عبدالعزيز مجاور
لم تمر مصر عبر تاريخها بعملية خداع كبرى مثلما حدث معها في ثورة يناير 2011 وما تبعها من أحداث وحتى انكشاف جزء كبير من العملية بنهاية عام 2013، وما زالت تنجلي وتنكشف الحقائق المؤلمة عن محاولة تضليل شعب.
وتكمن عملية الخداع الكبرى في تعارض مصالح المجلس العسكري مرة مع طموحات مبارك في توريث الحكم لأبنه، ومرة أخرى مع حلم الشعب المصري في أن يمتلك إرادته بنفسه.
وفي التعارض الأول في رفض التوريث استطاع المجلس المذكور في الانتصار لمصالحه بقتل حلم التوريث عبر انتهاز فرصة انهيار الشرطة ليتولى أمر السيطرة على البلاد ليفرض إرادته على مبارك من خلال تخليه عن التوريث، وعن الحكم ظاهراً في مقابل العيش الكريم في مملكته في شرم الشيخ مقابل الحفاظ على القدر المشترك من المصالح المتوافقة، والمتمثلة في اقتسام تورتة الاقتصاد السري عبر مرتبات ومزايا ومنافع المجلس العسكري وقائده الأعلى، ويكفي أن نذكر أن أحدهم قد أدخر من راتبه 30 مليون جنيه في أضعف تقدير باعتراف مؤيديه، فلا يجب أن يتم الكشف عن المستور حتى لا يغرق الجميع، ومن المعلوم أن الجهاز المركزي للمحاسبات استطاع في عهد الرئيس مرسي أن يطلع على كل مستحقاته المالية ويعلنها للشعب في حين لا يستطيع أحد مهما كان أن يراقب أموال تتدفق في حسابات قادة المجلس العسكري بدعوى الأمن القومي، وقد نفهم أن سرية حسابات القوات المسلحة أمن قومي ولكن مرتبات قادته كيف تصبح ذلك في وقت يتم الإعلان عن مرتب القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الرئيس الشرعي للبلاد.
وتنحى مبارك وكادت الصفقة أن تنجح لولا الضغط الشديد لمحاكمة مبارك والذي بلغ ذروته بحديثه المسجل لقناة العربية، فتم تعديل الصفقة إلى محاكمة شكلية هزلية يتمتع فيها مبارك بإقامة الرؤساء بل وباستقبال قادة من دول أخرى خلال فترة حبسه المزعومة، ولن يجدي أن نخوض أكثر في تلك الصفقة التي ظهرت بعض معالمها ومازال البعض الآخر ينتظر الكشف عنه خلال الأيام التالية.
أما تعارض مصالح المجلس العسكري مع الشعب فقد كان التعامل معها في بداية الأمر هيناً وبسيطاً من وجه نظر العسكر الذين يتعاملون مع الشعب كطفل صغير يمكن ترويضه وتدليله وخداعه بقطعة صغيرة من الحلوى ليتنازل عن المليارات من إرثه، وقد كانت الصورة الشهيرة التي تظهر جندي يحمل طفلاً لتدلل على علاقة العسكر بالشعب، وكذلك التعبيرات اللفظية مثل (يحنو عليه، أنتم نور عينينا) لتؤكد هذه النظرة.
وبدأت عملية الخداع التي يمكن كشفها من خلال بيانات المجلس العسكري بداية من فبراير 2011 وحتى انقلاب يوليو 2013، وإذا مررنا عليها بصورة سريعة خلال النصف الأول من عام 2011 فقط لاحظنا ما يلي:
· في البيان رقم (2) والذي صدر في يوم تنحي مبارك أكدتالقواتالمسلحةعلىعدمالملاحقةالأمنيةللشرفاءالذينرفضواالفسادوطالبوابالإصلاح، ثم لم يمر سوى عامين فقط حتى ألقت القبض على كل الذين رفضوا الفساد وقاوموه ولفقت لهم كل التهم التي يمكن تخيلها أو حتى التي تصعب على التخيل.
· الاعلان الدستوري الصادر في 13 فراير 2011 تعهد المجلس العسكري بالحكم بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر ومع ذلك تمسك بالحكم وتسويف كل الاستحقاقات الانتخابية بحيث لم يتم أي منها إلا بضغوط شعبية كبيرة ومع ذلك طالت المدة إلى نحو سنة ونصف.
· كارثة الإعلان الدستوري في 30 مارس والذي جاء على إثر الاستفتاء على 11 مادة ليقوم المجلس العسكري بالإعلان عن بضع وستين مادة بخلاف المواد المستفتى عليها، ليضع لنفسه صلاحيات، وقبل الشعب الخداع وفرح بطوابير الاستفتاء ولم يعترض على سلب حقوقه من قبل العسكر.
هناك نقاط أخرى في الفترة التالية والتي شهدت على عملية الخداع الكبرى وكيف أن عملية الخداع أصبحت من الصعوبة بسبب مقاومة الشعب لها، وبسبب مقاومة الرئيس المنتخب وعدم استسلامه للألاعيب المختلفة والمتتالية، مما أدى في النهاية للعب على المكشوف وقلب كل قواعد اللعبة لنصل إلى انقلاب عسكري مفضوح لم يستطع الاستمرار في الخداع.
لذا يدعو الكاتب الباحثين في مجال التاريخ لدراسة هذه المؤامرة الكبرى التي حيكت على مصر وشعبها من قبل عصابة لم يكن همهم الأول سوى الحفاظ على نهب ثروات مصر دون وجود حسيب أو رقيب.