بقلم : مجدي مغيرة

لو كان توفيق الحكيم حيا بيننا الآن وطلبنا منه تأليف مسرحية عبثية لما استطاع أن يؤلف مسرحية تشبه واقعنا المصري الذي نحياه الآن ؛ فما نراه ونسمعه يوميا أكبر من خيال أيِّ شاعر أو تصورات أيِّ روائيٍ أو سيناريوهات أيِّ مسرحيٍ شاعراً كان أم ناثراً .

ولو كان الانحدار في جانب في مقابل التقدم في آخر لقلنا أن هذه قدرات وطاقات لا يجوز أن نكلف صاحبها بأكثر مما يطيق أو أن نحمله أكثر مما يحتمل ، لكننا نرى بأم أعيننا أن الانحدار والانحطاط يشمل كل جوانب الحياة صغيرها وكبيرها .

ولو قلنا أن الإهانة والإذلال والسحل السحق والضرب والحرق والقتل والسجن والاعتقال في حق المعارضين فقط لقلنا أن هذا بسبب شهوة الانتقام الأعمى والخوف من الانهزام أمام هؤلاء المعارضين مرة أخرى مثلما حدث في 25 يناير 2011م ، لكننا رأينا أن كل ذلك يشمل المعارضين والمؤيدين على السواء .

ولو قلنا أن الانقلاب يخالفنا في آراء ونظرات ومناهج وطرق ومخططات مما يمكن معها الاختلاف لقلنا ربما تكون وجهات نظر لا يجوز لأحد أن يفرض فيها رأيه على الآخر ، ولندع التجارب والمواقف العملية ونتائج الأعمال هي من تنطق وتحكم بعيدا عن المناقشات والمجادلات والمنازعات ، ولكن ما رأيناه وسمعناه لا يجوز لعاقل أن يقول أنه اختلاف وجهات نظر أو اختلاف مناهج عمل ، فكلنا نوقن بما يشعر به الجميع الآن من ضيق وغلاء وعناء وبلاء .

فقد رأينا وقرأنا ، ورأى العالم معنا وقرأ عن خسائر قناة السويس - بعد الانتهاء من الاحتفال بالتفريعة الجديدة - بسبب انخفاض مرور السفن منها ، وأذاع ذلك رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش ، وبعد شهور عديدة ومديدة يفاجئنا السيسي بأن انخفاض دخل قناة السويس غير صحيح ، والصحيح أنها حققت مكاسب كبيرة ، فإذا سألت نفسك ولماذا لم ينف السيسي كلام مميش منذ أن بدأ يصرح به من عدة شهور إلا الآن ، ولماذا لم يحاسبه على إذاعة بيانات غير صحيحة ، فلن تجد جوابا لمثل تلك الأسئلة أوغيرها .

وقل مثل ذلك على زراعة المليون ونصف مليون فدان قمحا في واحة الفرافرة ، رغم صراخ الفلاحين في الوجه البحري لعدم شراء الحكومة القمح منهم مما يعني خراب بيوتهم وذهاب أموالهم وضياع مجهودهم .

بل وصل الأمر أن قائد الانقلاب لا يحتمل أدنى انتقاد ولو كان من أقرب المقربين منه ، فقد أوقفت أوامرُ عليا تصويرَ بعض المشاهد التي تنتقد حكم عبد الفتاح السيسي بشكل ساخر في مسلسل يعده "عادل إمام" أحد أكبر مؤيدي السيسي ، رغم أن تلك المشاهد لن تقدم أو تؤخر .

وفي آخر حلقة من حلقات المصائب وهو حريق العتبة الذي تُقَدَّر خسائرُه المبدئية بنصف مليار جنيه أغلب الخاسرين فيها من متوسطي الدخل ، وجدنا أغلب الباعة والتجار يشيرون تصريحا أو تلميحا أن الحريق تم عن عمد ، وأن الحكومة تلكأت في الاستجابة لنداءاتهم ، وأن الجيش لم يتدخل في عملية الإطفاء إلا في نهاية الأمر وبعد خراب مالطة .

وهذا التشكيك جاء من تجارٍ وباعة مؤيدين للسيسي وليسوا معارضين له ، فقد أظهروا فرحاً بانقلابه وشماتةً في سجن الإخوان أو قتلهم وفي تلفيق التهم لهم ، وكانوا من أشد المؤيدين لانتخابه رئيسا للجمهورية .

لقد وصل حال البلاد إلى درجة كبيرة من العدمية والعبثية ، ولا أدري هل هذه آخر نقطة في قعر السقوط ؛ ثم يحدث الانفجار بعدها لإعادة ترتيب الأوضاع وبداية الصعود ، أم أننا ما زلنا على موعد مع أعاجيب جديدة وألاعيب عديدة ؟ !

أملنا في الله تعالى كبير ، ورجاؤنا في فرجه لا ينقطع ، وثقتنا في نصره ليس لها حدود .

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع