نشرت مجلة "سايكولوجي توداي" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن سبب ميل الأطفال للكذب، وكيفية علاج هذه المشكلة.

وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الكذب يعدّ من بين أكثر الأمور المحبطة التي يواجهها الآباء مع أطفالهم، حيث يحاول جميع الآباء تعليم أطفالهم الصدق، لكنهم قد يفشلون في ذلك في بعض الأحيان، وعادة ما يعتبر الكذب مؤشرا على فشل الآباء في تربية أطفالهم، ولمواجهة هذه المشكلة، ينبغي على الآباء أن يدركوا أن المرء يتطور مع مرور الوقت.

وأوضحت المجلة أن "الأطفال والمراهقين لا يملكون نفس طريقة تفكير البالغين، وهو ما أثبتته تجربة أجريت على أطفال تقل أعمارهم عن تسع سنوات، وتتمثل هذه التجربة في وضع طفل في غرفة فارغة تحتوي على كرسي في أحد طرفي الغرفة ولوحة أسهم معلّقة على الحائط، وخط أصفر لامع يمتد على جانبي الغرفة".

وفي إطار هذه التجربة، يسلم المشرف الطفل مجموعة من السهام، وينبهه إلى ضرورة عدم تجاوز الخط الأصفر، ويذكّره بالمكافأة التي سيحصل عليها مقابل كل سهم ينجح في إطلاقه على اللوحة، وعندما يغادر المُشرف الغرفة، يمضي الطفل قدما في رمي السهام، ودون علمه، يقع تسجيل ما يقوم به الطفل باستخدام كاميرا مخبأة في زاوية من زوايا الغرفة.

وذكرت المجلة أنه عند عودة المُشرف إلى الغرفة، كانت جميع السهام مُعلّقة على لوحة الأسهم، على الرغم من أن الخط الأصفر وُضع بشكل متعمد بطريقة تجعل الطفل يفشل في رميها معظم الوقت، ومن جهته، يتحقق المُشرف مما إذا كان الطفل قد التزم بالقواعد، وعادة ما يجيب 90 بالمئة منهم بأنهم قاموا بذلك، وهذا ما يعني أنهم يكذبون.

وأضافت المجلة أن المرحلة الثانية من التجربة شملت مجموعة أخرى من الأطفال من نفس الفئة العمرية، حيث يقع تطبيق التعليمات ذاتها مع هذه المجموعة مع إضافة عنصر واحد يتمثّل في إيهامهم بأن الكرسي الموجود في الغرفة ليس فارغا في حقيقة الأمر، وإنما تجلس عليه أميرة غير مرئية ستكون مهمتها مراقبتهم حين يغادر المُشرف الغرفة، وهذه المرّة، لم يتجاوز 90 بالمئة من المشاركين الخط الأصفر، وهذا لا يرجع إلى نوع من المشاكل العاطفية أو فشل الوالدين، بل إلى تطوّر عمر الطفل.

وبينت المجلة أن الطفل يعتقد أنه يتم مراقبته خلال المرحلة الثانية من التجربة لذلك يلتزم باتباع القواعد المذكورة، وتجدر الإشارة إلى أن الطفل لا يفهم الأسباب التي تدفع الوالدين إلى الغضب عندما يكذبون، نظرا لأنهم يعتقدون أنهم يقولون ما يريد الآباء سماعه حتى يكسبوا رضاهم.

وعلى الرغم من تطوّر أدمغة المراهقين جسديا، إلا أنهم لا يزالون غير قادرين على التفكير مثل البالغين، وفي هذا السياق، ذكر أحد الآباء أنه كان غاضبا جدا من ابنه البالغ من العمر 14 سنة لأنه كان يرغب فقط في لعب ألعاب الفيديو، فأخبره الوالد أن عليه أولا إنجاز أربع مهمات، وهي جزّ العشب وتنظيف أرضيّة غرفة المعيشة وغسل الصحون ووضع الملابس المتسخة في غرفة الغسيل، ومن ثم له حريّة اللعب.

وذكرت المجلة أنه عند عودة الأب من العمل، كان الطفل يلعب لكنّه لم ينجز أيا من المهام الموكلة له، وعندما سأله والده عن سبب ذلك أجاب بكل هدوء بأن: "جزازة العشب نفدت من الوقود"، بالنسبة لهذا المراهق، تعتبر طريقة تفكيره منطقية تماما، لأن والده طلب منه إنجاز أربعة مهام حسب ترتيب معيّن، وبما أنه لم يستطع إنجاز العمل الأول، فإنه لن يستطيع إتمام أي من المهام الأخرى، وبالتالي فالشيء الوحيد الذي يستطيع فعله هو لعب ألعاب الفيديو، وفي الواقع، لم يكن الطفل يحاول التحاذق، بل ذلك هو مستوى نضجه العقلي.

وأوضحت المجلة أن معظم المراهقين يفكرون بهذه الطريقة، لكن لا يجدر بنا محاسبة الطفل بناء على طريقة تفكيرنا الخاصّة، لأن نتائج ذلك قد تكون غير مرغوبة، في المقابل، يجب رؤية الأمور من وجهة نظر الطفل أو المراهق وسيتمكّن الوالدان عندها من معالجة مشكلة الكذب، وفي هذا الصدد، هناك إجراءات يمكنك اتباعها في التعامل مع الأطفال من جميع الأعمار، والتي من شأنها ردع الطفل عن الكذب وتعليمه الصدق.

فلنفترض أنك سمعت صوت تحطم ووجدت طفلك واقفا بجوار إناء مكسور وهو يحمل بيده عصا البيسبول، قد يسأل معظم الآباء "ماذا حدث؟"، ولكن عليك مراجعة الخيارات المتاحة من وجهة نظر الطفل؛ فقد يخبرك الحقيقة، قابلا عقابه أو يتظاهر بعدم معرفة شيء أملا أن تصدّقه، ولكن من أجل تغيير الوضع لصالحك، عليك ألا تسأل الطفل عما حصل وأن تخاطبه كالآتي: "لقد كسرت المزهرية أثناء اللعب في المنزل، لذلك سيكون عقابك المساعدة في تنظيف المنزل، ومع ذلك، إذا كنت تريد الاعتذار وتخبرني بحقيقة ما حصل بنفسك، فإنك ستنجز حينها أقل مهام تنظيف".

وفي الختام، خلصت المجلة إلى أن هذا الأسلوب يساعد الطفل على الإقرار بخطئه باستعمال كلماته الخاصة و"قول الحقيقة" من أجل تخفيف العقوبة التي قد يتلقاها، وبفضل هذه الطريقة يتعلم الأطفال أهميّة اللجوء إلى الصدق عند ارتكابهم لأي خطأ، ومن المرجح أن يتعوّدوا على اعتماد هذا الأسلوب تلقائيا كلّما أساؤوا التصرف.