بقلم - نبيل فولي
تتردد أخبار مصرية من آن إلى آخر عن صفقات يطرحها أو مساومات يقوم بها نظام 3 يوليو الانقلابي مع الثوار، تحت شعور طاغ منه بأن عرسه لم يكتمل، وفرحته ما زالت ناقصة، وأنه على الرغم من تمرير دستوره بكل عواره وتحريفاته، واحتفاله بالانتخابات الرئاسية الزائفة، وتهنئة كثير من دول العالم ومنظماته على فوز الزعيم المزعوم فيها، فإنه ما يزال عاجزا عن كسر إرادة الشعب الذي يزأر في وجه الانقلاب من خلف القضبان وفي شوارع مصر وميادينها زئيرا ترجف له قلوب الظالمين في القاهرة والعواصم المجاورة والبعيدة على السواء!!
تأييد الخارج:
نستطيع أن نقول: إن نفاق السياسة الدولية من جهة، وإجرام السياسة الإقليمية من جهة أخرى قد أديا واجبيهما تجاه الانقلاب كاملا، ودعماه بكل ما يستطيعان، وتجاوزت بعض الدول وظيفة الداعم المباشر إلى وظيفة توفير الدعم القاري والدولي للانقلاب، فسعت السعودية والكويت والإمارات بأموال شعوبها الساخطة والمغلوبة على أمرها إلى عقد صفقات والقيام بضغوط على أطراف أفريقية مهمة في شرق القارة وغربها لإعادة مصر إلى عضوية منظمة الوحدة الأفريقية، وأُنفقت في سبيل ذلك المليارات والمليارات مما تعرفه الشعوب – صاحبة هذه الأموال – أو لا تعرفه.
إنها الرشوة من جديد، تعصف بالمبادئ، وتُذل أعناق الطامعين في المزيد من الثراء الحرام. ولا ينبغي أن نعجب حين نرى زعماء القارة السمراء الذين رفضوا بالأمس بقاء مصر عضوا في منظمة الوحدة الأفريقية عقب الانقلاب وقد قبلوا اليوم بإعادتها والحال هي الحال، بل أسوأ؛ لأنهم فعلوا الأولى خشية على عروشهم من الانقلابات، وليس رعاية للمبادئ والأخلاق أو معونةً للشعوب والأمم المبتلاة بعصابات الإجرام الانقلابية، فزعماء القارة المنكوبة من داخلها وخارجها تحالفوا من قبل على نبذ كل من يقوم بانقلاب في قارتهم، فكان حلفا لحماية كراسيهم، لا لحراسة الحق والمبدأ ووقوفا في وجه الديكتاتورية والظلم.
إن ما ينغص عيش الانقلاب إذن ليس هو "الخارج" العربي والإقليمي والدولي الذي أجمع أكثره على التواطؤ مع الإجرام الانقلابي، وإنما هو "الداخل" المصري الثائر الحي..
ضغوط الخارج على الثورة:
وإن كان أعوان الانقلاب وشيء قليل من دبلوماسية الانقلابيين قد حركت مواقف كثير من الدول، وغيرت آراء كثير من العواصم، حتى زالت عن سمائه كثير من الغيوم التي أدت إلى عزلة الانقلابيين زمنا، فإن المشكلة تبقى في الشارع المصري الواقف في وجه الانقلاب بشجاعة عظيمة، وتثبيت رباني تعجز مقاييس البشر العادية عن فهمه أو تفسيره، إلا إن آمنت بالله العظيم وأسلمت الوجه له حقا.
وقد تعاون الداخل والخارج في الضغط على جموع الثائرين الذين يضيئون في أنحاء الوطن مشاعل المستقبل، وتتحول أرواحهم المتحررة من قيود الدنيا إلى قناديل تضيء سبل السائرين إلى الله في مواجهة الطغيان والطواغيت، وتفرش دماؤهم طريق النصر للجيل كله.
نعم، تعاونا لإطفاء الجذوة، وإخماد الثورة في قلوب ملت الظلم، وكرهت الطواغيت، وعافت التبعية، فتماهى إعلام العرب المساندين للانقلاب في إعلام الانقلاب، وحمل رسائل التثبيط نفسها، وحاول أن يقنع الناس بأن الانقلاب أمر واقع وقدر من الله مقدور لا دافع له، فلم يعد القارئ والمشاهد يميز قناة العربية من المحور وأون تي في والتحرير وسي بي سي وأمثالها، ولم يعد ثمة فرق بين التلفزيون الرسمي في مصر وتلفزيونات السعودية والكويت والإمارات إلا من جهة الكم، وبدت صحيفة الشرق الأوسط كأنها طبعة للأهرام المصرية بل أمرّ...
هذا غير الضغوط التي تمارَس على الجاليات المصرية في العواصم العربية لتمرير الانقلاب من فوق طابور الجثث وجنائز الموتى، فما من صوت يمكن أن يرتفع بتأييد الشرعية في تلك العواصم، إلا عانى النفي والطرد من عمله وحرمانه من لقمة عيشه وعيش أولاده، مع ضغوط وتسهيلات ومحفزات كبيرة أتاحتها العواصم العربية لحشد المصريين أمام لجان الانتخاب والاستفتاء لتمرير الدستور الأعور وانتخاب الرئيس الهاشتاج!!
ضغوط الانقلاب:
وأما ضغوط الانقلابيين أنفسهم على الثورة لإثنائها عن مطالبها وكسر إرادتها، فهي مما لا يكلّون منه ولا يملون.. إعلام كذاب يستر عوارتهم، ويغطي على جرائمهم، ويجمل قبحهم، ويجيش المخدوعين والمأجورين ضد الثورة، ويبث الفرقة في صفوف الثوار، وينشر في الهواء مشاعر الإحباط واليأس، وينفخ في جثة السيسي حتى يبدو المنقذ المنتظر والملهم الذي سيطير بمصر بجناحين عفيَّينِ إلى أعلى منزلة، وهو الأشل الذي لا تحتمله قدماه، ولا يسعفه لسانه بنطق جمل مفيدة أو صحيحة بدون ورق، بل حتى مع الورق يزل لسانه ويخطئ أكثر مما يصيب، فما بالك بدولة تحتاج إلى عقل كبير وقلب جليل لتتجاوز أزمتها، وتبدأ تخطو إلى الأمام شيئا فشيئا؟!
فهل اكتفى الانقلابيون بذلك ضغطا على نفوس الثوار ومشاعرهم؟!
وأنى للشياطين أن تكف عن الحيلة وتدبير الشرور!! لقد واجهوا المتظاهرين بالبنادق الآلية والخرطوش والغازات السامة وقنابل الصوت، ولم يكفوا عن القتل وإزهاق الأرواح البريئة من أول يوم حتى الآن.
وعذبوا، وما زالوا يعذبون المعتقلين تعذيبا تشيب لهوله الولدان، ولم يقفوا عند محرَّم إلا فعلوه مع النساء والرجل والأطفال، فانتهكوا الأعراض الشريفة، وجلدوا الظهور الحرة، وسلطوا كلاب البشر والحيوان على الأحرار، وجوعوا البطون، وعروا الأجساد، ومنعوا عن المرضى الدواء، حتى ماتت تحت يدهم نفوس قالت للدنيا: تبا لك إن لم نعش فيك أحرارا لا نعبد إلا الله!
الضغط بأحكام الإعدام:
فهل اكتفى الانقلابيون بذلك ضغطا على نفوس الثوار ومشاعرهم؟!
وأنى للشياطين أن تكف عن الحيلة وتدبير الشرور!! لقد حكموا على الأبرياء أحكاما قاسية ليكون استنقاذ أرواحهم من الموت وأعمارهم من الإهدار خلف قضبان السجون القاسية عنصرا من عناصر المساومة والتفاوض مقابل الاعتراف بالانقلاب..
إن كلمة يقولها الثوار للسيسي بأنه الرئيس هي حلم حياته وحياة أذنابه، وجملة مثل: "يا سيادة الرئيس" يخاطب بها الثوار عبد الفتاح السيسي هي أهم وأخطر عنده وعند الانقلابيين ألف مرة من تهنئة واشنطن ولندن وباريس وموسكو والرياض والكويت وأبو ظبي له بفوزه المزعوم برئاسة الدولة!!
نعم والله، إن وزن الثوار في القضية الآن صار – وكان منذ البداية - أثقل من كل هذه العواصم المنافقة ومن الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة التي داست كل المبادئ، وسكتت عن الدماء المسفوحة، بل أيدت القتلة، ولو اكتفت بالصمت لكان الموقف معيبا، فما بالكم وقد هنأت السيسي ودم الشهداء يقطر من يديه، وينساح تحت كرسي الرئاسة الذي اغتصبه من الرئيس الشرعي!
سعوا بكل ما يملكون إلى امتلاك مزيد من الأوراق التي يساومون عليها، وحسبوا أن الإعدامات يمكن أن تكون واحدة منها، لكن أجابتهم الأصوات المحبوسة المبحوحة من خلف ألف جدار: الموت في سبيل الله أسمى أمانينا!
لن نعجب إن أقدم المجرمون على إعدام بعض إخواننا الشامخين خلف القضبان – بفضل من نتوكل عليه سبحانه - حيث تذل الآناف ويبكي الرجال؛ فقد فعل إجرام الانقلاب ما هو أقبح، وارتكب ما هو أشنع، ولن يكون هذا إلا مزيدا من الحماقة التي تمد ثورتنا بمزيد من الزيت المبارك، ومزيدا من العافية يبثونه بدون قصد في بدن الثورة المتأججة.
حرس الله أحرار مصر وشرفاءها، وقضى لهم بما هو خير لدينهم ودنياهم وأخراهم وأمتهم وأسرهم وأهلهم وذرياتهم، وأخزى من يرومهم بسوء، أو يقصدهم بشر.. آمين.