محمد منصور :


عندما نتعامل مع الأحداث بأرواحنا، موقنين بوعد الله و نصره؛ فإننا ـ حتماً ـ سنرى حقائق السرور تزيد و تتسع و حقائق الهموم تصغر و تضيق، وسندرك أن الدنيا إن ضاقت فنحن الضيق لا هي .

و ساعتئذٍ ستكون حركتنا صدى لمعاني الروح المؤمنة الصافية، التى ترى أن في الدنيا لذات لا تُختزل في الطعام و الشراب والنكاح ؟

ولذا كان أصدق ما قالوه: إن المرئي في الرائي .

نعم إن المرئي في الرائي؛ وإلا ـ بالله عليك ـ ما سر لذة التظاهر في الميادين وكلٌ منا يستشعر لذة الحامي للكرامة و الذائد عن الحياض و الكل في عنقه؟! ، بل استحالت لذة مَلِكٍ جالس في أمره و نهيه، و لا يخرج أحدٌ من نهيه و لا أمره .

و ما سر لذة الثبات والكل في موقعه ساكن رابط الجأش مغتبط النفس كأنما يتصدق بالانتظار ؟!

و ما سر  لذة الدعاء و الخضوع لمن يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء؟! ، راكعين ساجدين ؛ نستمطر رحماته ـ سبحانه ـ لندفع البلاء بدعاء السحر وكل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره.

و ما سر لذة الكر و الفر في سبيل نصرة الحق ، و لذة النوم على أمل في الله في نصر قريب ؟!

إن سر تلكم اللذات هي الروح المؤمنة  بوعد الله، الثائرة على الظلم؛ هي كسر النبات الأخضر؛ لا يُقطع من ناحية إلا ظهر غيرها؛ ساخرا هازئا قائلا على المصائب : ها أنا ذا .

إذ الروح المؤمنة لا تعرف شيئا اسمه الموت و لا شيئا اسمه الوجع وإنما تعرف حظها من اليقين و هدوءها بهذا الحظ و استقرارها مؤمنة ما دامت هادئة مستيقنة تتحدي الطغاة قائلة :

تالله ما الطغيان يهزم دعــــــــوة                 أبدا و في التــــاريخ بـر يمــيني

ضع في يدي القيد ألهب أضلعي                 بالسوط ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعة                 أو نزع إيمـــــاني و نور يقينــي

فالنور في قلبي و قلبـــــي بيدي                 ربــي وربــي ناصري و معيني

سأعيش معتصما بحبل عقيدتي                 وأموت مبتسما ليحـــيا دينــــــي

إنها الروح التى جعلت الشهيد يلقي الموت مبتسما قائلا: فزت و رب الكعبة، هي الروح نفسها التى جعلته يشم رائحة الجنة من دون أحد .

إذ السعادة و الشقاء كلاهما من قبل الروح ،لا من قبل الأسباب و العلل؛ فمن جاراها سعد بها؛ لأن الروح الجوعي لابد أن تغتذي؛ كما لابد من ذلك للبطن؛ ليوجد كل منهما حياته في الحياة .

وسر السعادة أن تكون فيك القوى الداخلية التى تجعل الأحسن أحسن مما يكون و تمنع الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو ؛ وكيف لك بهذه القوة و أنت وادع  قار محصور من الدنيا ؟

فما أشبه الإنسان في الحياة بالسفينة في أمواج البحر ؛ إن ارتفعت السفينة أو انخفضت أو مادت فليس ذلك منها وحدها بل مما حولها ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئا و لكن قانونها هي الثبات و التوازن و الاهتداء إلى قصدها و نجاتها في قانونها .

فهيا أطلق عنان روحك ،و اجعل أيام و ليالي الكفاح النضالية ميدان تدريب لها، ساعيا بشدة ساقيك و كلتا يديك لتملك العزيمة و الإرادة، و تخلع عنك الهم الحزن و العجز و الكسل و الجبن و البخل ملبيا النداء ( مكملين).

وعليك بالدعاء فكل الأشياء ترحل و لا تعود إلا الدعاء يرحل بالرجاء و يعود بالعطاء ، فقط قولوا : ياااااااااااااااااااربــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المراجع : ـ  ( وحي القلم ) لأديب العربية و الإسلام ( مصطفى صادق الرافعي )

                ـ  ( ديوان نفحات و لفحات  ) للعلامة الدكتور ( يوسف القرضاوي )