بقلم : مجدي مغيرة

لم نسمع أو نقرأ أبدا في تاريخ البطولات أن أصحابها حققوها في ظل توازن قوى بينهم وبين الظالم المستبد .

لم نسمع أو نقرأ أبدا أن الإنجازات الضخمة تحققت بفضل وقوف الجميع مع أصحاب هذه الإنجازات ضد الجبابرة المستكبرين .

دائما كانت العقبات أمام كل ذلك عقبات ضخمة ، ودائما كانت ردود الأفعال قاسية وقاتلة وماحقة .

إن الأبطال يستمدون بطولتهم من تحدي الواقع الأليم ، يستمدونها حين يجعلون الحلم المستحيل واقعا ملموسا ، وحين يجعلون الهدف البعيد قريبا في متناول اليد ، وحين تدفعهم آمالهم وطموحاتهم وأهدافهم وغاياتهم إلى اقتحام الصعاب وركوب الأهوال .

انظر إلى حوار موسى عليه السلام مع قومه حين أمرهم بدخول الأرض المقدسة التي كتب الله عليهم دخولها :

{ يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) }  من سورة المائدة .

طلب الله تعالى منهم الجهاد واقتحام الأرض على الجبارين ، لكن الخوف والهلع منعهم من الاستجابة لأمر ربهم رغم ما وعدهم به من نصر بمجرد دخولهم على القوم الظالمين .

لقد أراد بنو إسرائيل أن يدخلوا أرضهم دون تعب ودون مشقة ، ودون بذل الدماء ، ولم يستجب منهم إلا القلة القليلة ، بل وطلبوا أن يجاهد عنهم غيرهم وهم قاعدون ، فكانت النتيجة أن كتب الله عليهم التيه في الأرض أربعين سنة .

لكننا نجد صورة أخرى لقومٍ صمموا على الجهاد رغم قلة العدد والعتاد ، إلا أنهم يملكون عزيمة صلبة وإرادة حديدية ، وتوكل على الله تعالى وثقة في نصره ؛ فحقق الله لهم نصرا عزيزا فاق توقعاتهم ، وكانت بداية مرحلة جديدة لبني إسرائيل انتقلوا فيها من الذل والضعف إلى العز والتمكين ، وصاروا ملوك الأرض بإذن الله بعد أن كانوا مستضعفين أذلاء ، قال تعالى :  { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) } من سورة البقرة .

لكنْ لايَظُنَّنَّ أحدٌ أني بذلك أدعوا إلى إهمال الاستعداد ، واتخاذ الحماس فقط مركبا دون الأخذ بالأسباب ، لكني ألتزم بقول الله تعالى في وجوب بذل الاستعداد قدر الاستطاعة ، وعمل ما نقدر عليه دون أن أعتقد أن الأسباب وحدها كافية لتحقيق النصر ، وما أجمل ، وما أدق ، وما أحكم قول علمائنا في ذلك : { الأخذ بالأسباب واجب ، وتركها معصية ، والاعتماد عليها شرك } .

إجماع القوى العالمية المسيطرة على بقاء شعوبنا تحت مقصلة الاستبداد لا يعني استحالة النجاة منها .

الأمر يحتاج إلى همة عالية لا تأبه لجبروت ، وإلى عزيمة قوية لا تخشى من بأس القوم المجرمين .

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع