محمد منصور
حدث يوم خروج زينب بنت رسول الله من مكة، أن تعرض لها رجال من قريش؛ يريدون إرجاعها؛ فتسقط من على ناقتها، و كانت حاملا؛ فتنزف، و تسمع هند ـ و ما أدراك ما هند في جاهليتها ـ زوج أبي سفيان، فتخرج مسرعة ترفع عقيرتها في وجه قومها: معركة مع انثى عزلاء؟!؛ أين كانت شجاعتكم يوم بدر؟
وتحول بينهم و بين زينب و تضمها إليها، و تمسح عنها ما بها، و تصلح من شأنها، حتى استأنفت الخروج إلى أبيها في أمن و أمان.
وأحسبك ـ عزيزي القارئ ـ قد عقد ذهنك ـ مباشرة ـ مقارنة ما بين "زينب" بنت رسول الله و بين الأخت الفاضلة "ذهب"؛ فكلتاهما مرَّتا بنفس التجربة المريرة؛ و لكن الفارق بينهما يكمن في المفارقة بين موقف هند و موقف الانقلاب، مما يدفع للحكم على الانقلاب بالإجرام، و أن أحكامه إجرامية؛ لا يقرها دين ولا تعترف بها إنسانية؛ بل و تتبرأ منها الكرامة والمروءة وتصير به هند بنت عتبة ـ في جاهليتهاـ أشرف خلقا و رجولة.
كما يُظهر أن الانقلاب و أذنابه لا يطيقون الصبر و لا يعرفون الكياسة أو التخطيط الرزين الهادئ البطيء، و يحبون الحسم و السرعة و يتعجلون قطف الثمرة، و هكذا كل نظام فاسد ـ حسبما تعلمنا من التاريخ ـ يحمل في ثناياه عوامل فنائه و انهياره.
و في المقابل فإن إيمان الثوار بقضيتهم قوة دافعة موجهة؛ قوة تسند الضعيف أن يسقط، و تمسك القوي أن يجمح، و تعصم الغالب أن يطغي، و تمنع المغلوب أن ييأس أو ينهار.
هذا الإيمان جعل الثوار الأحرار يجاهدون جهاد المستميت بصبر و دأب و همة لا تفتر و لا تعرف الكلل؛ ليزيحوا عن أنفسهم وأهليهم غوائل الظلم.
و إن المعركة دائرة و لم تكتب السطور الأخيرة فيها بعد، و لكن ما يوجع القلب و يحزنه أن كثيرا من أهل بلدي موقفه يدعو إلى الحيرة ؛ يصفق للمعتدين و ينحى باللائمة على المغلوبين المظلومين ، فلماذا؟!!!
أكان من اللائق أن نترك بلدنا تنهشها الذئاب التي قد اتخذت الظلم طريقا و التصفية الجسدية و النفسية أسلوبا كما استطاع أن يجند الألوف بل مئات الألوف لارتكاب الجرائم المتنوعة في حق الأبرياء و الشرفاء.
و أقول لهم كما قالت هند: أين شجاعتكم هذه أيام مبارك؟!، أم أنكم أسد علينا و في الحروب نعامة؟؟؟!!! ألا لعنة الله على الظالمين.
و عزاؤنا كلمات الله الحلوة: ( و لا تهنوا و تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين؛ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء و الله لا يحب الظالمين؛ وليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين؛ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين ) آل عمران/139-142
و بإذن الله مكملين.