خميس النقيب


من يملك شجاعة الاعتذار ؟
شجاعة الاعتذار لا يتقنها الا الكبار ، ولا يحافظ عليها الا الاخيار ، والا يغذيها وينمبها الا الابرار ...!!
فالاعتذار صفة نابعة من قلب ابيض ، لا يحمل غشا ولا يضمر شرا ، ولا يتقن حقدا ...
انه طريق ممهد للتوبة ، وسبيل ميسر للاوبة، " كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون "
فمن عرف خطأه واعتذر عنه كبير في نظر الكثير ، والتماس الخير وسيلة والرجوع الي الحق فضيلة .لذلك ما اجمل ات تكون مسارعا الي الخير رجاعا الي الحق ، لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً". ... حتى قال الامام الشافعى: التمس لأخيك سبعين عذراً
فكم من اسر تفككت ، وكم من اواصر تقطعت ، وكم من زيجات طلقت ، وكم من اطفال شردت ، بسب عدم القدرة علي الاعتذار ، بل ينقلب الحال الي خصومة شديدة وشحناء مديدة وبغضاء رعيدة ، قبل ان تؤثر في الاخرين تقتل صاحبها كمدا وعنادا ...!!
كلمة صغيرة لا يتجاوز عدد حروفها أربعة " آسف " ربما تطفئ حرب ، وتمنع مقتلة - رغم ذلك - فان الكثيرين يستثقلون نطقها تكبراً اواشرا اوبطرا
ظناً منهم أن الاعتذار يقلل من قدرهم، أو ينتقص من قيمتهم او ينال من مكانتهم،
ونتيجة لهذا الظن الخاطئ الذي يحول دون اعتذار الإنسان عن خطأ اقترفه قد تقطع أرحام أو تتهدم بيوت اوتنقطع أواصر اوتتشرد اسر ، تنتهي المودة بين الزملاء ، بل وربما تتحول صداقة الأصدقاء إلى خصومة و جفاء ، لأن أحدهم أبى واستكبر أن يعتذر...!!
إن القوة كل القوة في الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، بل إن الاعتذار هو الخطوة الأولى على طريق العودة إلى الحق، حتى بين الإنسان وخالقه، ومن شروط التوبة النصوح الإقرار بالذنب، ثم الندم عليه، والعزم على عدم العودة لمثله أبداً، ثم الاستغفار عنه.
والإقرار بالذنب أو الخطأ يتجسد في الاعتذار لمن أخطأنا في حقه وطلب الصفح منه،
بل قد يسبقه عودة الحقوق لاهلها ولا فالتوبة معلقة ، فاذا ملكت شجاعة الاعتذارفليس في ذلك أدنى انتقاص من مكانتك فانت قادر على تصحيح مسارك دائماً مهما كانت درجة الانحراف عنه ...!!
اما من يأبى الاعتذار فهو إنسان ضعيف لا يستطيع أن يروض أهواء النفس أو يلجم آفات الكبر ، او يحطم نزغات الشيطان ..!!
فتتمكن منه وقد تنزلق به إلى العناد في الباطل الذي يورث الكفر والعياذ بالله.

وفي حياتنا اليومية كثير من المآسي التي وقعت لأن كثيراً منا لا يملك شجاعة الاعتذار لزوجته أو أخيه أو زميله في العمل ..!!

وكثيراً ما نسمع ونرى عن أشقاء جفت بينهم مشاعر الأخوة؛ لأن أحدهم يأنف أن يعتذر عن خطأ اقترفه في حق شقيقه.
وإن كان الاعتذار شجاعة، فإن الصدق فيه صفة لازمة لا يتحقق إلا بها،
كما أن قبول الاعتذار شيمة الكرماء الذي يعرفون قدر الشجعان ... ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله :
عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم ، و بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، و من أتاه أخوه متنصلا ، فليقبل ذلك منه محقا كان أو مبطلا ، فإن لم يفعل ، لم يرد علي الحوض
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني
والإنسان فى كل نزاع ينشب، أحد رجلين. إما أن يكون ظالما، وإما أن يكون مظلوما، فإن كان عاديا على غيره، ناقضا لحقه، فينبغى أن يُقلع عن غيه وأن يصلح سيرته، وليعلم أنه لن يستل الضغن من قلب خصمه، إلا إذا عاد عليه بما يطمئنه ويرضيه. وقد أمر الإسلام المرء ـ والحالة هذه ـ أن يستصلح صاحبه ويطيب خاطره . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شىء فليتحلله منه اليوم، من قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه " . ذلك نصح الإسلام لمن عليه الحق أما من له الحق فقد رغب إليه أن يلين ويسمح، وأن يمسح أخطاء الأمس بقبول المعذرة، عندما يجىء له أخوه معتذرا ومستغفرا،
ورفض الاعتذار خطأ كبير . وفى الحديث: " من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس " _
وفى رواية: "من تُنُصِّلَ إليه فلم يَقبل لم يرد علىَّ الحوض" . وبهذا الإرشاد المبين للطرفين جميعا يحارب الإسلام الأحقاد، ويقتل جرثومتها فى المهد، ويرتقى بالمجتمع المؤمن إلى مستوى رفيع، من الصداقات المتبادلة، أو المعاملات العادلة.
وقد اعتبر ا لإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل فى أعماق النفس فلا يخرج منها، بل يظل يموج فى جوانبها كما يموج البركان المكتوم. وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم يتلمسون متنفسا له فى وجوه من يقع معهم ؛ فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وازبدوا، وآذوا وأفسدوا . روى عن ابن عباس أن رسول الله قال: "ألا أنبئكم بشراركم ؟ قالوا: بلى، إن شئت يا رسول الله. قال: إن شراركم الذى ينزل وحدة، ويجلد عبده ويمنع رفده. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى، إن شئت يا رسول الله، قال: من يبغض الناس! ويبغضونه. قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى، إن شئت يا رسول الله، قال: الذين لا يُقيلون عثرة، ولا يقبلون معذرة، ولا يغفرون ذنبا، قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره " . والأصناف التى أحصاها هذا الحديث، أمثلة لأطوار الحقد عندما تتضاعف علته وتفتضح سوأته، ولا غرو، فمن قديم أحس الناس، حتى فى جاهليتهم، أن الحقد صفة الطبقات الدنيا من الخلق ! وأن ذوى المروءات يتنزهون عنه ! قال عنترة:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب

ليتنا نكون جميعاً شجعاناً فنعتذر لمن أخطأنا في حقهم ولنكن جميعا كرماء فنقبل الاعتذار ممن اخطأفي حقنا ..
والعبد لله - بمناسبة المقال - أقدم اعتذاري لكل من اخطأت في حقهم ، كبيرا اوصغيرا ،قريبا او بعيدا محقا او غير محق ...!!
والله المستعان ومنه التوفيق وعليه التكلان ..!!
اللهم طهر قلوبنا وصفي نفوسنا ويسر امورنا واغفر زلاتنا ....

[email protected]

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع