بقلم : مجدي مغيرة

من عادة الغربيين تشويه صورة أعدائهم بكل وسيلة ممكنة ، وبعد تحقيق أهدافهم وتحطيم أعدائهم واطمئنانهم إلى عجز هؤلاء الأعداء عن النهوض مرة أخرى ، يمدحونهم ، ويذكرون مزاياهم ، بل ويعترفون باستفادتهم الكبيرة منهم ، بل ولا يتحرجون من الاعتراف بما اقترفوه من جرائم ، وبما مارسوه من خسة ونذالة في سبيل انتصارهم عليهم ، وبنظرة إلى كتابين أصدرهما المجلس الوطني للفنون والآداب بالكويت وهما "المتلاعبون بالعقول" و "قصف العقول" نجد كيف اختلق الأمريكان والإنجليز عشرات الأكاذيب ضد ألمانيا وضد روسيا  وضد اليابان بقصد تشويه صورتهم إعلاميا لتبرير ما ينزلونه بهم من قصف وضرب  وإبادة وجرائم ضد الإنسانية  ، مستخدمين في ذلك أعتى الأسلحة  وأكثرها تدميرا .

رأينا ذلك في الدولة العثمانية التي ظلوا يؤلفون الكتب والروايات والأشعار والأفلام والمسلسلات عن سوءاتها ، ثم نقلها إلينا عبيد الغرب المهووسون من بني جلدتنا على أنها حقائق لا مجال للشك في صحتها أو الطعن في حقيقتها ، وابتعلت الشعوب الطعم ، وكره بعضُها بعضا ، فأصبح العرب يكرهون الأتراك ، والأتراك يكرهون العرب ، من خلال الفكرة العنصرية المقيتة وهي فكرة القومية العربية التي اعتنقها العرب نقلا عن الأوربيين ، والقومية الطورانية التركية التي اعتنقها الأتراك أيضا نقلا عن الأوربيين ، ثم بمرور الزمن ، وبفعل فكرة الوطنية أصبح العرب يكره بعضهم بعضا ، فهذا مصري صاحب سبعة آلاف سنة حضارة ، وهذا عراقي بابلي وآشوري صاحب أقدم حضارة على وجه الأرض ، وهذا سوري فينيقي صاحب حضارة البحر المتوسط التي ربطت شعوب العالم القديم ببعضها ، وهلم جرا.

وبعد نجاح المخطط اللئيم ، واطمئنان الغرب إلى ضعف دولنا ، وعجزها عن النهوض بشعوبها ، وعن الانعتاق من سيطرة الغرب ، بدأنا نرى دراسات غربية تعترف بفضل الدولة العثمانية ، بل كانت مفاجأة حينما قرأتُ أن أمريكا تدرس الملفات والوثائق العثمانية لتستفيد من تجربتها في حكم الشعوب متعددة الأعراق واللغات والديانات ، حيث إن التجربة العثمانية من أكثر التجارب الناضجة في هذا المجال عالميا .

وبدأ الغرب كذلك يعترف بفضل الحضارة الإسلامية عليه وعلى تقدمه ورقيه .

وقد شوه الغرب أيضا ، ومعه العلمانيون العرب والمتدينون المزيفون الذين تم تخليقهم في معامل الغرب صورة الإخوان المسلمين حينما رأوا خطورة الإخوان على الدولة الإسرائيلية الجديدة ، وسلطوا عليهم حكام العرب ينزلون بهم أشد ألوان التعذيب والاضطهاد والتشويه والإبعاد ، ولما استقر الأمر بإسرائيل ، وصار أغلب العرب يطلبون ودها سرا أو جهرا ، وصارت مقاييس الغرب في الحق والباطل ، والصواب والخطأ ، والعدل والظلم هي الميزان الفارق بين التحضر والتخلف ، والتقدم والتأخر ؛ رأينا الدراسات الغربية تعترف باعتدال فكرة الإخوان المسلمين ، وبتميزهم في كل مجال خاضوه ، وبأهمية هذه الجماعة إذا أراد العرب أن ينهضوا مرة أخرى .

والآن في ظل ثورات الربيع العربي ، وبعد أن شعر الغرب مرة أخرى باستعادة شعوبنا لعافيتها ، وبأن استغلال الغرب لثرواتنا البشرية والمادية كاد يفلت من أيديهم ، عادوا مرة أخرى لتشويه الإخوان ، وبتشويه الأتراك رغم التزامهم بأسس الديمقراطية ، ورأينا مرة أخرى الغرب يقدم المساعدات للطغاة ، ينتقد جرائمهم بلسانه ، ويمدهم بكل أسباب القوة بأفعاله ، رأينا أدوات القمع والتعذيب تصدرها ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا لمصر ، ورأينا أمريكا وفرنسا تمدها بالأسلحة التي تحارب بها ما يسمونه بالإرهاب .

لابد أن نستمد مقاييسنا في الخطأ والصواب ، والحق والباطل من كتاب ربنا ، وسنة نبينا ، لابد أن تكون حضارتنا هي كنزنا الذي نستخرج منه جواهرنا ،

لابد أن نخرج من قيد أسر الغرب في مفاهيم الحق والعدل والحرية لتكون مقاييس ديننا هي التي تعلو ولا يُعْلَى عليها.

لابد أن نجتهد في امتلاك القوة التي تحرر إرادتنا حتى لا نكون أسرى اللئام الذين لايرقبون في مؤمن إلَّا ولا ذمة .

وصدق الله العظيم إذ يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }   آل عمران  (118) .

وقال أيضا : { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} النساء 89 .


 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر