بقلم / صادق أمين

 
( إن كل إنسان ـ كائناً ما كان ـ ينطوي على مناجم إلهية، من العبقريات الفذة، و الطاقات الجبارة، و الإمكانات المتميزة، و كنوز من القيم و الفضائل؛ و نحن أحوج ما نكون في هذا الظرف الحرج من عمر الوطن إلى كل ذلك، سواء في مرحلة مناهضة و كسر الانقلاب أو ما بعدها.
 
و لا سبيل إلى إثارة هذه المناجم النفسية إلا أن تثيرها باسم الله العلي الكبير؛ فاسم الله وحده هو مفتاح هذه الكنوز الربانية المغلقة، و لا يضع الله هذا المفتاح إلا في يد العبد الرباني؛ الذي يتخلق بصفات الربانية الفاضلة؛ يجاهد نفسه حق المجاهدة، و يقمع هواه في غير هوادة؛ فيفضي بذلك إلى ما شاء الله من بطولة و توفيق ( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا؛ و إن الله لمع المحسنين )   العنكبوت:69 "   تذكرة الدعاة/ البهي الخولي" بتصرف
 
و لهذا كانت وصية الأستاذ البنا: ( كونوا عباداً قبل أن تكونوا قواداً؛ تقودكم العبادة إلى أحسن قيادة ).
 
أضف إلى ذلك ـ و الكلام للشيخ محمد الغزالي رحمه الله ـ " أن الحق الذي نعمل لاستقراره لابد أن يستقر، و الباطل الذي نكدح لبواره لابد أن يبور و لكن متى ؟ ليس ذلك الينا و لا توقيته في مقدورنا ".
 
إذ ليس لنا من الأمر شيء، إلا كما فعل النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و الصحابة الكرام يوم الخندق، نتابع الحفر و لا نستعجل الريح؛ إذ أمرها إلى الله وحده، و على الثوار ـ و الكلام للشيخ الغزالي ـ " أن يعملوا و لذتهم ليست اقتطاف الثمر العاجل؛ و إنما لذتهم في الشعور بتوفيق الله، و الامل في إرضائه.
 
( و أنت واجد تفسير ذلك كله بصورة عملية واقعية، في تاريخ الغر الميامين الربانيين الذين خرَّجهم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ، و صاغهم بعين الله أبطالا؛ فتحوا أقطار الأرض؛ لأنهم فتحوا قبل ذلك أقطار النفوس، و أضاءوا الدنيا بنور الحق، و انبعثوا إلى تخليد الباقيات الصالحات من الأعمال و الأخلاق و المبادئ؛ فأتوا من ضروب البطولات النفسية و المادية ما يدهش الألباب، و يعجز الأبطال، و يشبه الأساطير؛ لأنهم انبعثوا بهمة لا ترى لها متعلقا دون عرش الله عز و جل، فلو كان الإيمان عند الثريا، لناله رجال من هؤلاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم.
 
و أين هؤلاء من أولئك المطموسين من الانقلابيين وعبيد البيادة، الذين ضلوا السبيل، و انقادوا لعدونا و قلدوا الغرب تقليد القرود و الببغاوات؛ فاصطنعوا مبادئ سياسية و اقتصادية و اجتماعية، ذات شعارات تستر أطماعا و مآرب باطلة، و اتخذوا أحزابا و أندية تخطط للمغانم، و ينبعثون منها للفساد و السحت، و لا تجد لها من خلال ذلك سوى أحفال و اجتماعات و أقوال، قد يبرق ظاهرها بالخداع و التمويه، و لكن باطنها يخلو من أي مضمون تشهد له الفطرة أو تنظر إليه معايير العقل؛ حتى غدوا فارغين لا قيمة لأعمالهم و لا لأقوالهم ). تذكرة الدعاة/ البهي الخولي" بتصرف
 
و خلاصة القول، أننا نحتاج إلى ثائر رباني مخبت أواب، وثيق الصلة بالله، يعيش عبودية انتظار الفرج من الله القريب المجيب؛  فهو ـ سبحانه ـ سندنا الأول و الأخير، و ما بينهما هو أخذٌ بالأسباب؛ تعبدا لله؛ فنحن نوقن أننا لسنا وحدنا في المعركة؛ فالله معنا؛ فهو يعلم و يرى و يسمع، و لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا؛ ألا ترى هذه اللفظة المعجزة؟، إنه قال "لنا" و لم يقل "علينا"؛ و هذا يكفي.