عامر شماخ

 

لا يزال الإخوان المسلمون يمثلون كابوسًا مزعجًا للنظام القائم، ورهابًا متواصلًا لا يستطيع التخلص منه؛ إذ رغم مرور سبع سنوات على جريمة الانقلاب، ورغم تمكُّن العسكر من مفاصل الدولة، فإنه لا يزال قلقًا مذعورًا، يحسب كل صيحة عليه، كمن ينتظر طعنة الموت من شبح يمسك بخُنَّاقه.

ورغم تصفية آلاف الإخوان وتعرض نحو 400 ألف للاعتقال، منهم ستون ألفًا قابعون فى السجون، غير المطاردين والمصادرة أموالهم –فإن وسواسًا أصاب النظام اسمه «الإخوان»، جعله يأتى بسلوكات قهرية دالة على عضال دائه؛ بدءًا من ملاحقة كل من يمتُّ للجماعة بصلة، وانتهاء بتعليق أسباب الفشل عليهم، يقولون لولاهم ما كان هذا التراجع، حتى وصل الادعاء إلى أنهم عوَّقوا مفاوضات سد النهضة، وسهَّلوا دخول الأتراك إلى ليبيا، وتعمدوا نشر «الكورونا» بين المصريين.

وما بين الملاحقة وتعليق الفشل على الجماعة، طفحت سلوكات غريبة فى مناسبة (30/6) الفائت، توحى بهلع النظام من هذه الجماعة التاريخية؛ منها إطلاق إعلامييها يشوهون الإخوان وينبحون عليهم، ويتهمونهم اتهامات مزورة وجرائم باطلة، وإطلاق كتائبه الإلكترونية لاستكمال الدور نفسه، وأيضًا إطلاق عدد من «العلماء!» المتهتكين للنيل من «دين» الجماعة واعتبارها من الخوارج، بالطبع من دون أدلة، لكن هكذا أراد النظام وليس على هؤلاء «العلماء!» سوى التنفيذ، ولو كان بالافتراء على دين الله وتحريف الكلم عن مواضعه.

وإذا كانت الحالة التى أصابت النظام لها أسبابها النفسية؛ إذ يكاد المريب أن يقول خذونى، ويظل القاتل حبيس جريمته ويتمنى لو بُعث القتيل فقتله ثانية؛ ظنًّا أن ذلك يطفئ ناره أو يسكت سعاره –فإن موعد (30/6) الذى ضربه رأس النظام على نفسه لنقل مصر إلى «حتة تانية خالص» زاد وطأة هذا السعار، وجعل السهم مصوبًا إلى الجماعة وأبناء الجماعة وحتى نساء الجماعة، فلا مصر انتقلت إلى «حتة تانية خالص» ولا تحقق إنجاز واحد، بل صار البلد كالميت الحى؛ أوضاع متردية، واقتصاد منهار، وسلف وقروض، وأزمات بالجملة إلخ، وصار المصرى يشعر بالحسرة على ما آلت إليه الأمور.

وليت الكابوس الذى عصف بالنظام انحسر فى قادته ومسئوليه ومن يشايعونهم، إنما امتد إلى واقع البلد ومستقبله؛ ومع إحساس رأس النظام والمتنفذين فيه بخطورة الإخوان فقد تحتم عليهم فرض مزيد من الاستبداد والقيود، ومزيد من التترس بكل ما يملكون للحفاظ على السلطة، ومن ثم توجيه كل الموارد والطاقات والإمكانات إلى «الأمن السياسى»، والتفرغ لهذه القضية، والانصراف عن غيرها ولو كانت فى حجم مشكلة سد النهضة أو مشكلة الانهيار الاقتصادى، والتوسع –بالطبع- فى دائرة الاشتباه حتى وقع المصريون جميعًا داخل هذه الدائرة ما لم يثبت العكس، أفرادًا ومؤسسات، لدرجة طالت الطعن فى رموز الإسلام نكاية فى «الجماعة».

ولا يخفى أن تلك الحالة (الأزمة) قد أظهرت الصراع الداخلى الذى لا تخطئه عين مستثمر أو سائح أو زائر، كما عمَّقت الخصومة المجتمعية، وأضرمت النيران بين طوائف المجتمع، وبالتأكيد لن تكون هناك ديمقراطية أو شفافية، بل سيكون هناك فساد وفوضى وترهل وخلل؛ لضمان الإبقاء على قطاع من الأتباع فى المؤسسات المختلفة لا يستطيعون العيش إلا فى ظل هذه الآفات.

لم يعِ الانقلابيون بعدُ؛ لقصر أفهامهم وسواد قلوبهم، أن الإخوان فكرة، وأن أنصارها هم غالبية الشعب المصرى، رضوا أم أبوا، وأن المحن تصهر الأتباع وتقويهم وتزيدهم صلابة وقناعة.. ولو اعتبروا لعادوا لأحداث الستينيات، وكان «الهالك» قد ظن أنه استأصل شأفة الجماعة فى محنة 1954، فإذا به يفاجأ فى عام 1965 بأنهم أقوى وأكثر عددًا مما كانوا حتى أن زبانيته اعتقلوا –وهو مقيم فى موسكو- ثمانية عشر ألفًا فى ليلة واحدة من مجموع 36 ألفًا دخلوا سجونه ولم يمض شهر واحد على قرار «اعتقال كل من سبق اعتقاله»، منهم 450 امرأة، منهن الحوامل والعجائز والمريضات والمرضعات.. ولو اعتبروا لعادوا لما فعل معهم السادات وماذا كان شأنهم بعده.

إنه لن يقر لهذا البلد قرار إلا إذا عاد من يحكمونها إلى ثكناتهم، وإلا إذا تركوا الحرية للشعب فى اختيار حكامه، وإلا إذا تم اقتلاع الفساد من جذوره، ونفض التبعية، والقضاء على عصابات السياسة الذين يروجون لكل حاكم ويتكسبون من كل نظام، ولا يحيون إلا فى ظل هذه الأجواء الفاسدة والأزمات المفتعلة.