محمد منصور :
ليس جرماً أن نكون ثواراً أحراراً ولكن أدعياء المدنية المزيفة والعلمانية المجرمة أبت إلا أن تعتبر نفسها الوكيل الحصري للديمقراطية المفصلة؛ و من ثَمَّ و للكلام للأستاذ/ فهمي هويدي: ( أعطت نفسها الحق في تصنيف الآخرين بإجازتهم أو إقصائهم، و بات هدف الاشتباك الراهن ليس هو الدفاع عن مدنية الدولة بالمفهوم المتعارف عليه و لكنه إقصاء أو إضعاف التيار الإسلامي الذي يحاول أن يثبت حضورا و يكتسب شرعية في الوضع السياسي المستجد ).أ.ه
و في المقابل فإن رجال المشروع الإسلامي قاموا بما يمليه عليهم الواجب و الواقع؛ ذلك بأنهم لا يحملون نظريات مجردة إلى أناس قبلوها أم رفضوها، و إنما يعيشون هذه الأفكار معهم و يترجمونها على أرض الواقع أفعالا و أخلاقاً و ممارسات .
و قدر الله أن يفرض المشروع الإسلامي وجوده على أرض الواقع ؛ بعدما بذلت كل المحاولات خلال بضعة و ثمانين عاما الماضية للقضاء عليه أو إقصائه عن ساحة التأثير .
فهل بعد هذا نترك الساحة خوفاً و رهباً ؛ بعدما رأينا نصر الله على الطغاة؟ و هل ترتعش أيدينا خوفاً من سباب أو رصاص؟ ، فلا نامت أعين الجبناء !!!
فنحن الجسورُ و جيلُ النصرِ يعبرنا *** يا داعي الله بلغ أمـة العربِ
أنَّا لعزتها قامت فوارســـنا كي *** ترفع الرأس بالإخوان للسحبِ
إذ كنا نقدم للسيوف صدورنا و الأرض من حولنا تقذف ناراً ؛ كما فعل قتيبة الباهلي عندما توغل في آخر الشرق و أبى إلا أن يدخل الصين ؛ فقال له أحد أصحابه محذرا مشفقا: ( لقد أوغلت في بلاد الترك يا قتيبة و الحوادث من أجنحة الدهر تقبل و تدبر ).
فأجابه قتيبة والإيمان قد بلغ منه كل مبلغ: ( بثقتي بنصر الله توغلت و إذا انقضت المدة لم تنفع العدة ).
فلما رأى المحذر عزمه و تصميمه على المضي لإعلاء كلمة الله قال له: ( اسلك سبيلك حيث شئت يا قتيبة فهذا عزم لا يفله إلا الله ).
( ذلك كي لا يكون النصر رخيصاً فتكون الدعوات هزلا ؛ إذ لو كان النصر رخيصا لقام في كل يوم دعيٌّ بدعوة لا تكلفه شيئاً أو تكلفه قليلا .
و إن الدعوة إلى الله ليست تجارة قصيرة الأجل ؛ إما أن تربح ربحا معينا محددا في هذه الأرض وإما أن يتخلى عنها أصحابها إلى تجارة أخرى أقرب ربحا وأيسر حصيلة !
فالذي ينهض بالدعوة إلى الله في المجتمعات يجب أن يوطن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل ! إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود ! ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله ؛ باستثارة شهواتها وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات !
ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف وأن الانضمام إليها كثير التكاليف أيضا وأنه من ثم لا تنضم إليها - في أول الأمر - الجماهير المستضعفة , إنما تنضم إليها الصفوة المختارة في الجيل كله , التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا وأن عدد هذه الصفوة يكون دائما قليلا جدا .
ولكن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق , بعد جهاد يطول أو يقصر وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجا ) . الظلال / يوسف