شيرين عرفة :
صديقة لي ممن نزلوا في تظاهرات 30 يونيو , تؤيد الإنقلاب العسكري وتعارض بشدة حكم الرئيس ( محمد مرسي ) , واحدة من كائنات السيسي , وإن لم تكن من الفصيلة الذئبية : تلك الكائنات المتوحشة التي ينتمي لها غالبية أفراد المؤسسات الحكومية و المؤسسة الأمنية والإعلامية ورجال الأعمال وأصحاب المصالح والفسدة والبلطجية ..و التي تطرب لرؤية الدماء وتنتشي لمشاهدة الأشلاء طالما أصحابها من المخالفين لهم في الفكر , كما أنها لم تصل بعد لمرحلة الكائنات البهيمية ..وهي فصيلة أخرى من كائنات السيسي , تتغذى على ما يقدم لها في بالوعات الإعلام المصري , لديها فتحتين للمدخلات هما الأذنان , وفتحة واحدة للمخرجات وهي الفم , تردد كلاما يتعجب منه المجانين , هي كائنات تؤمن بأن قتلى مذبحة رابعة هم من قتلوا أنفسهم , وبأن جثثهم تشتعل ذاتيا , فضلا عن الإيمان ببيع ( مرسي ) للأهرامات وتنازله عن شبه جزيرة سيناء وحلايب وشلاتين .. والكرة الأرضية التي توجد تحت الأرض ..
كما أنها ليست من نوعية عاهرات رئيس وزراء الإنقلاب : اللاتي تحدث عنهن في مؤتمر "دافوس " الدولي : المنجذبات لوزير الدفاع , المفتونات بسهوكته .
صديقتي هذه من نوع آخر .. ترفض الحكم العسكري ولكنها مضطرة لقبولة .. ذلك لأنها تؤمن بأن هناك ( قضا أخف من قضا ) تسير بنظرية ( حزب الزور ) في الحياة ( فأكل الميتة التي يقدمها العسكر أفضل ألف مرة من اللحم الحلال إذا كان من يقدمه هم الإخوان ) , إلغاء الشريعة ومحو الهوية الإسلامية في عهد العسكر أهون من إنتقاصها في عهد مرسي , و الحرب الحقيقية في شوارع مصر الآن بين أفراد الأمن و البلطحية من جهة وبين المتظاهرين من جهة أخرى أهون من الحرب الأهلية المحتملة لو استمر ( مرسي ) في الحكم , تطبيقا لنظرية ( وقوع البلا ولا إنتظاره ) , والتي على أساسها طلب ( السيسي ) من شعبه تفويض لمحاربة الإرهاب المحتمل , و لم يكن قد حدث بعد , ولكن بعد تفويض كائنات السيسي له حدث ما يقرب من ثلاثين تفجير إرهابي ,
سقطت شرعية ( مرسي ) بعد مقتل ثمانية مصريين في حادثة الإتحادية , و يحاسب الرئيس بتهمة التحريض على مقتل اثنين منهم فقط بعد أن تم استبعاد ستة من ضحايا ( شعب الإخوان الشقيق ) بينما تشرف على المحاكمة وتؤمنها وزارة الداخلية التي قتلتهم جميعا , فجاء ( السيسي ) ليعزل ( مرسي ) ثم يقتل ستة آلاف مصريا , والعدد في إزدياد بشكل يومي , ولأن ستة آلاف أهون بالطبع من ثمانية ..يطالب البعض بترشيح السيسي رئيسا للجمهورية .
كما أن حكم ( مرسي ) كان فاشلا بإمتياز , فمصر كانت تتقدم ببطء في عهده , فقد ارتفع معدل النمو الإقتصادي للناتج المحلي من 1.8 إلى 2.4 فقط , وعلى الرغم من أن حكومة ( قنديل ) حققت أعلى نمو إقتصادي لمصر منذ ستين عاما , إلا أنه يبقى على غير ما كنا نطمح به بعد الثورة , فجاء عهد العسكر ليعلن لنا مؤشر "فريدوم هاوس" تقريره السنوى عن الدول بشأن الأمور المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والأمن في بداية عام 2014 ، فتذيلت مصر الترتيب فيه , فقد جاءت مصر في المرتبة 34 من أصل 178 دولة على مؤشر الدول الفاشلة، حتى أنها انحدرت 11 مرتبة عن عام 2011 في ظل حكم المجلس العسكري بعد الثورة .
ولأن الحريات في عام حكم الرئيس مرسي كانت منقوصة , فلم تحدث سوى 24 مليونية أي بمعدل 2 مليونية شهريا , و5821 مظاهرة أي بمعدل 485 مظاهرة شهريا , و7709 وقفة إحتجاجية وفئوية أي بمعدل 557 وقفة شهريا , وفي تلك المظاهرات والإعتصامات كان المتظاهرون يعتدون على مؤسسات الدولة ويغلقون مباني المحافظات بالجنازير لعدة أيام , ويمنعون الموظفين من الدخول , ووصل الأمر للإعتصام أمام قصر الإتحادية بالأسابيع وإعتلاء أسواره وكتابة أحط الشتائم على حوائطه بل وخلع إحدى بواباته الحديدية بالرافعات , إلا أن حرية الإعلام في عهده ...لم تكن بالقدر الذي تمناه بعض الإعلاميين , فهم لم يتمكنوا سوى من سب وشتم الرئيس هو وعائلته وابناءه وجماعته وحكومته وحزبه , وهم كانوا يطمحون لحرية حقيقية لا تتوقف فقط على السب والشتم والإستهزاء , فعاد الحكم العسكري للبلاد ليؤكد مؤشر ( فريدم هاوس ) أن مصر ضمن 48 دولة على مستوى العالم "لا تتمتع بأي حريات على الإطلاق " ، على الرغم من صعودها في 2011 للتصنيف الثاني على المؤشر لِما يمثل دولة بها حرية جزئية، فقد انحدرت بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو إلى التصنيف الأدنى وهو "دولة غير حرة"،
تقاطعني صديقتي : ( مش مهم على فكرة )
...و أستمر أنا في سرد التقرير والذي فيه : أن مصر قد انحدرت على المؤشر الإقتصادي وتنامي الفقر بها مما يرفعها لدرجة "الإنذار" بانهيار الدولة.
كما انحدرت مصر 16 مركز على مؤشر الأمن لتكون في المركز 116، ويعلل المؤشر ذلك بتنامي الاحساس بعدم الأمان و الأحزان الجماعية وعنف الدولة تجاه المواطنين.
.. بينما جاءت مصر في المركز الـ 146 على مؤشر الحرية الشخصية، حيث أشار المؤشر إلى انحدار شديد في مستوى الحريات المدنية.
ترد صديقتي علي ..بنظرية ( ضحينا بالأم والجنين من أجل الأب يعيش ) : ( صدقيني كل ده ولا يفرق معايا ,أيه يعني لو ضحينا بالشعب كله من أجل أن تعيش مصر , مصر أكبر مننا على فكرة )
أقول لها : وماذا يبقى لمصر إن ضحينا بالشعب ?!! ثم ألا تعلمين أن مصر أصبحت منبوذة من غالبية دول العالم , ولأول مرة منذ خمسين عاما يبدأ مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي مساء الأربعاء 29 يناير 2014 قمته الـ 416 في العاصمة الأثيوبية وسط غياب للتمثيل المصري , بعد تجميد الاتحاد الإفريقي عضوية مصر عقب انقلاب 3 يوليو ورفضه الاعتراف بسلطاته غير المنتخبة ..
وبعد أن كانت مصر في عهد المخلوع ( مبارك) تابعا لأمريكا وإسرائيل , أصبحت في عهد الإنقلاب العسكري تابع لدول هم أساسا توابع لأمريكا وإسرائيل كالإمارات ودول الخليج ... أي أننا وصلنا لمرحلة ما بعد الحضيض ..
كما أن القاهرة، عاصمة مصر جاءت ضمن أسوأ 6 مدن في العالم وفقًا لأحدث تقارير وحدة تقصي المعلومات في مجموعة الإيكونومست , ويأتي هذا بعدما لقبت القاهرة منذ 60 عامًا بـ "أجمل مدينة في العالم".
تقاطعني صديقتي مرة أخرى : ( أهم شئ أننا أسقطنا حكم الإخوان الذي يقوم على فاشية دينية .. جعلتهم يرون أنفسهم أكثر تدينا من باقي الشعب , وكأنهم يكفرون كل من يخالفهم ..حتى ولو لم ينطقوها صراحة ..)
قلت لها .. و على الرغم من أن حاخامات الإنقلاب : مفتي مبارك السابق و بابا الأزهر و مسخر شاهين أفتوا بأن الإخوان خوارج ويستحقون القتل ولا يجوز البيع والشراء لهم أوالزواج منهم , في حين لم ينطق واحد من المحسوبين على الإخوان بكلمة الكفر ... إلا أنني أسألك فقط عن رأيك في الفاشية العسكرية التي تحكم مصر الآن .. وهي لا تكفر معارضيها فقط ولكن تقتل وتسحل وتعتقل و تصادر الأموال وتغلق القنوات والجرائد وتمنع أي رأي مخالف وكل يوم يمر تستنزف مصر من سمعتها وإقتصادها و أمنها و كرامتها وحرية وحياة شعبها ..??!!
أجابتني وهي تغلق عينيها و تشيح بوجهها عني : ( برضه أرحم من حكم الإخوان ) !!!!
فقفز إلى ذهني على الفور ذلك التقرير الذي كتبه الصحفي البريطاني " بورزو دراغاه" في صحيفة "فينانشال تايمز" يوم الأربعاء الفائت 29 يناير 2014 بأن مصر تعاني من موجة من اضطراب عقلي جماعي , واستعان بآراء الخبراء والمختصين ليدلل على ذلك ...
حينها أيقنت بأنه لزام علي أن أدعو الله مخلصة ..لها ولكثير من ابناء شعبي : ( يارب اشف يارب )
-----------------