محمد منصور

في خضم الأحداث الجارية التي يصرخ فيها الحقُّ بأنصاره: أن هلموا؛ لا تلفي الواحد منهم إلا على يقين من ربه، مؤمن بوعده و وعيده، مصدق بآياته، و كأنه يراها رأي العين، حتى في أشد المواقف و أحلك الظروف و الأحوال.

إذ تجده مهرولا إلى ميدان النضال و الكفاح؛ ليألم في سبيل تمكين الحق، و يحمل جرحه الدامي ليأسو جرح بلده، مضحيا بآماله في سبيل الواجب.

و هذا بالضبط ما عبر عنه الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقال: ( ماذا يفعل أعدائي بي .. إن جنتي و بستاني في صدري .. أين رُحْتُ فهما معي لا يفارقاني .. سجني خلوة و قتلي شهادة و إخراجي من بلدي سياحة).

و قد ذكرني هذا بآخر ما خطته يد الأستاذ: عمر التلمساني ـ رحمه الله ـ تحت عنوان: ( نحن على خير حال )، و كان مما قاله رحمه الله:

( أجل نحن الإخوان المسلمين على خير حال؛ بفضل المنعم الوهاب؛ إن وجدنا قانونا فنحن قائمون بمهمتنا في التربية و التوجيه، و ربط المسلمين جميعا برباط الحب و الالتقاء على الله.

و إن حرمونا من الوجود القانوني بسلطانهم؛ فنحن المتحابون في الله .. المتزاورون في الله .. المتجالسون في الله، في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله .. ظل القوي القاهر الجبار.

أراد الله لنا أن نكون على خير في اللأواء و الرخاء .. إذ بهداه استوى لدينا شأن الموت و الحياة، بل لعلنا أحرص على الموت؛ فتوهب لنا الحياة .. فالناس يفزعون في مجال الروع من الموت، و نحن نسارع إليه في سبيل إعلاء كلمة الله.

إننا بخير حقا .. إذ ألهمنا الله الصبر و الاحتساب في رضا كامل و تسليم عجيب .. لا نفكر في انتقام و لا ثأر .. و لئن أطمع هذا الخُلق فيهم خصومهم، إلا أنه أفادهم؛ من ناحية تعمق العقيدة بين حنايا صدورهم و طهارة مقصدهم و سد منافذ الشيطان؛ أن يقف المسلم بسيفه في مواجهة أخيه المسلم مهما أساء.

نحن بحمد الله على خير حال .. ماذا ينقصنا مما يستمتع به عامة الناس ؟ لا شيء، ثم يبقى بعد ذلك ما نمتاز به على خصومنا، ذكر حسن و أحدوثة طيبة .. و أخرى ملؤها النعيم الخالد الذي لا يفنى و لا يبيد.

إننا نحظى بهذا عند ربنا .. و هم منه محرومون .. لأننا ننظر إلى آخرتنا قبل دنيانا، و هم لا ينظرون إلا لما يقع تحت أنظارهم .. و شتان بين مَنْ يؤمن بالآخرة و بين مَنْ هو عنها في صمم و يأس بعيد .. وهل يستوي من يُلقى في النار ممن يأتي آمنا يوم القيامة ؟ كلا و ربي لا يستويان .. فهل هناك من شك بعد ذلك أننا على خير حال؟ ).

و أُجيب الأستاذ على بعد الزمان: لا.

و بإذن الله ( مكملين ).