وليد شوشة

 

ملئت أوروبا الدنيا بصراخها وعويلها إبان الهجوم الإرهابي علي مقر صحيفة "شارلي ابدو" الفرنسية ، والذي خلف 20 قتيلا في باريس وضواحيها، بينهم مرتكبي الهجمات الثلاث، وتعد هذه الحصيلة هي أكبر حصيلة قتلى تتلقاها فرنسا منذ عقود. علي إثر الهجوم هاجت فرنسا وماجت ، ومعها هبت أوروبا بتظاهرة أصبحت الأكبر في تاريخ البلاد حيث ناهزت 000 700 3 مشارك منهم حوالي 2 مليون في باريس وحدها. وقد شاركهم حوالي 50 من قادة العالم، الذين آلمهم الهجوم ، وأبكاهم الإرهاب ، وكان منهم بعض قادة العرب والمسلمين . وتضامنت الشعوب مع الضحايا ، ونددوا بالإرهاب ، ووضعوا علم فرنسا علي صورة الملف الشخصي" profile" .
وما إن خفت صوت صراخها قليلاً ، حتي علا مرة ثانية علي صوت تفجير العاصمة البلجيكية (بروكسل ) الإرهابي ، والذي أسفر عن 21 قتيلاً ، وعشرات الجرحى. ووقف العالم مرة ثانية متوعداً بالقضاء علي الإرهاب ، وتعاطف الجميع مع الضحايا، وزرفت عيون الشعوب الدموع .
هذا الصراخ والعويل كان هناك . فلماذا خفت الصوت ، وخُرست الألسن ، وجفت الدموع هنا؟!
هنا في سوريا .. في كل يوم مأتم وعويل ! هنا ريف دمشق : في كل يوم تفجير! هنا إدلب : الضحايا بالألاف ، والجرحى أكثر منهم وأكثر! هنا حلب : الدماء لا تزال تسيل ، فتمتلئ بها الشوارع ، والجوع لا يزال يحاصر المساكين ، والبراميل المتفجرة لا تزال تُلقى فوق رؤوس الآمنين صباح مساء ! هنا اللاذقية : صورة الأطفال والضحايا مفجعة ومؤلمة !هنا داريا : الصرخات لا تزال تصم الآذان ، والمشاهد لاتزال تُفجع القلوب. هنا: حمص ! هنا : درعا ! هنا : تدمر ! هنا : حماة ! هنا : دير الزور ! هنا: لا بواكي لهم !
أكتب وحلب الشهباء تحت النار ، تشكو إلي الله إخوة وأشقاء ، شاهدوها تشتعل وتصرخ وتُدمر ، ولم يحركوا لها ساكناً . أكتب والصور مرعبة ، والتدمير علي أشده ، وبراميل الموت التي يُلقيها نظام بشار المجرم الإرهابي ، ومعه الطيران الروسي الإرهابي؛ لا يكف عن القتل والفتك ، لا يفرق بين طفل وشيخ ، بين كبير وصغير، بين رجل وامرأة . يستهدفون المستشفيات ، ويمسحون المراكز الطبية مسحاً ، لا تبقي عيناً ولا أثراً ، والمئات لا تزال تحت الأنقاض ...إنهم يُدمرون حلب الثقافة والعلم والتاريخ . إنهم يعملون للتقسيم .
كل ذلك يحدث أمام أعين العالم وبصره ، يشاهدونه رأي العين ، وتسمع آذانه صرخات ثكلاه والجرحى ، وبكاء الأطفال ، وعويل النساء ، واستغاثات الرجال. ولكن لا مجيب ! لقد أسمعت لو ناديت حياً ، ولكن لا حياة لمن تنادي.
إن العالم الغربي يقف اليوم صامتاً لا يحرك ساكناً ؛ لأن الأمر لا يعنيه والضحايا ليسوا ضحاياه والتدمير بعيداً عنه .لقد انكشف زيف الغرب وحضارته وقيمه التي صدع أدمغة العالم بالدفاع عنها ..قيم الحرية للشعوب ، والوقوف مع المظلوم لينال حقه المغتصب من الظالم. لقد نسوا أو تناسوا لماذا أقاموا لجاناً لحقوق الإنسان ؟ ولماذا أسسوا هيئة الأمم ؟ ولماذا أنشؤوا محكمة لاهاي للجرائم ضد الانسانية ؟
ولقد تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية ابتهال الرئيس روزفلت عام 1942 " إلهنا يا مانح الحرية، إننا نضع أفئدتنا وأرواحنا اليوم رهن قضية حرية الجنس البشرى كافة، امنحنا اللهم الإيمان والفهم لنحيا ونعتز بالذين يحاربون من أجل الحرية كما لو كانوا إخوة لنا ... فإذا ما ظلم إخوتنا فنحن كذلك مظلومون، وإذا كانوا جياعًا فنحن كذلك جياع، وإذا كانت الحرية قد انتزعت منهم فإن حريتنا غير مصونة". فماذا كان سيقول روزفلت لو كان حياً اليوم ؟!
أيها الغرب يا باكي الضحايا .. يا مدافع عن الحريات.. يا محارب الإرهاب ..ماذا تسمي ما يحدث في سوريا اليوم ومنذ سنوات ؟ هل هذا بمفهومك للإرهاب يُعد إرهاباً أم ماذا؟ ثم لماذا تدخلت مسرعاً ضد القذافي ، وتباطأت ضد بشار ؟
لقد أزال صوت الصرخات في سوريا الغطاء عن وجه الغرب وأمريكا الكالح ! وكشف زيف الوحدة العربية ، وفضح الجامعة العربية الصامتة ، وسكوت منظمة التعاون الاسلامي!
إن الجميع اليوم يقف خلف المجرم بشار الأسد ، في تدمير سوريا وإبادة شعبها بكل وسائل القتل والتدمير! الكل مشترك في الجريمة ، فمنهم من شارك بالفعل: كروسيا وإيران وميليشيا حزب الله . ومنهم من تعاون استخباراتياً مع النظام : كأمريكا وبريطانيا وفرنسا . ومنهم من صمت صمتاً مطبقاً: كالأنظمة العربية ؛ التي غاب فيها أمثال المعتصم ،حين هب لنجدة امرأة واحدة ،حين قدم إليه " رجلاً ناقلاً له حادثة شاهدها قائلا: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية فرأيت امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تسحل إلى السجن فصاحت في لهفة: وامعتصماه. فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية قائلا له: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي. فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلوا النار في المجانيق وارموا الحصون رميا متتابعا ففعلوا، فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم قالت نعم".
ولكن لماذا دائماً نطلب من غيرنا أن يدافع عنا ؟ ولماذا لا نطلب من قادتنا وحكامنا؟! وهم أولي بالقيام بدورهم في حقن الدماء ، وردع الظالم ؟!
أم أنه لا هؤلاء ولا هؤلاء تُرجى من وراءهم الفائدة ، ولا يُبتغي منهم العون و المساعدة ؟!
إن الأمل في وجه الله الكريم ، والعون عونه ، فإنه سبحانه يمهل ولا يهمل ، وهو بالمرصاد لكل طاغية ، حتي إذا أخذه لم يفلته " وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ".
ثم الأمل في الشعوب الحرة ، التي تنبض عروقها بالحياة ، وتتألم لشكوي المنكوبين والمظلومين ، وتحس بإحساسهم ، وتتوجع لوجعهم .
الأمل في كل عربي ، ومسلم ، وحر ، أن ينهض من كبوته لينصر المستضعفين في الشام ، ويمد لهم يد العون والمساندة ، ويدافع عنهم ، وينشر قضيتهم ، ويطعم جائعهم ، ويداوي جرحاهم ، ويُغيث متضررهم .
وأنا واثق في شعوب هذه الأمة الحرة ، وأن المستقبل لها ، وسيزول ليل الظالمين ، وسيشرق غد الحرية ، وسيزهر المستقبل بالخير ، وأن بعد العسر يسراً، وبعد الظلمة فجراً ، وإن غدا ًلناظره قريب . وصدق الله العظيم : " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)".

 

 

 

 


المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع