على زيادات الأسعار، والحاجة للبحث عن شماعة أخرى لتبرير الفشل فى مواجهة ارتفاعات الأسعار، والتى ستستمر فى الزيادة رغم تكرار الوعود بالسيطرة عليها، وفى كل مرة تأخذ الأسعار اتجاها عكسيا بالزيادة، فما بالنا ونحن قد رفعنا سعر الكهرباء، وطبقنا ضريبة القيمة المضافة، ومقبلون على خفض جديد لسعر صرف الجنيه أمام الدولار.
 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر