د. أحمد نصار :
التحليل السياسي الظاهري لما يجي في مصر يشير عند البعض أن السيسي سينجح في انتخاباته وسيمكث في الحكم بضع سنين إن لم يكن لعقود.
هؤلاء يرون أن السيسي قادم بشرعية ومعه الجيش والشرطة وجميع مؤسسات الدولة ودعم خارجي إقليمي ودولي وإعلام حكومي وخاص يطبل له على كل شيء فعله وكل شيء لم يفعله.
ولا شك أن هذا صحيح، إلا أن الاستنتاجات التي توصلوا إليها غير صحيحة.
***
1- هناك نزيف حاد في القوى السياسية التي أعطت غطاء سياسيا للانقلاب. وباستثناء حمدين صباحي، لا توجد قوة سياسية واحدة محسوبة على ثورة بناير تلتف حول السيسي الآن.
فالقوى السياسية التي أعطت مذاقا ثوريا للانقلاب بمباركتها خطاب 3 يوليو انتقلت إما كليا لمعسكر الثورة الدائرة في الشارع على الانقلاب أو جزئيا بوقوعها في خلافات أو مشاكل مع السيسي والزمرة الانقلابية أدت إلى سجن البعض على يد الانقلاب.
لم يتبق الآن حول السيسي إلا ذات القوى التي كانت حول مبارك، وهي قوى لم تنجح في إسعافه.. ولن تنفع السيسي.
جميع وزراء جبهة الإنقاذ خرجوا في التعديل الوزاري الأخير، في انقلاب جديد على شركاء الانقلاب القديمن ولم يتبق إلا منير فخري عبد النور منهم بصفة طائفية (قبطي)
أما حمدين فمعروف القضايا التي يواجهها هو وابنته، والتي جعلته يرضخ لرغبة السيسي بأن يلعب دور الكومبارس في الانتخابات حتى لا يخوض السيسي المسرحية بدون دوبلير.
2- الدعم الإقليمي البترو-دولاري بدأ في التراجع. وتصريحات دول الخليج مستمرة ومتوالية. بدأت خجولة لعل أحدا في القاهرة يشعر بالخجل، ثم صدعوا بها صريحة وصراحة! الإمارات والسعودية ليسا على استعداد لتقديم مزيد من المساعدات الإضافية.
مصر 94 مليون! وأي مساعدات خليجية كانت لتجدي نفعا فقط في حال استمرت السياحة والاستثمارات الخارجية كما كانت قبل الانقلاب (أيام مرسي). أما بوجود الدبابة في الشارع فإن المساعدات لا تستطيع أن تواجه احتياجات السوق.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن أموال الخليج نهبت كلها أو جلها، فإننا في حقيقة الأمر نتحدث عن لا شيء!
3- دولاب العمل:
ليس أمام السيسي أي قيادات حكومية تدير مؤسسات الدولة المتهالكة إلا ذات القيادات التي كانت في الحزب الوطني. وهي قيادات رغم بيروقراطيتها التليدة البليدة إلا أنها أغرقت سفينة مبارك، في وقت كان الاقتصاد المصري والاحتياط الدولاري أفضل مما هو عليه الآن. فماذا يفعل هؤلاء إذا واجهوا وضعا اقتصاديا أصعب وديونا أكبر وهروبا للمستثمرين ووقوفا للسياحة؟
4- الشرعية:
ربما كانت هذه النقطة أول شيء نتحدث عنه. السيسي فشل في كل محاولات اكتساب الشرعية منذ الانقلاب حتى الآن. فمع فشله في لبس رداء الشرعية الثورية بخروج مظاهرات أكبر عددا وأكثر كلفة وأطول نفسا من تظاهرة 30 يونيو التي لم يسقط فيها شيد واحد، سقط الإدعاء أن السيسي ينحاز لإرادة شعبية.
إن منع السيسي للمظاهرات واعتقال المتظاهرين وإغلاق الميادين وسن قوانين منع التظاهر أدرك بعض ممن لم يكن يفهم أن ما حدث كان انقلاب.
ومع تفاقم المشكلات وفشل السيسي في تقديم أي شيء ملموس حتى الآن لبسطاء الناس الذين صدقوا دعايته أن كل المشكلات الحياتية التي يعانون منها سببها مرسي، وأن حلها مرهون بزواله، فشل السيسي في الحصول على "شرعية الإنجاز".
إن نغمة أن الجيش تدخل لمنع الكارثة وأن البلد كانت على شفا الهاوية، وأن ما حدث كان حقا انقلابا إلا أن الجيش لم يستطع الوقوف مكتوف الأيدي وهو يرى هذا الشعب يئن لا يجد من يحنو عليه، أصبحت ماسخة نشازا في ظل أوضاع اقتصادية يجمع القاصي والداني أنه أسوأ من أيام مرسي.
إن السيسي لم يفشل فقط في تقديم شيء مادي ملموس للناس، بل فشل كذلك في إعطائهم أملا وأفقا للمستقبل! إن الذين سمعوا حوار السيسي وهو يعد بحل مشكلة الطلقة في مصر بالندات الموفرة، ومشكلة البطالة بألف عربية نصف نقل، أصيبوا بالدهشة والذهول لدرجة أسكتتهم عن الحديث لبرهة ثم انفجروا ساخرين من هذه التصريحات مبدعين "صفحة قدم حلولا كأنك السيسي" التي لاقت رواجا وساعا وسط قطاعات عريضة من المصريين!
لقد انحدرت تصريحات السيسي من مسر حتبقى قد الدنيا إلى "مفيش" و "أنا مش قادر أديك" و "حتأكلوا مصر يعني؟؟" وتسريبات عن العذاب والتقشف والسير حتى العمل بدلا من ركوب المواصلات وتقطيع الرغيف أربعة أربع!!. وهو تحول مثير للاهتمام أو للضحك.
السيسي يطرح نفسه بلا وعود ولا برنامج. وعدد اللقاءات الصحفية والفضائية أكبر من لقاءاته الجماهيرية التي يخشى أن يعقدها وسط الجماهير!
***
إن السيسي لا يستطيع الاستمرار في حكم مصر دون شرعية حقيقة، تكون فيها نتائج صناديق الاقتراع حقيقة بلا تزوير. أما إذا استمر على نهجه في تزوير الانتخابات كما حدث في الاستفتاء - الذي شهد اعتقال من قال لا!- فإن نظامه سيظل يعاني من Instability (عدم استقرار) ينتظر اللحظة المناسبة فقط كي يسقط على رؤوس أصحابه.
هل تتوقعون منافسة حقيقية في انتخابات الرئاسة التي ستجري بعد أسبوع؟؟ بله هل تدركون أساسا أن الانتخابات بعد أسبوع؟ هل تتوقعون أن يأتي البرلمان القادم بلا تزوير واضح وفج يفوق ما كان عليه الحال أيام مبارك؟؟ وهل تتوقعون شيئا غير عودة رجال مبارك مرة أخرى إلى البرلمان؟ شخصيا أتوقع أن يقوم السيسي بتعيين شفيق رئيسا للوزراء!
إن السيسي يستطيع أن يفعل ذلك بقوة السلاح، كما كام يفعل مبارك! لكن هذه عوامل لا تقيم نظاما بل ستسقطه كما أسقطت مبارك.
وإن غدا لناظره قريب