خميس النقيب :
إن المؤمن الذي تذوق حلاوة الإيمان يعتقد أن رزقه مقسوم، وأجله محتوم، وقدره معلوم ، لا يستطيع كائن من كان أن يحول بينه وبين ما قسم الله له من رزق، ولا أن ينتقص ما كتب الله له من أجل، وهذه العقيدة تعطيه ثقة لا حدود لها، ويقين لا نهاية له ، وقوة لا تقهرها قوة ومثلما كان من هؤلاء الذين انعم الله عليهم بالإيمان في قصر فرعون، كان الرجل -من الذين سلكوا ذات الطريق، واخذوا نفس المنهج - يذهب إلى ميادين الحق مجاهداً في سبيل الله فيعترض سبيله المثبطون، ويخوفونه من ترك أولاده.فيقول: علينا أن نطيعه تعالى كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا.
كان المعوقون والمخذولون يذهبون إلى المرأة فيثيرون مخاوفها على رزقها ورزق عيالها إذا ذهب زوجها إلى الجهاد، فتجيبهم في ثقة واطمئنان: زوجي عرفته أكَّالاً وما عرفته رزَّاقاً، فإن ذهب الأكَّال فقد بقي الرزَّاق!!
والحق يجب أن يؤمن به ويبلغه الفقير والغني، البعيد والقريب، الحاكم والمحكوم، الرجل والمرأة طالما خالط الإيمان بشاشة قلوبهم....!! فقد كانت ماشطة ابنة فرعون فقيرة، وكانت امرأة فرعون غنية، وهي زوجة الطاغية، وكان مؤمن أل فرعون ابن عم الطاغية، وكان السحرة من عامة الناس، لكن الكل امن بالحق وبلغه علي ما يرام، ولم يتركوا حجة لأحد حتى يتقاعس.....!!!
من كان يظن أن امرأة - ماشطة ابنة فرعون- من أفقر الناس تتحدي الكفر بإيمانها، وتتحدي الاستبداد بقوة إرادتها ، وتتحدي التعذيب بجلدها وصبرها.....!!!
قال رسول الله : لما كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها....
من كان يظن أن يخرج من وسط هذا الجو الفاسد، والمناخ الظالم، –آسية امرأة فرعون - بطلة المهرجان، ومالكة السلطان وصاحبة الصولجان، صاحبة الأمر والنهي في المكان لتحيا مع ربها، وتنعم بإيمانها، وتؤسس لبيتها، هناك في جنة ربها ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (التحريم11) فجعلها الله مثلا للمؤمنين في كل مكان وعبر كل زمان.!..قال النبي: حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون.
من كان يظن أن يخرج رجل -مؤمن آل فرعون - من أقصي المدينة يدفعه إيمانه بالله، وحبه لدعوة الله، إلى نصح نبي الله ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ (القصص 20)..يقطع الأميال، لا يبالي بالاتكال ولا يعبأ بالأغلال، أنكال الطغيان، وأغلال الشيطان، وإنما يحقق الآمال في الحفاظ علي الدعوة الراشدة والداعية الفعال...!!.. !!من كان يظن أن يتحول أناس-سحرة فرعون – بعد أن رغبوا في اجر الدنيا ﴿وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ (الأعراف113)، واقسموا بعزة الطاغية، ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ (الشعراء44) تحولوا فامنوا بالله واعتقدوا في الآخرة واستهانوا بالدنيا، ولم يجزعوا من الموت، يقولون لفرعون وهم في ثبات الجبال ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ (طه72) إنهم لا يحرصون على شيء عنده، ولا يخافونه على شيء عندهم، لماذا يخافون وقد ذاقوا حلاوة الإيمان؟، ولماذا يضعفون وقد ارتكنوا إلى ركن شديد؟ ولماذا يهنون وقد تبرؤوا من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته؟ … لقد انقلبوا من أتباع له منفذون لأمره مطيعون لقراره، إلى دعاة له يبشرون وينذرون وبأمر الله فقط يأمرون وبتوجيه الله فقط ينصحون ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (طه73)....من حول قلوبهم؟، ومن غير وجهتهم؟ ومن بدل طريقهم؟! انه الله
قد يستخدم أهل الباطل بعض الوسائل لتفشي ظلمهم في البلاد، ولكن الله سبحانه وتعالى يقلب الأداة التي استخدمها أهل الفساد إلى أداة لخدمة الحق وأهلة ليجعل كيدهم في نحورهم وتكون الدائرة عليهم،
فقد استخدم فرعون السحرة كأداة ووسيلة ليهزم بها موسى عليه السلام وليسكت كلمة الحق وليطفئ نور الله عز وجل، ولكن الله سبحانه وتعالى قلب هذه الأداة لتكون وبالاً على فرعون وقومه وخيبة أمل لهم، فقد آمن برب موسى جميع السحرة لما وجدوه من معجزة ليست من صنع بشر، وهكذا سنة الله تعالى في خلقه وكونه، فإن من أراد العبث بأي وسيلة أو أي أداة يمكن أن يستخدمها لإسكات صوت الحق وإحكام سطوته على البلاد وتفشي الظلم والفساد إنما هي بإذن الله ستكون وبالاً عليه وعلى من معه ممن وقفوا بصفه وصفقوا له وستكون خيبة أمل له ولقومه لينهي الله عز وجل بها ظلم وفساد طال لسنوات وسنوات..وأنت أخي القارئ قد تتخيل ولو للحظات قليلة أن من شدة ظلم الظالم وبطشه وجبروته أنه لن يسقط ولن يقع، ومن طول مدده أنه لن ينتهي، لكن أين فرعون وملأه الآن.....؟! وكم تجبروا وعلوا في الأرض وأفسدوا...؟! إن ما تراه الآن من قوة الباطل إنما هي في الحقيقة أهون من بيت العنكبوت، لأن القوي لا يكيد المكائد وإنما يواجه ويناضل ويتحدى وجها لوجه، وإن الذي يكيد ويتربص لخصمه ليأتيه من خلفه إنما هو الضعيف وإن ظننت أنت فيه القوة، فكيده خير دليل على ضعفه ووهنه وأنه كلما ازداد كيداً كلما ازداد ضعفاً، وهكذا كان فرعون ﴿فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى﴾ (طه
أراد الله أن يقضي علي فرعون إلى الأبد، ويخلص منه البلاد ويرح منه العباد ﴿وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾ (الدخان24) وغرق الطاغية في الفساد الذي كان ينشره ويمرره...!!
ويخبرنا الله تبارك وتعالى عن مصير فرعون المتوقع والمعروف والتي هي نهاية كل ظالم ومفسد ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ (غافر46)
و انهدم القصر علي الفراعنة المستبدين بعد ان خرج منه المؤمنين ، الماشطة التي طيبت الدنيا برائحتها واولادها واسية التي خلد القران ذكرها و السحرة الذين عرفوا الحق فانساقوا له و مؤمن ال فرعون صاحب المروءة القوية والهمة العالية جميعهم خرجوا من نوافذ الايمان في قصر الطغيان ، لم يحجبهم ظلم ولم يقهرهم بغي ولم يثنيهم عدوان عن اللحاق بعباد الرحمن ، ذلك هو شأن الإيمان إذا تعمقت جذوره في القلب، وقوي سلطانه على النفس، إنه يمد صاحبه بيقين لا يهن، وهمة لا تنثني، وأمل لا يخبو، ودافع لا يتوقف، وعزم لا يخور.هو يملك الدنيا ولكنها لا تملكه، ويجمع المال ولكنه لا يستعبده، وتحيط به النعمة ولكنها لا تبطره، وينزل به البلاء ولكنه لا يقهره، لا تزيده الشدائد إلا عزيمة مع عزيمته، وقوة إلى قوته، كالذهب الأصيل، لا تزيده النار إلا نقاء وصفاء....!!!
والفراعنة الجدد مهما قتلوا واعتقلوا و فسدوا وخربوا ستنهدم قصورعم فوق رؤسهم من حيث لا يحتسبوا بعد ان يخرج اهل الحق من نوافذ الايمان ليعمروا الارض بالعدل والاحسان بعيدا عن الظلم والطغيان .. !!
اليوم يؤله الحاكم وهو يبيح الرقص والخمر والفحشاء في الوطن العربي الا ما رحم ربي لكن الله لا يامر بالفحشاء "وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تعلمون " ( الاعراف : ٢٨ ويخرج علينا من يشبه الحاكم بالرسل ، وهل الرسل يقتلون كلا ثم كلا !! انهم يستعينون بالله ويصبرون علي الاذي ولا يقتلون كيف ؟ " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض في نظر كيف تعملون " ولقد أخذنا آل القصثص ١٢٨ _ ١٢٩
إن المستبدين لا يقدرون على التحدي ولا يستطيعون المواجهة، ولا يطيقون حتى الحوار، فكل مستبد إلى زوال، وكل ظالم إلى فناء، مثلما زال فرعون ومن معه، لتبقى كلمة الله هي العليا ويعم الخير أرجاء البلاد وأنحاء العباد.
----------