د. جلال الحسين :
عضو الرابطة الاسلامية في بريطانيا
دبلوم الدراسات الاسلامية و الشرق أوسطية - جامعة مانشستر - المملكة المتحدة
القتل المعنوي أو الاغتيال المعنوي هو وسيلة لدفع الاشخاص و الهيئات الي الاحباط و الاكتئاب و العزله و الجمود و يحدث ذلك غالبا عن طريق التضليل و اعطاء صورة سلبيه مكذوبه أو رسم صورة بشعه مغايرة للصورة الحقيقيه , أو قد يحدث ذلك أحيانا عن طريق تحري الصدق و به تكشتف الحقائق و يتم ابراز الصورة السلبية الحقيقية للشخص مثل كونه ظالم أو فاسد أو مستبد أو مرتشي أو غير ذلك من النواقص الاخلاقية .
و القتل المعنوي أشد من القتل المادي لأنه غالبا ما يصعب اقناع الناس بالصورة الحقيقيه للذين قتلوا معنويا بعد أن استقرت صورة قاسية في عقول الناس و أصبحت من ثوابتهم و من الامور المسلمه لديهم , و كما نعلم فطبيعة البشر تأبى التغيير بداية و قد يصعب على الشخص نفسه المقتول معنويا أن يقتنع بصورتة الحقيقيه السليمه و يصبح أسير الصورة المغلوطة و هذة أبشع صورة و نتيجة لعملية القتل المعنوي .
ينقسم القتل المعنوي الي قسمين : -
- قتل معنوي أولي : من قبل الانسان ذاته و ذلك عن طريق نظرته لنفسة فيجعل قيمته المعنويه لا تليق بمكانته الانسانية أو درجته الوظيفية و قد يكون هذا تعبيرعن وجود خلل ما مثل عدم الثقه بالنفس وما الي ذلك ....و قد يكون تعبيرعن افتقاد للقيم الروحية و الاخلاقية كما أن انسان ما يأخذ من الاستجداء و التسول اسلوب للحياة .
- قتل معنوي ثانوي : و يصدر من البعض ضد الأشخاص الاخرين مما يسبب الاهانه و جرح الكرامه من خلال تبني وجه نظر أو فرض رأي معين أو صورة مغلوطة مثل الاتهام بالفشل أو قلة المهاره أو أي ناقصة اخرى أو عن طريق الكذب و التضليل بالصاق تهمه الاجرام أو الارهاب بالآخرين مع التهميش والغيبه و المبالغه في السب و تشويه التاريخ و هذا من قبيل التجهيل و ضياع الحقائق .
و يأخذ القتل المعنوي شكل من أشكال التشهير و التسقيط و يمارس من خلاله الطعن و القذف و غالبا ما يكون عن طريق الاشاعات و اختلاق القصص و الاخبار المكذوبه مثل - فلان على علاقة براقصة ساقطة - وعادة ما يقوم بهذا العمل المشين الخصوم الغير شرفاء و الذين يحسدون و يبغضون الشخص المراد افشاله والذي عادة ما يكون نابغا أو ناجحا , فيريدون تدميرة معنويا .
و تعتبر الصحافة و الاعلام الرسمي و الخاص من أهم أدوات هذا الاسلوب من أساليب القتل المعنوي فقد يرى البعض أن الاعلام يشكل حوال 95 % من أدوات المعارك بين الخصوم نتيجه لقدرتة علي تزييف وعي الجماهير و شيطنة الخصم و من ثم قتلة معنويا وهنا تحضرتي مقولة شهيرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقه عند مفاوضات المصالحه الوطنيه مع الجبهه الاسلامية للانقاذ في الجزائر حيث طلب بعض المفرج عنهم من الرئيس أن يخصص لهم قناة فضائية فرفض فخفضوا الطلب الي برنامج تليفزيوني واحد فرفض فخفضوا الطلب الي برنامج في الاذاعه ! لم يتمالك الرئيس الجزائري أعصابة أمام هذا الاصرار و ثار ثورة عظيمة و قال لهم " هو أنا مجنون كي أعطيكم سلاح فتاك " !
و هنا تجدرالاشارة الي وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك و تويتر و المنتديات بانواعها و هو ما يسمى بالاعلام الموازي و تكمن خطورته في غفلة الكثيرين عن الضرر الذي قد يحدثة في صورة القتل المعنوي الخفي لكونه منتج مغلف بعملية التواصل الاجتماعي نفسها و تبادل الاراء و الاخبار في مناخ من العلاقات الانسانية .
ان عملية الهجوم الاعلامي بكافة انواعه و ترديد الشائعات بهدف تجريح الخصوم و اللتي يتبناها الحاقدون و يخصص لها كتائب من المأجورين لتسويق مفاهيم باطلة , هذة الدعاية المغرضة لها تأثير تراكمي و دور خطير لا يستهان به في تزييف العقل الباطن و تغيير مدارك الغافلين .
و الفساد الاخلاقي نفسة و الحرص على اشاعته قد يساهم في عملية القتل المعنوي على نطاق واسع في المجتمعات و البلدان بارتكاب الفواحش بشتى أنواعها و انتشارها انتشار واسع يؤدي الي قتل معنوي جماعي عن طريق تسفيه القيم الانسانية في المجتمع و تشويهها , على طريقة - اشرب بريل و خليك راجل - و قد يأخذ صورة قتل العفه و الحياء و الطهر أو باظهار أصحاب الصفات الحميدة و نعتهم بالتخلف و السذاجه و الغباء .
و التهديد بالقتل و التعذيب الممنهج داخل السجون فهو بلا شك يعتبر من أعنف انواع القتل المعنوي , فارهاب النفس قد يؤدي بها الي الخشيه و هذة الأخيره اذا تمكنت من الانسان فانها تؤدي به الي الجمود وانكسار الارادة وعدم الرغبة في مواصلة الطريق .
أما سوء المعامله كوسيله للقتل المعنوي فهو أمر شائع و خطورتة أن الكثيرين لا يعلمون تأثيرة المدمر فان الايذاء و كثرة الظلم و التقريع يجرح مشاعر الاخرين مما يجعل نفوسهم متألمه و منكسرة .
و أخيرا فان القهر السياسي بعدم اعطاء الحقوق و الحريات يؤدي الي عملية قتل للطاقات الانسانيه و هو بمثابة قتل معنوي للاخريين لأن الحريه هي العنصر الاساسي في كرامة الانسان فاذا سلبت أدى ذلك الي المذله و المهانه و الاحباط و الجمود و هي النتيجة الحتمية للقتل المعنوي .
و قد يأخذ القتل المعنوي صورة ايجابيه عندما يتم كشف انحطاط الطغاة و خيانة العملاء و فضح جرائمهم أمام الرأي العام و نعتهم بأوصافهم الحقيقيه و وضعهم أمام مسؤلياتهم الاخلاقية والثوابت الانسانية المتعارف عليها فقد يحدث ذلك انكسار معنويا لهؤلاء الجبابرة . و قد يحدث أن ينهار هؤلاء ذاتيا و بدون أي حراك الا من ضمائرهم اللتي تستيقظ يوما ما أمام حقيقة انحطاط اخلاقهم و تدني مستوى آدميتهم فيحدث لهم قتل معنوي يضعف ارادتهم .
و من المهم في هذا السياق أن نشيرالي ما حدث في الايام الأخيرة من الثورة الايرانية و قد كان القمع و القتل و السحل للثوار على أشدة , فحدث انهيار معنوي للحرس الامبراطوري و القوا السلاح و تنحت القوات الجوية و قوات الامن بعد اكتشاف حقيقة الاعداد المهولة للقتلى و الجرحي و المعتقلين و بعد تواتر الاخبار عن ممارسات التعذيب و الاغتصاب و التنكيل البشع بالثوار من أبناء الوطن الواحد . لم يكن تدني الحاله الاقتصادية هو العامل الذي أدي الي سقوط شاه ايران و قد ظل الاقتصاد الايراني متماسك رغم هروب بعض رؤس الاموال و توقف نشاط البازار و هبوط التجارة الداخلية و حدوث بعض التفجيرات في مناطق صناعة النفط مما أثر على تدني الايرادات و لكن كان الانهيار المعنوي لقوات الشاه هو العنصر الأكبر والاهم في نجاح الثورة الايرانية .
و في اطار ما سبق فان الثورة في مصر تأخذ الآن نفس المنحى و تتخذ من زعزعة الاستقرار النفسي للجنود و الضباط وسيله لدحض الانقلاب العسكري . والواقع يحتم علينا ألا نتكلم عن جميع الضباط و جميع الجنود و لكن مما لا شك فيه فان ما يسمى بالسلمية " الايجابيه " أو " المبدعه " هي أحدى الطرق الموصلة الي الانهيار المعنوي في القوة الضاربه للانقلابين و من ثم القائهم السلاح أو الامتناع عن تنفيذ أوامر القادة الخونة أو التمرد و الانشقاق و هو ما يرد على تساؤل البعض عن جدوى المسيرات اليومية في مصر وعن الهدف منها والاجابة هي : القتل المعنوي , هي مجابهة القتل بالقتل ... القتل المادي بالقتل المعنوي , وهو ما يفهم من تعبير انتصار الدم على السيف !
ومن المهم هنا أن نؤكد على أن القتل المعنوي للانقلابيين لا يمثل الطريقه الوحيدة للتخلص منهم و لكنة أحد الوسائل الكثيرة و المتنوعه و اللتي من الممكن أن يكون لها دور مؤثر و حاسم في مرحلة ما من مراحل النضال الثوري .
" يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون " - صدق الله العظيم .
المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر