طالع ما سبق نشره :
(1) (2) (3) (4) (5) (6) (7)
 
بقلم : الشيخ عبد الله علوان
 
الفصل الثالث - مسؤولية التربية الجسمية


وجوب النفقة على الأهل والولد
ومن المسؤوليات الكبرى التي أوجبها الإسلام على المربين من آباء وأمهات ومعلمين.. مسؤولية التربية الجسمية، لينشأ الأولاد على خير ما ينشؤون عليه من قوة الجسم، وسلامة البدن، ومظاهر الصحة والحيوية والنشاط..
وإليكم – أيها المربون – المنهج العلمي الذي رسمه الإسلام في تربية الأولاد الجسمية، لتعلموا ضخامة الأمانة الملقاة على عاتقكم، ومعالم هذه المسؤولية التي أوجبها الله عليكم:
1- وجوب النفقة على الأهل والولد.
لقوله تبارك وتعالى:
{وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} البقرة: 233.
ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة[1]، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك.. أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".
وإذا كان للأب الأجر والمثوبة في التوسعة على الأهل، والإنفاق على العيال.. فإن عليه بالتالي الوزر والإثم إذا أمسك عن الإنفاق، وقتّر على الأهل والأولاد وهو مستطيع.. اسمعوا إلى ما يقوله عليه الصلاة والسلام في حق المضيّعين لعيالهم، والمُمسكين عن نفقة أهلهم وأولادهم، وذلك في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: "كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت"، وفي رواية لمسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمّن يملك قوته". ومن النفقة على العيال تهيئة الأب لأهله وعياله الغذاء الصالح، والمسكن الصالح، والكساء الصالح.. حتى لا تتعرض أجسامهم للأسقام، وتنهك أبدانهم الأوبئة والأمراض..
[1] في رقبة: أي في اعتاق عبد أو أمة.
اتباع القواعد الصحية في المأكل والمشرب والنوم
لتصبح لدى الأولاد عادة وخلقاً.
فمن هديه عليه الصلاة والسلام في الطعام: الاحتماء من التخمة، والنهي عن الزيادة في الأكل والشرب على قدر الحاجة.. روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ آدمي وعاءاً شرّاً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه".
ومن هديه صلوات الله وسلامه عليه في الشراب: الشرب مثنى وثلاث، والنهي عن التنفس في الإناء، والشراب قائماً..
- روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا واحداً كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسمّوا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم".
- وفي الصحيحين عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى أن يُتنفّس في الإناء"، وفي رواية للترمذي: "نهى أن يُتنفس في الإناء أو ينفخ فيه".
- وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يشربنّ أحدكم قائماً، فمن نسي فليستقئ".
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في النوم: النوم على الجانب الأيمن، لأن النوم على الجانب الأيسر يضر بالقلب، ويعيق التنفس.. روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: "اللهم أسلمت وجهي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت"، واجعلهن آخر ما تقول".
التحرز من الأمراض السارية المعدية
للأحاديث التالية:
- روى مسلم وابن ماجة وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فقد بايعناك".
- وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد".
- وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يوردنّ ممرض على مُصحٍّ". لذا كان لزاماً على المربين – ولا سيما الأمهات – إذا أصيب أحد أولادهم بمرض مُعْدٍ أن يعزلوه عن بقية الأولاد، حتى لا ينتشر المرض، ويستفحل الوباء.. فما أعظم هذا الهدي النبوي في تربية الأجسام، والحفاظ على صحة الأبدان!!.
معالجة المرض بالتداوي
لما للتداوي من أثر كبير في دفع البلاء، وتحقيق الشفاء..
ولقد جاء الأمر بالتداوي في أحاديث كثيرة، نجتزئ منها ما يلي:
- روى مسلم وأحمد وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برأ بإذن الله عز وجل".
- وفي مسند الإمام أحمد، وفي النسائي، وغيرهما عن أسامة بن شريك قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال: نعم يا عباد الله تداوَوْ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم".
- وروى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: "قلت: يا رسول الله! أرأيت رُقىً نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاةً نتقيها هل تردّ من قدر الله شيئاً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هي من قدر الله". فما على الآباء والمربين إلا أن يأخذوا بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الاهتمام بأولادهم حين يصابون، وبمعالجتهم حين يمرضون.. لأن الأخذ بالأسباب والمسببات من مقتضيات الفطرة، ومن صميم مبادئ الإسلام!!..
تطبيق مبدأ "لا ضرر ولا ضرار"
لما روى مالك، وابن ماجة، والدارقطني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار".
فهذا الحديث الشريف عدّه الفقهاء والأصوليون قاعدة شرعية من أهم القواعد التي قررها الإسلام، وينبني عليها أمور كثيرة في الحفاظ على كيان الفرد والمجتمع، وفي دفع الضرر عن الناس..
وبناء على هذه القاعدة وجب على المربين – ولا سيما الأمهات – أن يرشدوا أولادهم إلى التقيد بالتعاليم الصحية، والوسائل الوقائية في الحفاظ على صحة الولد، وتنمية قوته الجسدية.. وعليهم كذلك أن يستعينوا بالمختصين فيما يجب اتخاذه لوقاية الجسم من الآفات المرضية، والأمراض السارية..
- فإذا كان أكلُ الفواكه فجّة تؤذي الجسم، وتسبب المرض.. فعلى المربين أن يرشدوا الأولاد إلى أن يعتادوا أكل الفواكه ناضجة.
- وإذا كان أكل الخضار والثمار قبل غسلها يؤدي إلى آفات مرضية.. فعلى المربين أن يرشدوا أولادهم إلى أن يعتادوا أكل الخضار والثمار بعد غسلها.
- وإذا كان إدخال الطعام على الطعام يسبب أمراضاً في المعدة وفي جهاز التنفس وجهاز الهضم.. فعلى المربين أن يرشدوا الأولاد إلى أن يعتادوا الطعام في أوقات مخصوصة.
- وإذا كان تناول الطعام باليدين قبل غسلهما يؤدي إلى انتشار المرض، فعلى المربين أن يرشدوا الأولاد إلى تطبيق هدي الإسلام في غسل اليدين قبل الطعام وبعده.
- وإذا كان النفخ في الإناء وفي الملعقة يؤدي إلى أضرار جسمية، فعلى المربين أن يمنعوا أولادهم عن هذه العادة الؤذية.. وهكذا، حينما يأخذ المربون بمثل هذه التعليمات الطبية، ويعوّدوا أولادهم على التقيد بهذه الإرشادات الصحية.. فلا شك أن الأولاد ينشؤون على الصحة الكاملة، ويترعرعون على سلامة الجسم، وقوة البدن، وظاهرة الحيوية والنشاط!!..
تعويد الولد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية
تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى:
{وأعِدُّوا لهم ما استطعتم من قوة...} الأنفال: 60.
وتنفيذاً لأمره عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..".
ومن أجل هذا دعا الإسلام إلى تعليم السباحة والرمي وركوب الخيل، وذلك من التوجيهات النبوية التالية:
- روى الطبراني بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين (للرمي)، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليمه السباحة".
- وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} ثم قال: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي".
- وروى البزار والطبراني بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بالرمي فإنه من خير لهوكم".
- وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر على أصحابه في حلقات الرمي، فيشجعهم ويقول لهم: (ارموا وأنا معكم كلكم).
- وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف، وأذن لزوجه عائشة رضي الله عنها أن تنظر إليهم، وهو يقول لهم: (دونكم ما بني أرْفِدَة[1]) وبينما هم يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال عليه الصلاة والسلام: (دعهم يا عمر)[2].
وروى أصحاب السنن والإمام أحمد عنه عليه الصلاة والسلام: "لا سَبَق (أي لارهان) إلا في خُفّ أو حافر أو نصل (أي سهام)" لما لهذا الرهان[3] من أثر في إعداد وسيلة الحرب والجهاد.
[1] أرفدة: كنية ينادى بها أبناء الحبشة عند العرب.
[2] وإنها لسماحة كريمة من رسول الإسلام يُقِرّ مثل هذا التدريب في مسجده الشريف، ليبين لكل ذي عينين أن المسجد في الإسلام يجمع بين العبادة والإعداد للجهاد، ويحقق تربية الفرد ومصلحة الإسلام..
[3] الرهان المباح هو ما كان بذله من غير المتسابقين أو من أحدهما فقط، أما إذا كان الرهان من المتسابقين فهو يدخل في القمار المحرم، وصورته: أن يقول أحد المتسابقين للآخر: إن سبقتني أعطيتك كذا من مال أو جائزة، وإن سبقتك تعطيني كذا من مال أو جائزة.. فهذه الصورة محرمة.
تعويد الولد على التقشف وعدم الإغراق في التنعم
ليقوم في سن الرشد والبلوغ بواجب الجهاد، والدعوة إلى الله على أحسن وجه، وأنبل معنى..
ولقد جاءت الدعوة إلى التقشف، والتربية على حياة الخشونة في أكثر من حديث:
- روى الإمام أحمد وأبو نعيم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعاً: "إياكم والتنعّم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين".
- وروى الطبراني وابن شاهين وأبو نعيم عن القعقاع بن أبي حَدْرَد مرفوعاً "تمعدَدْوا، واخشوشنوا، وانتضلوا"[1].
ويكفي الرسول صلوات الله وسلامه عليه قدوة وأسوة في تقلّبه في حياة الخشونة والتقشف.. في المطعم.. في الملبس.. في المسكن.. لتتأسى الأجيال المسلمة به، وتمشي على هديه وسننه.. حتى تكون دائماً في حال يهيؤ واستعداد واستنفار لكل ما يعترضها من أحداث، وما ينزل في ساحتها من نوازل..
ومن الملاحظ أن أمة الإسلام حينما تتقلب في النعيم، وتسترسل في الملاذ والطيبات، وتنام على الديباج والحرير، وتغريها الحضارة المادية ببريقها ومظاهرها.. فسرعان ما تنهار، وتستسلم لضربات الأعداء، وسرعان ما تخمد في نفوس شبابها روح المصابرة والمرابطة والجهاد في سبيل الله.. وما سقوط الأندلس في التاريخ عن الأذهان ببعيد!!..
[1] تمعددوا: انتسبوا إلى جدكم معد بن عدنان في خشونة العيش والفصاحة.
اخشوشنوا: تربوا على حياة الخشونة والتقشف.
انتضلوا: ارموا بالسهام للإعداد والتعويد.
تعويد الولد على حياة الجد والرجولة والابتعاد عن التراخي والميوعة والانحلال
وذلك للإرشادات النبوية التالية:
- روى مسلم في صحيحه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز..".
- وروى الطبراني بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين (أي الرمي)، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليمه السباحة".
- وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الرجل حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، وزاد النسائي في روايته: "فإذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه".
- وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات.. رؤوسهن كأسنمة البُخْت[1] المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
فهذا غيض من فيض مما وجه إليه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.. وهي – كما رأيت – توجيهات قيمة تدعو إلى حياة الجد والرجولة، وتحذر من الميوعة والانحلال.. ومن المعلوم بداهة أن الولد إذا نشأ على الميوعة والانحلال، وتربى على الفجور والمنكر، ودرج على الهزل وعدم الاكتراث.. فإن شخصيته تتحطم، ونفسيته تتعقد، وجسمه يتعرض لأخطر الأسقام والأمراض.
لهذا كله كان لزاماً على المربين – ولا سيما الأمهات – أن يتعهدوا أولادهم منذ الصغر، وأن يغرسوا في نفوسهم أنبل معاني الرجولة والخشونة والإباء والشمم والخلُق العظيم.
وعليهم كذلك أن يبعدوهم عن كل ما يحطم الرجولة والشخصية، ويقتل الفضيلة والأخلاق، ويوهن العقل والجسد.. فإن في ذلك – ولا شك – سلامة لتفكيرهم وقوة لأبدانهم، وحفظاً لأخلاقهم، وسموّاً لأرواحهم، وحافزاً قويّاً لتحقيق آمالهم وأمانيهم..
تلكم هي – أيها المربون – أهم الأسس التي رسمها الإسلام في تربية الأولاد الجسمية..
فإن أعرتموها اهتمامكم، وأوليتموها عنايتكم تمتع الجيل الذي تقومون على توجيهه وتربيته بالقوة والصحة والحيوية والنشاط، وتكونون بالتالي قد قمتم بأداء الأمانة الملقاة على عاتقكم، وحققتم المسؤولية التي أوجبها الله عليكم، ولقيتم الله سبحانه يوم القيامة بوجه أبيض في مجمع من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً!!.
وهناك ظواهر خطيرة نلمحها في محيط الصغار والكبار، والمراهقين والشباب، وجب على المربين – ولا سيما الآباء – أن ينتبهوا لها، ويدركوا أضرارها وأخطارها، ويكشفوا لمن لهم عليهم حق التربية عن شرورها وآفاتها.. حتى لا يقعوا في حبائلها ويكتووا بنارها، ويتيهوا في منعطفاتها ودروبها..
وفي تقديري أن هذه الظواهر المتفشية في الصغار والمراهقين والشباب تتركز في الأمور التالية:
1- ظاهرة التدخين.
2- ظاهرة العادة السرية.
3- ظاهرة المسكرات والمخدرات.
4- ظاهرة الزنى واللواط.
وسأتكلم – بعون الله – عن كل ظاهرة من هذه الظواهر الأربع بشيء من البيان والتفصيل.
1- ظاهرة التدخين:
من المشاهد في واقعنا الاجتماعي الأليم أن ظاهرة التدخين هي أكثر انتشاراً، وأوسع تناولاً من أية ظاهرة أخرى.. فحيثما قلّب الإنسان النظر يجد هذه العادة الذميمة متفشية في ربوع المجتمع على اختلاف المستويات، وفي كافة الطبقات صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، شيباً وشباناً، ولم ينْجُ منها إلا منْ غلّب الإرادة على الهوى، والعقل على العاطفة، والمصلحة على المفسدة.. وقليل ماهم.
ولكي نوفّي هذه الظاهرة حقها، ونحيط بها من جميع جوانبها يحسن التكلم عنها في أمور ثلاثة:
1- الأضرار التي تنجم عنها.
2- حكم الشرع فيها.
3- كيف نعالجها؟
أما فيما يتعلق بالأضرار التي تنجم عنها فيمكن أن نحدد الضرر بشيئين هامين:
الأول – الضرر الصحي والنفسي:
فقد ثبت بشكل قاطع جازم لا يحتمل الشك أن الدخان – كما قرر أطباء الصحة – يورث السل، وسرطان الرئة، ويضعف الذاكرة، ويقلل الشهية، ويسبب اصفرار الوجه والأسنان، ويعيق التنفس، ويهيج الأعصاب، ويحدث انحطاطاً عاماً في الجسم، ويميّع الخلق، ويحلّل الإرادة، ويعوّد على الكسل والاسترخاء..
وإليكم تقارير الأطباء المختصين في أضرار الدخان وتأثيره على الصحة:
ذكرت مجلة (الشبيكل) الألمانية: (أنه اجتمع عشرة من العلماء الأمريكيين المختصين في مركز البحوث في مدينة (بيثيردا) الواقعة في ولاية (ماري لاند) الأمريكية، وبحثوا تأثير الدخان على الصحة الفردية فأجمعوا على الأضرار التالية:
1- نسبة الوفيات بين المدخنين الذكور تزيد (68) بالمائة عنها من بين غير المدخنين.
2- نسبة الوفيات في صفوف المدخنين من الأمراض التالية بالمقارنة مع غير المدخنين: سرطان الرئة (10,8) ضِعْفاً. التهابات الأغشية المخاطية، ومجاري التنفس، وتورّم وانتفاخ هذه المجاري (6,1) ضعفاً. سرطان الحنجرة (5,4) ضعفاً. سرطان تجويف الفم (4,1) ضعفاً. سرطان المريء (3,4) ضعفاً، أمراض المعدة (2,4) ضعفاً. أمراض دورية أخرى (2,6) ضعفاً. وأمراض الدسامات القلبية (1,7) ضِعفاً.
3- وهذا يعني أن احتمال الإصابة بمرض الضفائر، والدسّامات القلبية (وهو يؤدي في الولايات المتحدة غالباً إلى الموت) يزيد بمقدار (70) بالمائة في صفوف مدخني السجائر عن غير المدخنين، والتهابات الأغشية المخاطية، والمجاري التنفسية بمقدار (500) بالمائة، أما السرطان الرئوي وهو أكثر أنواع السرطان انتشاراً فتزيد نسبة احتمال الإصابة بين المدخنين (1000) بالمائة عن غير المدخنين...) 1. هـ[2]
- وأصدرت الجمعية السورية لمكافحة السُّل نشرة تضمنت ما يلي: (إن سنوات عديدة من البحث العلمي أثتبت الوقائع التالية: عندما يدخن شخص ما سيجارة فإنه يبتلع الدخان ويحتفظ الجسم بـ (80 إلى 90) في المائة منه، كما يحتفظ ببقايا احتراق التبغ الذي هو القطران الذي يتجمع في الطرق التنفسية، والقطران هو نوع من عدة مركبات كيماوية يستطيع بعضها إحداث السرطان، بينما بقية العناصر الأخرى تحدث التخريش أيضاً، وتجعل الرئة موطناً صالحاً لفتك عصيّات السل والجراثيم الممرضة الفتاكة... المدخنون أشد تعرضاً للإصابة بالسل والسرطان من الذين لا يدخنون، وبالتالي فإن عادة التدخين تسيء إلى الآفات الرئوية المزمنة: كالتهاب القصبات، وانتفاخ الرئة والربو والسل...، إن التدخين يهيئ لأمراض القلب، فالنيكوتين يزيد ضربات القلب، ويصيب الأوعية الدموية، فكثير من المدخنين يدفعون الثمن غالباً بتقويض حياتهم، فإياك والتدخين، ولا بد من الإقلاع عنه لكي تحفظ صحتك)[3] 1. هـ.
إلى غير ذلك من هذه الأضرار، والأمراض الخطيرة التي تنجم عند التدخين..
الثاني – الضرر المالي:
من المؤكد أن صاحب الدخل المحدود ينفق على الدخان يوميّاً ربع دخله أو يزيد، ولا يخفى ما في ذلك من إضاعة للمال، وخراب للبيوت، وشتات للأسر.. وربما انحرف عن الطريق السويّ كالرشوة والسرقة.. لجلب ثمنه، وتأمين وجوده.. فهل هناك ضرر أضرّ على الصحة والأخلاق والمجتمع من موبقة التدخين؟!.. ولكن – ويا للأسف – أكثر الناس لا يعلمون!!.
• أما فيما يتعلق بحكم الشرع في ظاهرة تناول الدخان فيتلخص فيما يلي:
(أ) من المجمع عليه عند أئمة الفقهاء والمجتهدين أن ما يؤدي إلى الضرر، ويوقع في المهالك.. فاجتنابه واجب وفعله حرام، للحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ضرر ولا ضرار"، ولعموم قوله تبارك وتعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. البقرة: 195.
وقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} النساء: 29.
وباعتبار أن الدخان قد ثبت ضرره جسمياً، وتحقّق خطره صحيّاً – كما مر – فاجتنابه واجب، وتناوله حرام.
(ب) ومن المسلّم به عند أصحاب العقول الراجحة، والأذواق السليمة أن الدخان يدخل في زمرة الخبائث لضرره على الجسم، وتسببه الرائحة الكريهة للفم، والله سبحانه قد أحل للإنسان الطيبات، وحرم عليه الخبائث للحفاظ على جسمه، وسلامة خلُقه وتفكيره، وظهوره في المجتمع بمظهر محبّب جميل.. يقول الله سبحانه: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} النساء: 02.
ويقول: {ويُحِلُّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث} الأعراف: 157.
ويقول: {قل لا يستوي الخبيث والطيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث} المائدة: 100.
(ج) ثم إن الدخان بالتالي يخدر العقل، ويفتِّر الجسم، وهذا أمر يشعر به المقدم على تناوله، والمبدئ بشربه، والمتدرج بالاعتياد عليه ولا سيما إذا أفرط وأكثر.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مفتّر، كما نهى عن كل مسكرومخدّر، وذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتّر" أي مخدّر.
فهذه النصوص بمنطوقها ومدلولها تؤكد أن تناول الدخان حرام، واجتنابه واجب لضرره البالغ، وخبثه الظاهر.. هذا عدا عن أن الدخان يسبب إضاعة المال في أضرار يعود أثرها على الفرد والأسرة والمجتمع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، كما جاء في صحيح البخاري.
والذين قالوا بإباحة الدخان أو كراهته من الفقهاء في الماضي، قد يكون لهم بعض العذر لكون الطب لم يكشف عن أضراره بعد، مستندين على قاعدة أصل الأشياء الإباحة.. أما بعد أن كشف الطب عن أضراره الجسمية والنفسية، وأبان المختصون عن خطره البالغ في الفرد والمجتمع فلا مجال للتردد بحرْمته أو إباحته، بل الحرمة بتناوله ظاهرة، والإثم بالاعتياد عليه متحقق والله أعلم.
• أما معالجة هذه الظاهرة فتعود بالدرجة الأولى على الدولة، وذلك بشن حملة إعلامية واسعة النطاق، في الصحف والمجلات، في الإذاعة وعلى شاشة التلفزيون، في كل مكان.. تحذر من الدخان، وتكشف لأبناء هذه الأمة وشبابها بشكل مستمر دائم عن ضرره البالغ، وخطره الكبير، مستعينة بأهل الخبرة والاختصاص، ورجال الفكر وأصحاب الأقلام، وعلى الدولة كذلك أن تزيد من ضرائبه، وترفع من أسعاره، وتمنعه منعاً باتاً في الأماكن العامة وازدحام الناس.
وهذه الإجراءات كخطوة مرحلية لمنعه في المستقبل نهائيّاً كما يحدث الآن في الدول الكبرى كأمريكا وانكلترا وغيرهم..
ثم على الكبار المعتادين شرب الدخان أن يكون عندهم من المراقبة لله عز وجل والخشية منه ما يردعهم عن تناول المحرمات والتي منها الدخان، وأن يكون عندهم كذلك من الإرادة والعزم والتصميم ما يقوِّيهم على مغالبة النفس والهوى، وأن يكون عندهم أيضاً من العقل والحكمة ما يدفعهم إلى أن يسيروا في الطريق السوي الذي لا عوج فيه ولا الْتواء، ولا شك أن الإنسان إذا تحلّى بالإيمان الذي يردع، والإرادة التي تسيطر، والعقل الذي يوجه.. فإنه سيتصف – لا محالة – بالكمال، ويرفل في الحياة الهانئة الطيبة.
أما الصغار الذين اعتادوا عادة التدخين بغفلة عن مراقبة أهليهم ومربيهم، فإهمال أمرهم خطير، وشرهم على المجتمع – إن تُركوا – كبير ومستطير.
فما على الآباء والمربين.. إلا أن يرقبوا أوضاع أولادهم، ويتعرفوا على سلوكهم وتحركاتهم، ويعالجوا انحرافهم، حتى يردّوهم إلا الجادّة، ويصلوا بهم إلى شاطئ السلامة.
ومما لا يختلف فيه اثنان أن الولد منذ نعومة أظفاره إذا اعتاد التدخين، فإنه سيدرج شيئاً فشيئاً إلى ما هو أعظم منه قباحة، وأشنع فساداً وانحرافاً.. لكون الدخان يريد الرذيلة، والطريق إلى الفحشاء والمنكر.. ألا فليتذكّر أولوا الألباب!!..
2- ظاهرة العادة السرية:
هذه الظاهرة متفشية ومنتشرة في أوساط المراهقين والشباب، والعامل الرئيسي في انتشارها وتفشيها هو ما يلحظه أولئك من مظاهر الفتنة والإغراء من أزياء النساء، ومشيتهن الخليعة، وتبرجهن المثير في الشوارع، وفي المنتزهات، وفي كل مكان..
هذا في محيط المجتمع العام، أما ما يرونه في التمثيليات والأفلام فهو أدهى وأمر.. فماذا يرون؟ يرون كل ما يهيّج الغريزة ويسقط العفاف والشرف، ويقتل النخوة والغيرة والحمية..
أما ما يقرؤونه في الكتب والمجلات من القصص الغرامية، والإثارات الجنسية.. فهو من أشد المؤثرات على صحة الشباب النفسية والعقلية والخلقية..
فهذه المثيرات وحدها تكفي في تدرج الشاب والشابة في طريق الزنى والفحشاء، والانزلاق في متاهات الفساد والرذيلة..
والمراهق الشاب إذا لم يكن عنده من مراقبة الله ما يردعه، والخشية منه ما يعصمه، والحسبان للعواقب ما يزجره فإنه سيقع بين أمرين لا ثالث لهما:
- إما أن يشبع غريزته الجنسية في الحرام.
- وإمّا أن يخفف من حدّتها بالعادة السرية.
وعلى أخف الأمرين الضرر بالغ ومتحقق.. على الجسم والنسل والعقل والصحة النفسية.. ولكي تكون الكتابة عن هذه الظاهرة شاملة يحسن التكلم عنها كذلك في أمور ثلاثة:
1- الأضرار التي تنجم عنها.
2- حكم الشرع فيها.
3- كيف نعالجها؟
أما الأضرار التي تنجم عنها فنحصرها في الأمور التالية:
(أ) أضرار جسمية:
ثبت طبيّاً أن الذي يدمن على هذه العادة يقع في الأمراض التالية:
إنهاك في القُوى، نحول في الجسم، إرتعاش بالأطراف، حفقان بالقلب، ضعف بالبصر والذاكرة، إخلال بالجهاز الهضمي، إصابة الرئتين بالالتهابات التي تؤدي إلى السل في أغلب الأحيان، وأخيراً تؤثر على الدورة الدموية وتسبب فقر الدم..
(ب) أضرار جنسية:
من أهم هذه الأضرار مرض العنّة، ومعناها عدم قدرة الشاب على الزواج، ولا شك أن هذا المرض يتسبب عنه نفور المرأة من الرجل، ولا يمكن والحال هذه أن تدوم الرابطة الزوجية لتعذر الاتصال.
ومن الأضرار اشمئزاز كل جنس من الآخر لاعتياد الرجل في إشباع الشهوة عن طريق العادة الأثيمة، ومعنى هذا أن المرأة لم تجد حصانتها بزواجها من هذا الرجل المريض.. وربما يؤدي الأمر في النهاية إلى الفراق، أو اتخاذ المرأة الخُّلان سرّاً لإشباع غريزتها.
(ج) أضرار نفسية وعقلية:
قرر العلماء النفسانيون أن المدمن على هذه العادة يصاب بأمراض نفسية وعقلية خطيرة، وهي مرتبة كما يلي:
الذهول والنسيان، ضعف الإرادة، ضعف الذاكرة، الميل إلى العزلة والانكماش، الاتصاف بالاستحياء والخجل، الاستشعار بالخوف والكسل، والظهور بمظهر الكآبة والحزن، والتفكير بارتكاب الجرائم والانتحار.. إلى غير ذلك من هذه الأضرار التي تشل التفكير، وتميع الإرادة، وتحطم الشخصية، وقد أشبعها المختصون دراسة وبحثاً..
أما حكم الشرع في مزاولتها فإنه الحرمة وارتكاب الإثم، وذلك للأدلة التالية:
(أ) يقول الله تعالى في سورة المؤمنون: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا
على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون: 5-7.
فيدخل في عموم هذه الآية: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون: 7.
كل تفريغ للشهوة من غير طريق الزواج وملك اليمين، كالزنى، واللواط، والاستمناء باليد...
وقد ثبت عن عطاء – وهو من أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما – أنه قال: (سمعت قوماً يحشرون وأيديهم حبالى، فأظنهم هؤلاء – أي الذين يستمنون بيدهم)، وقال سعيد بن جبير – وهو من طبقة التابعين - : (عذّب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم)، وورد كذلك: (سبعة لا ينظر الله إليهم... عدّد منهم: الناكح يده)[4]، فهذه النصوص بجملتها تدل على أن مزاولة هذه العادة حرام.
(ب) سبق أن ذكرنا في مبحث حكم الشرع في التدخين أن ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك.. فاجتنابه واجب، وفعله حرام لعموم الحديث الذي مر ذكره: "لا ضرر ولا ضرار"، ولعموم قوله تبارك وتعالى:
{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: 795.
وبما أن مزاولة العادة السرية يترتب عليها أضرار جسمية وجنسية ونفسية وعقلية.. فإنها محرمة لحديث: "لا ضرر ولا ضرار"، ولآية: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
سؤال وجيه:
إذا كان الاستمناء باليد حراماً، فما رأي الشرع بإنسان تملكته شهوته، وتحكمت فيه غريزته، وترجح لديه أنه سيقع في الزنى والفاحشة؟
لا شك أن الإنسان حين يوازن بين المفاسد، ويقارن بينها، سيختار في النهاية – إنْ أصبح محرجاً – أخفها ضرراً، وأهونها شرّاً، أخذاً بالقاعدة الأصولية التي تقول: (يختار أحفّ الضررين، وأهون الشرين).
فمن المعلوم أن الاستمناء باليد شر، ولكن الأشد شرّاً منه فاحشة الزنى واللواط لتهديمها الكيان العام، وقتلها فضيلة الشرف والعفة.. عدا عما ينجم عنها من اختلاط الأنساب، وإراقة الدماء، وإثارة الضغائن والأحقاد.. إذن يختار في هذه الحالة الاستمناء على ارتكاب الفاحشة باعتبار أنه أخف الضررين وأهون الشرين.
لهذا قال الفقهاء: (إن الاستمناء باليد حرام إذا كان لجلب الشهوة وإثارتها وهي هادئة، أما إذا غلبت الشهوة بحيث شغلت البال، وأقلقت الخاطر وأوقفت على باب الفاحشة، وتعين الاستمناء طريقاً لتسكينها فإن الأمر جائز ومكافئ بعضه بعضاً، وينجو صاحبه رأساً برأس أي لا أجر عليه ولا وزر، فلا يثاب ولا يعاقب)[5].
أما العلاج الناجع في استئصال هذه الظاهرة فيكون في الوسائل التالية:
1- الزواج في سن مبكرة:
لكونه أنجع الوسائل في استئصال هذه العادة الفتاكة، بل هو السبيل الطبيعي الوحيد لتصريف هذه الشحنة العارمة من الشهوة، هذا عدا ما للزواج من فوائد خلقية واجتماعية وصحية ونفسية لا يتسع المجال لذكرها الآن[6].
2- صوم النفل:
وإذا كانت هناك ظروف قاهرة تمنع من الزواج في سن مبكرة.. فالإسلام أرشد الذين لا يجدون نكاحاً أن يصوموا صيام النفل، لما للصيام من تخفيف لغلواء الشهوة، وكسر لحدّة الغريزة، وتقوية لمعنى المراقبة لله، والخشية منه.. وقد جاء هذا الإرشاد في الحديث النبوي الذي رواه الجماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة (تكاليف الزواج) فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (أي قاطع للشهوة)".
وما أكثر صيام النفل الذي حض الشرع على صيامه.. ونذكر منه على سبيل المثال: صيام داود فكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وصيام الاثنين والخميس، وصيام الستة من شوال، وصيام عاشوراء.. ومنه صيام تسكين الشهوة لقوله عليه الصلاة والسلام: "... ومن لم يستطع فعليه بالصوم".
3- الابتعاد على المثيرات الجنسية:
مما لا يختلف فيه اثنان أن المجتمع الذي نعيش فيه يعجّ بالمفاسد والمغريات، ويتخبط بالانحلال والفجور.. ولا شك أن الشاب حين يجري وراء هذه المثيرات والمفاتن، ويتيه في حمأة الرذيلة والفاحشة.. فإنه يتأثر – ولا شك – خلقياً، وينحرف سلوكياً، ويكون كالحيوان الأعجم شهوة وانطلاقاً.
فما على المربين إلاّ أن يقوموا بدور النصح، وواجب التنبيه والتحذير تجاه من لهم في أعناقهم حق التوجيه والتربية حيث يهمسون في آذانهم أن النظر إلى النساء الكاسيات العاريات المتبرجات.. وأن قراءة القصص الغرامية، والمجلات الخلاعية التي يقوم على ترويجها تجار الغرائز والأعراض.. وأن السماع إلى الأغاني الخليعة الماجنة التي تبثها أمواج الأثير في كل مكان..
إنّ كل هذا مما يخدّر الغيرة، ويلّوث الشرف، ويميّع الخلق، ويقتل الكرامةن ويوهن الجسم، ويخمل الفهم، ويضعف الذاكرة، ويثير الغريزة، ويفقد الشخصية، ويقبر المروءة والفضيلة والأخلاق!!.. عسى أن يعي شبابنا هذا النصح، ويحسبوا كل الحساب لهاتيك النتائج.. فلا يجدون بدّاً – بعد هذا التذكير والتنبيه – إلا أن يحافظوا على توازنهم الإرادي وانضباطهم النفسي والخلقي، وصحتهم العقلية والجسدية.. فعندئذ يكونون في زمرة الصالحين الأطهار، والمؤمنين الأبرار!!..
4- ملء الفراغ بما ينفع:
يقرر علماء النفس والتربية أن الولد إذا اختلى إلى نفسه وقت فراغه تَرِدُ عليه الأفكار الحالمة، والهواجس السارحة، والتخيلات الجنسية المثيرة.. فلا يجد نفسه – إن كان مراهقاً أو شاباً – إلا وقد تحركت شهوته، وهاجت غريزته أمام هذه الموجة من التأملات والخواطر.. فعندئذ لا يجد بدّاً إلا أن يلجأ إلى هذه العادة الخبيثة ليخفف من طغيان الشهوة، ويحدّ من سلطانها.. إذن ما العلاج للتخلص من سوانح الخواطر، وشرود الخيال، حتى لا يقع في هذه النتائج الوخيمة، والعواقب الأليمة..؟
العلاج:
أن نُعرّف الشباب المراهق كيف يقضي وقته، ويملأ فراغه؟
وما أكثر هذه المجالات التي يقضي فيها الوقت، ويملأ الفراغ!!.
إمّا برياضة بدنية يقوي بها جسمه، أو نزهة بريئة مع رفاق مأمونين يروّح بها عن نفسه، أو مطالعة مفيدة يكمل بها علومه، أو عمل يدوي ينمّي به ميوله، أو حضور درس ديني توجيهي يهذب خلقه، أو مباراة ثقافية يروّض بها عقله، أو تمارين على الرمي ووسائل الجهاد يعد بها نفسه.. إلى غير ذلك من هذه المجالات النافعة التي تغذي الفكر، وتهذب الروح، وتقوي الجسم، وتسمو بالخلق!!..
5- الرفقة الصالحة:
من أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المربي تجاه ولده الشاب المراهق أن يختار له رفقاء صالحين مأمونين يذكّرونه إذا نسي، وينصحونه إذا انحرف، ويعينونه إذا انصلح، ويواسونه إذا أصابته أحداث ونوازل!!..
وقد يقال: إن هؤلاء الرفقاء المعنيين قليلون، ولا سيما في هذا الزمان الذي عزّ فيه الصديق المخلص، والرفيق المؤمن.. نعم نسلّم أنهم قلة ولكن هذه القلة متوفرة في كل مكان يعرفون بسيماهم من أثر السجود، ويميزون بأخلاقهم العالية، وبنهجهم المستقيم.. فما أجدر الشاب أن يبحث عنهم، ويتمسك بأذيالهم إذا ظفر بهم.. ليكونوا له السند في الملمات، والعون على مفاسد الحياة ومفاتنها، والبطانة الخيّرة التي يثق بها، ويأوي إليها، ويعتمد عليها..
ولا شك أن المرء على دين خليله، وأن القرين بالمقارن يقتدي، وأن الطيور على أشكالها تقع، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيما رواه الترمذي: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالِل".
ومن المعلوم يقيناً أن الذي يصاحب أهل المنكر والفسوق والعصيان فلا يقودونه إلا إلى ضلال، ولا يدفعونه إلا إلى غواية، ولا يصحبونه إلا إلى منافع شخصية، وغايات دنيوية!!..
فليحذر شبابنا من رفقاء السوء، وقرناء الشر.. إن أرادوا لإيمانهم رسوخاً وتمكيناً، ولأخلاقهم سموّاً وتهذيباً، ولأجسادهم سلامة وقوة..
وليحرصوا على الرفقة الصالحة، والجماعة المؤمنة، لتتحقق لهم السعادة في الدارين:
الكرامة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌّ إلا المتقين} الزخرف: 67.
6- الأخذ بالتعاليم الطبية:
إن مما ينصح به علماء الصحة والطب في التخفيف من سلطان الغريزة، وجموح الشهوة هو ما يلي:
- الإكثار من الحمامات الباردة في موسم الصيف، وصب الماء البارد على العضو التناسلي في الفصول الأخرى.
- الإكثار من الألعاب الرياضية، والتمارين الجسمية.
- تجنب الأطعمة المحتوية على بهارات وتوابل لكونها مثيرة ومهيّجة.
- الإقلال ما أمكن من المنبهات العصبية كالقهوة والشاي.
- عدم الإكثار من اللحوم الحمراء والبيض .
- عدم النوم على الظهر أو البطن، بل السنة أن ينام على شقه الأيمن مستقبلاً بوجهه القبلة.
7- وأخيراً استشعار خوف الله تبارك وتعالى:
من المُسَلَّم به أن الشاب حين يستشعر من أعماق وجدانه أن الله سبحانه يرقبه ويراه، ويعلم سره ونجواه، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. وأنه سيحاسبه إن قصر وفرّط، ويعاقبه أن انحرف وزلّ.. لا شك أنه سينتهي عن الموبقات والقبائح، ويكفّ عن المنكرات والفواحش.
ومن المعلوم يقيناً أن حضور مجالس العلم والذكر، والمداومة على صلاة الفرض والنفل، والمواظبة على تلاوة القرآن، والتهجّد في الليل والناس نيام، والاستمرار على صيام المندوب والتطوّع، والاستماع إلى أخبار الصحابة والصالحين، واختيار الرفقة الصالحة والارتباط بالجماعة المؤمنة، وذكر الموت وما بعده.. كل ذلك يقوي في المؤمن جانب الخشية من الله، والمراقبة له، والاستشعار لعظمته.
فحريٌّ بالشاب المؤمن أن ينهج هذه الوسائل التي تقوّي في نفسه عقيدة المراقبة لله والخشية منه.. حتى لا تتجاذبه المغريات، ولا تفتنه زينة الحياة الدنيا، ولا يقع في محظور أو محرم، وأن يضع نصب عينيه قوله تبارك وتعالى: {فأمّا من طغى. وآثر الحياة الدنيا. فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} النازعات: 37-41.
3- أما ظاهرة المسكرات والمخدرات:
فهي ظاهرة خطيرة وأليمة نراها متفشية في البيئات التي لا تقيم للأخلاق الفاضلة وزناً، ولا للتربية الإسلامية حرمة..
هذه الظاهرة نراها أكثر ما نراها في الأطفال المشردين الذين فقدوا من يعيلهم ويشرف على تربيتهم وتوجيههم، وفي الأولاد الذين ساروا في طريق الفساد والانحراف بغفلة عن مراقبة آبائهم وأمهاتهم.. فخالطوا الأشرار، وصاحبوا الفجار، فاكتسبوا منهم كل مفسدة ورذيلة:
ولكي نوفّي هذه الظاهرة حقها من البحث يحسن التكلم عنها في أمور ثلاثة:
1- الأضرار التي تنجم عنها.
2- حكم الإسلام فيها.
3- العلاج الناجع في استئصالها والقضاء عليها.
أما الأضرار التي تنجم عن المخدرات والمسكرات فهي مرتبة كما يلي:
(أ‌) أضرار صحية وعقلية:
فمن المجمع عليه لدى الأطباء وعلماء الصحة أن تعاطي المسكرات والمخدرات تسبب الجنون، وتضعف الذاكرة، وتورث أمراضاً عصبية ومَعِديّة ومَعَوية، وتشل حدة الفكر والذهن، وتحدث آلاماً في الجهاز الهضمي، وتفقد الشهية إلى الطعام، وتسبب سوء التغذية والهزال والخمول والضعف الجنسي، وتؤدي إلى تصلُّب الأنسجة والشرايين.. إلى غير ذلك من الأمراض الخطيرة. ويكفي أن نعلم عن أضرار هذه الظاهرة أن معهد الإحصاء القومي في فرنسا قرر: (إن الخمور تقتل من الفرنسيين أكثر ما يقتل مرض السل، ففي عام (1955) مات سبعة عشر ألفاً، من الفرنسيين من تأثير الخمر، بينما لم يمت من السل اثني عشر ألفاً في السنة نفسها).
(ب‌) أضرار اقتصادية:
من المعلوم أن الذي يتعاطى الخمور والمخدرات يبذل المال في سبيله سهلاً رخيصاً بدون حساب.. ولا يخفى ما في هذا البذل الرخيص من إتلاف للمال، وخراب للبيوت، وإيراث للفقر.. عدا عن أن المدمن يسبب الضعف في الإنتاج، والخلل في الاقتصاد، والتخلّف في ميادين الحضارة.. لما يصاب به من هزال وخمول وأمراض جسمية ونفسية.. نتيجة الخمر والمخدر.
فقد ذكرت جريدة الأهرام القاهرية في عددها الصادر في 03/05/1965: "أن (72) مليون أمريكي يتناولون الخمور، منهم (20) مليوناً يكلّفون الدولة بليوني دولار كل سنة، السبب تغيبهم عن العمل..".
(ج) أضرار نفسية وخلقية واجتماعية:
إن المدمن على تعاطي المسكرات أو المخدرات يتصف بصفات ذميمة، ويعتاد على عادات قبيحة كالكذب، والجبن، والاستهانة بالقيم الأخلاقية والمثل العليا.. ويندفع إلى ارتكاب الجرائم كالسرقة وتعاطي الدعارة، والاعتداء على الأنفس.. ويصاب بتميع الخلق، وتحلل الإرادة، وضعف الشعور بالواجب.
هذا عدا عما يقضي وقته في أوكار سرية مع شراذم من الأشرار، ورفاق من الفجار حيث يستبيح معهم كل موبقة، وينتهك بخلطتهم كل حرمة!!..
ومن المعلوم أن الدول الاستعمارية تتخذ من ترويج المخدرات سلاحاً فتاكاً لكسر شوكة الشعوب، وتمييع أخلاق الأمة، وإخماد جذوة روح الجهاد والمقاومة.. وإن مصر ما زالت تعاني من حرب المخدرات التي روّج لها، ووضع بذورها الاستعمار البريطاني منذ ربع قرن من الزمان، كما أن انكلترا شنت حرباً على الصين التي حظرت تجارة الأفيون فسميت حرب الأفيون.
وأما حكم الإسلام في تعاطي المسكرات والمخدرات فإنه التحريم بالإجماع وذلك للأدلة التالية:
- يقول الله تعالى في تحريم الخمر:
{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}[7] المائدة: 90-91.
- ويقول عليه الصلاة والسلام في تحريمها كما روى أبو داود: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه".
وأما تحريم المخدرات فالأدلة أكثر من أن تحصى: وإليكم شيئاً منها:
(أ) اندراجها تحت عموم قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف: 157.
وقوله عليه الصلاة والسلام "لا ضرر ولا ضرار"، رواه أحمد وابن ماجة.
(ب) تدخل في حديث النهي الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتّر". والمخدرات تدخل في النهي باعتبار أنها مفترة..
(ج) أنها تندرج في أدلة تحريم الخمر باعتبار أنها تخامر العقل وتخرجه عن طبيعته المدركة الحاكمة، فقد روى البخاري ومسلم أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعلن على الناس من فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخمر ما خامر العقل)، وهذه الكلمة تحدّد مفهوم الخمر حتى لا تكثُر أسئلة المشتبهين، فكل ما لابس العقل، وأخرجه عن طبيعته المميزة المدركة الحاكمة فهو من الخمر المحرم إلى يوم القيامة.
ومن ذلك تلك المواد التي تعرف باسم المخدرات كالحشيش والكوكايين والأفيون ونحوها، فإنها تؤثر تأثيراً بالغاً على العقل، فيرى من يتعاطاها البعيد قريباً، والقريب بعيداً، ويتخيل ما ليس بواقع، ويسبح في بحر من الأوهام والأحلام، ويهيم في أودية من الخيال حتى ينسى نفسه ودينه ودنياه، وقد حكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة، وقال ابن تيمية: (من استحلها فقد كفر).
بقي هناك جانب قد يسأل عنه بعض الناس وهو استعمال الخمر كدواء.. والجواب ما أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما حين سأله رجل عن الخمر، فنهاه عنها، فقال الرجل: إنما أصنعها للدواء قال عليه الصلاة والسلام: "إنه ليس بدواء ولكنه داء"، وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداوَوْا بحرام"، وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه في شأن المسكر أنه قال: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".
فهذه النصوص بجملتها تدل دلالة قاطعة على أن استعمال الخمر وحدها كدواء حرام يأثم من يتناولها.
أما ما خالط بعض الأدوية بنسبة مقدرة من الكحول – لضرورة – كحفظها من الفساد مثلاً فإنه يجوز استعمالها إذا تعين الشفاء بها، وكان الواصف للدواء طبيباً مسلماً ماهراً يخشى الله في السر والعلن، لأن مبادئ الشريعة قائمة على اليسر، ودفع الحرج، وتحقيق مصالح الناس، والأصل في ذلك قوله تبارك و تعالى: {فمن اضطُرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه} البقرة: 173.
أما العلاج الناجع في استئصال هذه الظاهرة فيكون بالوسائل التالية:
(أ) بالتربية الصالحة.
(ب) بمنع أسبابها.
(ج) بمعاقبة مرتكبيها.
(أ) أما التربية الصالحة فتتركز بتربية الولد منذ نعومة أظفاره على الإيمان بالله، والخشية منه، واستشعاره مراقبة الله في السر والعلن، لما لهذه التربية القويمة من أثر كبير في تكوين ضميره، وإصلاح نفسه، وسمو خلقه.. ومن المعروف تاريخيّاً أن العرب الذين أدركوا الإسلام، وآمنوا به، ودخلوا فيه.. لما تربّت ضمائرهم على مراقبة الله، وترسخت نفوسهم على الخشية منه، والاستعانة به، والاعتماد عليه، تركوا كل العادات المرذولة التي كانوا عليها في الجاهلية عن طواعية واختيار.
فلنأخذ مثلاً تعلق العرب الجاهليين بالخمر قبل الإسلام، وتمدّحهم بشربها وتفننهم في وصفها.. اسمعوا إلى ما يقول شاعرهم في التعلق بها:
إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة
تروّي عظامي بعد موتي عروقها
واسمعوا إلى ما اخترعوا لها من الأسماء والألقاب: (المدامة، السلافة، الراح، الصهباء، ابنة العنقود، ابنة الكرم، بنت الدنان، بنت الحان..) إلى آخر هذه الأسماء والألقاب التي زادت عن المائة.
ومع كل هذا لما بلغهم أن الخمر قد حرمت قالوا جميعاً: انتهيان ربنا، بل أراقوا ما كان عندهم في القلال في سكك المدينة.. هكذا الإيمان يصنع العجائب حين يخالط بشاشته القلوب، وتترسخ جذوره في الضمائر والنفوس.. بل يقوم بدوره الكبير في الإصلاح والتهذيب، مما تعجز عند دول، وتفشل في تحقيقه أساطيل..
فما أحوج المجتمعات الإنسانية إلى مثل هذا الإيمان، وإلى مثل هذه التربية الصالحة!!..
(ب) أما منع أسباب هذه الظاهرة فيرجع إلى من بيده السلطة والتنفيذ، فالدولة حين تمنع في الأسواق وفي كل مكان جميع أنواع الخمر، وتتخذ الأسباب لاستئصالها والقضاء عليها، عندئذ توصد الأبواب في وجوه مدمنيها، فلا يحتسيها شاب، ولا يجد فاسق سبيلاً إليها..
(ج) أما عقوبة مرتكبيها فإن الإسلام وضع العقوبة الزاجرة لكل من يحتسيها وهي مقدرة ما بين (40 إلى 80) جلدة، وهذا لا يمنع من وضع عقوبات تعزيرية من حبس، وتغريم ومصادرة.. لكل من بييعها أو يحملها أو يتاجر بها..
وعلى الحكومات – إن كانت حادّة – أن تنتقي من المباحث الجنائية المعروفة بالنشاط والإخلاص والحزم والاستقامة.. لتزاول عملها على أحسن وجه عسى أن نصل في النهاية إلى تطهير المجتمع من موبقات الخمر، وأخطار المخدرات..
4- أما ظاهرة الزنى واللواط:
فهي أخطر الظواهر الاجتماعية عند الأطفال والمراهقين الشباب.. وكم سمعنا عن أطفال لم يبلغوا الحلم بعد، سلكوا طريق الفاحشة والفساد بغفلة عن مراقبة آبائهم وذويهم.. حتى هوَوْا في مزالق الشذوذ والانحدر الخلقي، فقبعوا في حضيض الهلاك والضياع.
وما أشدّ فاجعة الآباء والأولياء حين يرون أولادهم، ومن يقومون على أمرهم قد انتكست فطرتهم، وانحطت أخلاقهم، وانغمسوا في حمأة الرذيلة والشذوذ!!..
وهل تنفع الآهات، وتجدي الحسرات، بعد أن رأوا أفلاذ أكبادهم وثمرات قلوبهم وهم يتخبطون في أوحال الخبائث، ويتعثرون في مستنقعات الفساد؟
ولو أنهم ربُّوهم على الأخلاق الفاضلة، وراقبوا تحركاتهم مراقبة تامة، وعرفوا من يصاحبون، ومن يخالطون.. لما وصلت حالة أبنائهم إلى هذه النهاية المُفْجِعة، وإلى هذه النتيجة المخزية!!..
من المسؤول الأول عن الشذوذ الخلقي، والانحراف الاجتماعي لدى الأبناء والأولياء؟
من الذي يوجههم إلى مبادئ الفضيلة والأخلاق، ويقبّح لهم الفحشاء والمنكر غير الآباء والأولياء؟
فالأب والأم هما المسؤولان أولاً وآخراً عن تربية الولد، ثم تأتي بالتالي مسؤولية الدولة، ومسؤولية المجتمع.
بعد هذه اللفتة التوجيهية نتكلم عن هذه الظاهرة في أمور ثلاثة:
1- الأضرار التي تنجم عنها.
2- حكم الإسلام فيها.
3- العلاج الناجع في استئصالها والقضاء عليها.
أما عن الأضرار التي تنجم عن ظاهرة الزنى واللواط فإنها بالغة الخطورة، وهي مرتبة كما يلي:
(أ) أضرار صحية وجسمية:
يتسبب عن اقتراف جريمة الزنا واللواط الأمراض التالية:
1- مرض الزهري:
الذي من أعراضه القرحة والتورّم على أعضاء التناسل أو الشفة أواللسان أو الجفن.. وظهور البقع في أنحاء الجسم، ويسبب هذا المرض الخطير الشلل، والعمى، وتصلّب الشرايين، والذبحة الصّدْرِيّة، والتشوهات الجسمية، وسرطان اللسان، والسّل في بعض الأحيان، وقد يتعدى هذا المرض إلى الزوجة والأولاد.. وهو من الأمراض السارية بالعدوى من لمس ولعاب..
2- مرض السيلان أو التعقيبة:
من أعراض هذا المرض حدوث ألم وحرقة شديدة عند التبول، وإفراز سائل صديدي (القيح) في مجرى البول عند الرجال، ومن عنق الرحم ومجرى البول عند النساء.. ومن مضاعفات السيلان عند الذكور حدوث الالتهابات في الخصيتين والمثانة، وضيق مجرى البول.. أما عند النساء فيسبب التهاب الرحم والمبايض والكلتين.. ومرض التعقيبة قد يؤدي إلى العقم لدى الرجل والمرأة، وإصابة القناة البولية عند الرجل بقروح تؤدي في الغالب إلى انحباس البول الذي قد يؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان.
3- انتشار الأمراض المعدية:
ومن أمراض الزنى واللواط أنه يجلب أمراضاً خبيثة معدية بسبب انتقال الجراثيم الفتاكة من المريض إلى الصحيح، وبسبب القذارة الحاصلة أثناء الجماع[8].
وما أكثر هذه الأمراض السارية التي استفحل خطرها، وتفاقم شرها في المجتمعات التي ينتشر فيها الزنى واللواط، ويعم في ربوعها الفساد والمنكر!!..
وما أصدق ما قاله الصادق المصدوق محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه حين أخبر أن الفاحشة إذا ظهرت في قوم ابتلاهم الله بالأوجاع والأمراض التي لم تكن في أسلافهم.. وروى ابن ماجة والبزار والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن – عدد منها – ولم تظهر الفاحشة في قوم قط يعمل بها علانية إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم"، ألا فليتذكر أولو الألباب!..
(ب) أضرار اجتماعية وخلقية ونفسية:
يكفي هذه الظاهرة ضرراً وخطراً أنها تؤدي إلى اختلاط الأنساب وضياع النسل، وهتك الأعراض والحرمات، وقتل الشهامة والمروءة، وتفسخ المجتمع، وفصم أواصر الزوجية، وتفكك وحدة الأسرة، والانطلاق في حمأة الرذيلة والفساد، وفقد الرجولة والكرامة.
ويكفيها شرّاً وفساداً أن المجتمع بسببها يعجّ بأولاد لا كرامة لهم ولا أنساب، وأن تيار الإباحية يجتاح شباب الأمة ونساءها.. وإذا كان الأمر كذلك فلا ترى للأخلاق وزناً، ولا للفضيلة والشرف أي اعتبار ولا قيمة!!..
وما قيمة مجتمع اندثرت أخلاقه، وضاع حياؤه، وتهدم كيانه واعتباره؟
وما قيمة مجتمع تشر أطفاله، وتهتك نسائه، وفجر شبابه؟
وما قيمة مجتمع استبدت به شهواته، واستحوذت عليه غرائزه، فلا يعرف همّاً سوى الجنس واللذة المحرمة، ولا غاية سوى الغريزة والشهوة الهابطة..؟
لا شك أنه مجتمع منحل متفكك مهدد في كل لحظة بالزوال والدمار، وصدق الله العظيم القائك في محكم تنزيله:
{وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً} الإسراء: 16.
أما حكم الإسلام في الزنى واللواط فهو التحريم القطعي بإجماع الفقهاء والمجتهدين وذلك للأدلة التالية:
أما فيما يتعلق بحرمة الزنى فيقول الله تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} الإسراء: 32، ويقول: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً} الفرقان: 68.
ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.."، وروى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الزناة تشتعل وجوههم ناراً"، وروى الحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا ظهر الزنى والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله"، وروى ابن أبي الدنيا والخرائطي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكّيه، ويقول: ادخل النار مع الداخلين".
أما فيما يتعلق بحرمة اللواط فيقول الله تعالى: {أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم؟ بل أنتم قوم عادون} الشعراء: 165-166.
ويقول: {ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} العنكبوت: 28-29.
ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ملعون من عَمِل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط.." قالها ثلاثاً. وروى ابن ماجة والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام: "أخوف ما أخاف على أمتي من عَمَلِ عمل قوم لوط".
وروى الطبراني والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في غضب الله"، قال أبو هريرة: من هم يا رسول الله؟ قال: "المتشبهون من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، والذي يأتي البهيمة، والذي يأتي الرجال".
ولكل من الزنى واللواط عقوبات مقدرة في الشرع مبينة كما يلي:
1- عقوبة الزنى:
للزنى عقوبتان في الشرع:
(أ) عقوبة الجلد مع التغريب.
(ب) عقوبة الرجم.
(أ) أما عقوبة الجلد مع التغريب فتكون للزاني غير المحصن (أي غير المتزوج) سواء أكان الزاني رجلاً أو امرأة، فيجلد مائة جلدة لقوله تبارك وتعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} النور: 02
والتغريب عند الحنفية من باب التعزير، فإن رأى الإمام فيه فائدة غرّبه، وعند باقي الأئمة يجب التغريب بعد الجلد إلى مكان لا تُقْصَر فيه الصلاة، وبالتغريب حكم الخلفاء الراشدون، وبه قال كثير من الصحابة.
(ب) أما عقوبة الرجم فتكون للزاني المحصن (أي المتزوج)، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب (أي المتزوج) الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر برجم ماعز بن مالك، والمرأة الغامدية لاعترافهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنى، وكانا محصنين متزوجين.
2- عقوبة اللواط:
أجمع العلماء على أن اللواط زنى، ولكن اختلفوا نسبيّاً في تحديد العقوبة، قال البغوي: (اختلف أهل العلم في حدّ اللوطي، فذهب قوم إلى أن حدّ القاعد هو حد الزنى: إن كان محصناً يرجم، وإن لم يكن محصناً يجلد مائة جلدة وهو آظهر قولي الشافعي، وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم سواء كان محصناً أو غير محصن وهو قول مالك وأحمد، والقول الثاني للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به)[9]، وذهب الحنفية إلى وجوب التغزير حسب ما يراه الإمام رادعاً للمجرم، فإذا تكرر منه الفعل ولم يرتدع أعدم بالسيف تعزيراً.
وإليكم النصوص التي تدل على قتل الفاعل والمفعول به، كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء والمجتهدين:
- روى الترمذي وأبو داود وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم أهل لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
- وروى البيهقي وغيره عن مِفْضل بن فضالة عن ابن جريج عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به، والذي يأتي البيهيمة".
أما العلاج في استئصال هذه الظاهرة فهو نفس العلاج الذي سبق ذكره في استئصال العادة السرية للحالة المتشابهة في علاج الظاهرتين، فلا ضرورة لإعادة الكلام مرة ثانية.
وأزيدك – أيها القارئ – علاجاً آخر وهو أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فإن صلح لأمتنا في الماضي رسالة الإسلام نظاماً وتشريعاً، ووجدت العزة تحت ظلالها، والقوة والتمكين والحضارة لَمّا سارت على مبادئها وأحكامها.. فلا يصلح لأمتنا اليوم إلا ما صلح لها بالأمس، فعندئذ تعود لأمتنا عزتها السليبة، وقوتها المنيعة، ودولتها العتيدة، واستقرارها المنشود، وترجع – كما كانت – خير أمة أخرجت للناس هدياً وقدوة وعطاء وقوة... ورضي الله عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب القائل: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" رواه الحاكم.
إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن لم يُحْي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين
فقد جعل الفناء له قريناً
وانطلاقاً من المبدأ الذي وضعه الرسول صلوات الله وسلامه عليه: "لا ضرر ولا ضرار"، وامتثالاً لقوله تبارك وتعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، وأخذاً بواجب المسؤولية التي حتمها رسول الإسلام.. وجب على المربين – ولا سيما الآباء والأمهات منهم – أن يأخذوا بأسباب الوقاية لأولادهم، وبوسائل الحيطة والحذر لأفلاذ أكبادهم.. حتى لا يتعرضوا للأخطار المحدقة التي تصيبهم، ولا للحوادث الأليمة التي تفاجؤهم، وربما تقضي بهم – في أغلب الأحيان – إلى الموت أو التشويه أو المرض أو الجروح..
وإليكم – أيها المربون – أهم هذه الأسباب الوقائية في تقليل الحوادث:
وهي ملخصة مع بعض التصرف من كتاب (المشكلات السلوكية) للدكتور نبيه الغبرة صفحة: 177: (إن النظام المنطقي المنسجم المعتدل الذي نضعه لأطفالنا ضروري لسلامتهم، كما هو ضروري لشعورهم بالاطمئنان، وإن حماية الطفل في السنة الأولى تقع على عاتق الأهل كاملة وهم مسؤولون عن أي تفريط، وأما في السنة الثانية فيحسن البدء بتعليم الطفل الحذر من المخاطر، وذلك بتلقينه بعض الدروس اللطيفة، فحتى لا يلمس المدفأة أو النار أو الأواني الحارة.. بشكل اعتباطي، أو أن يقع فيها، فيحسن أن نقول له أو ننبهّه بأنها حارة مؤلمة عند اللمس بل ومخيفة، وأن نسمح له بلمسها لمساً لطيفاً سريعاً لا يؤذي، وبذا يخافها ويحذرها.. وإذا ما رأينا طفلاً على وشك من أن يقع على كرسي، وليس في يده شيء يؤذيه أو لا يوجد شيء على الأرض قد يؤذيه إن سقط عليه، فلا بأس من تركه يسقط – مع أخذ الحيطة – وننتهز الفرصة لتعليمه الحذر، وعلى العموم فيجب أن يكون هناك توازن ما بين التعليم والحماية.. على الأهل أن يفطنوا لما يمكن أن يتعرض له الطفل من مخاطر أثناء لعبه، وأن يأخذوا الاحتياطات اللازمة).
وفيما يلي بعض الخطوات العملية التي تساعد على الإقلال من الحوادث كما عرضها الدكتور غبرة:
1- يجب وضع السموم في خزانة مغلقة، وأن يوضع المفتاح في مكان أمين، كما يجب أن يكتب اسم المادة السامة على الزجاجة بشكل واضح، وأن لا توضع الزجاجة حيث يوجد الطعام، وهذه السموم تشمل أنواعاً عديدة لاستعملات مختلفة، وأهمها مبيدات الحشرات، والقطرونة..
2- يجب رمي الأدوية الفائضة عن الحاجة، وعدم تركها في متناول الأطفال، وعند استعمال الدواء يحسن ألا يستعمل بوجود الطفل، لأن الأطفال يحبون التقليد والمحاكاة، وحوادث تسمم الأطفال بالأدوية ليست بالقليلة، وإذا ما أردنا أن نعطي طفلاً دواء فيجب إفهامه أنه دواء وليس شراباً، والأحسن وضعه في مكان بعيد عن متناول يده إن لم نكن على ثقة منه.
3- يجب وضع حاجز واق لكل مصادر الاحتراق كالمدافئ بمختلف أنواعها، وأجهزة التسخين والطبخ والأفران إن كان هناك احتمال وصول الطفل الذي بدأ يحبو ويمشي إليها، وإلا فلا بد من وقوع الحوادث، فكم يحترق أطفال بالمدافئ، ومواقد الحمامات، وما شابه ذلك.
ويجب كذلك عدم السماح للطفل باللعب بالأشياء المشتعلة كعود الثقاب (الكبريت)، بل علينا أن نجعلها في أماكن مرتفعة بعيدة عن متناول يده. وأما أباريق الشاي، وأواني أوعية الطبخ فهي مصدر خطر على الأطفال للأشياء الساخنة الموجودة فيها، فكم من أم جاهلة غفلت عن آنية المطبخ أو القلي وفيها الأشياء المحرقة، فوقع فيها فلذة كبدها، فأصيب بالجروح المحرقة، وسببت له التشوهات الدائمة؟
وكم من أم حمقى وضعت إبريق الشاي على حافة الطاولة، أو على الأرض، أو على الكرسي، فوقع طفلها على الإبريق، أو وقع الإبريق عليه فنتج عن ذلك الإصابات الخطيرة؟
ويجب الحذر من الألعاب النارية في المواسم والمناسبات خشية التأذي بها. ويجب الاحتراس من أخطار الأدوات الكهربائية وأسلاكها مخافة الإصابة.
4- ويجب إبعاد كل الآلات الحادة كالمقصات، والسكاكين، والشفرات، والدبابيس، والأواني الزجاجية بحيث لا تصل إلى أيدي الأطفال.
5- ويجب عدم السماح للأطفال بممارسة الألعاب التي قد تكون خطرة كاللعب بالحبل وشده حول العنق، أو اللعب بكيس من البلاستيك وإدخال الرأس فيه، فهذا قد يؤدي إلى الاختناق، ويجب كذلك تجنيب الطفل الركض وفي فمه، طعام، أو قذف بعض الموالح كالقضامة والفستق في الهواء ثم تلقيها بالفم مباشرة خوفاً من دخول الطعام إلى مجرى الهواء فيتسبب الاختناق.
6- ويجب على الأم ألا تُنيم ابنها في سريرها إذ هناك خطر خنقه، وكم سمعنا عن حوادث من هذا النوع؟ فقد تنام الأم، ثم ينام الطفل والثدي في فمه، فبمجرد ميلان خفيف من الأم على الطفل يؤدي إلى موته بالاختناق.
7- ويجب التأكد من سلامة نوافذ الطابق العلوي، وكون الطفل لا يستطيع اجتيازها، ويجب أن تكون حواجز الشرفات من النوع الفني الحديث التي تسمح للطفل بالمشاهدة ولا تسمح له بتسلقها، أو على الأقل لا يخشى عليه من الخطر إن تسلقها، وكم من حوادث أليمة ذهب ضحيتها أطفال في أجمل العمر نتيجة التساهل في هذا الأمر؟
8- ويجب الانتباه عند استعمال الآلات الميكانيكية، والأجهزة الكهربائية، ولا سيما الغسالات ومفارم اللحم والكبيبة.. فحوادث انسحاب أيدي الأطفال في الغسالة، أو ذهاب أصابعهم بالمفرمة ليست قليلة!!.
9- ويجب الانتباه إلى كون الباب الخارجي للمنزل مغلقاً حتى لا يخرج الطفل على حين غرة بدون علم أمه خوفاً من وقوع حادث.
10- ويجب الانتباه على الباب عند إغلاقه مخافة أن يضع الولد أصابعه في طرفه فيتسبب انضغاط على بعض أصابعه، فيصاب بإصابات أليمة.
إلى غير ذلك من هذه الأسباب الوقائية التي لا تخفى على كل ذي عقل وبصيرة. تلكم هي أهم الوسائل التي وضعها الإسلام في تربية الولد الجسمية، وهي – كما علمت – وسائل إيجابية، وأسباب وقائية لو أخذ بتعاليمها المربون، ومشى على نهجها الآباء والمعلمون.. لرأينا أبناء هذا الجيل يرتعون في بحبوحة من الصحة ويتمتعون بنعمة القوة، ويسيرون في طريق الأمن والهناءة والاستقرار.
ومن المعلوم يقيناً أن أمة الإسلام إذا تمتعت بعقل سليم، وجسم قوي، وإرادة متينة، وعزيمة جبارة، وشجاعة فائقة، ووعي كامل.. فإنها ستكون المبرّزة في الإنتاج، السباقة إلى الحضارة، والآخذة بأسباب النصر والمجد، والعاملة على تحقيق العزة الخالدة للإسلام والمسلمين، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
فيا أيها المربون من آباء وأمهات ومعلمين...
هذا هو وحده طريق الحياة.. هذا هو وحده طريق القوة.. هذا هو وحده طريق المجد.. هذا هو وحده طريق الخلود.. فما أحوج الجيل اليوم – الذي هو أمانة في أيديكم – إلى تطبيق هذه التعاليم السامية، والمبادئ الخالدة في إعداده جسميّاً، وتكوينه صحيّاً ونفسيّاً.. حتى يستطيع أن ينهض بأعبائه، ويضطلع بمسؤولياته في حمل الرسالة الإسلامية إلى الدنيا كما حملها من قبل جيل الصحابة، وجيل التابعين التي تلت من بعدهم.
عسى أن ينقل جيلنا اليوم الأمم عن ظلمات الإلحاد والانحلال والجاهلية إلى نور الإيمان، ومكارم الأخلاق، وهداية الإسلام!!.. وما ذلك على الله بعزيز.
[1] البُخْت: الإبل الخراسانية.
[2] أخذاً عن مجلة الحضارة، السنة الثانية عشرة العدد: 3-4، ص 158.
[3] صفحة (15-16) من النشرة المذكورة التي هي بعنوان: (تعاونوا للقضاء على مرض السل).
[4] هذه النصوص منقولة من كتاب (ردود على أباطيل) للعلامة المرحوم: الشيخ محمد الحامد ص 40.
[5] هذا النص الفقهي من كتاب (ردود على أباطيل) للعلامة المرحوم الشيخ محمد الحامد ص 42.
[6] ارجع إلى كتابنا (عقبات الزواج) تجد ما فيه الكفاية.
[7] بعض الذين في قلوبهم مرض يقولون: ليس في لفظ (فاجتنبوه) دليل على التحريم، ولو كانت الخمر محرمة لقال القرآن: فحرّموه، بينما هناك سبعة أدلة على التحريم: 1- مقارنة الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام، 2- وصفها بأنها رجس، 3- وصفها أنها من عمل الشيطان، 4- الأمر الذي يدلّ على الكف في لفظ {فاجتنبوه}، 5- إنها توقع في العداوة والبغضاء، 6- إنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، 7- صيغة الاستفهام الإنكاري في قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون}، فهل هناك أدلة أقطع من هذه الأدلة التي تدل على التحريم ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون.
[8] هذا بالإضافة إلى مرض (الإيدز) اللعين الذي يدمر جهاز المناعة في جسم الإنسان فيجعله عرضة لاستقبال كل الأمراض ولا يقوى على مقاومتها... وهذا لم يشهده المؤلف – رحمه الله – في حياته (الناشر).
[9] النص الفقهي من كتاب الترغيب والترهيب: ج 4، صفحة 325، باب الترهيب من اللواط.

يتبع