شيرين عرفة : 

ذات صباح , شاهدت أحد جيراني وهو يسكب الماء _ غير مكترث _من شرفة منزله , فسقط الماء على رأس مجرم سفاح  يعتبر الشارع ملكا له , فاستشاط الأخير غضبا , وصعد مقررا جز رقبة جاري  عقابا له على فعلته  , وأثناء قيام السفاح بذبح جاري , كان لابد لي من موقف اتخذه : فقررت أن أسأل جاري وهو يذبح : هل حقا سكبت الماء على رأس السفاح متعمدا أم كان ذلك خطأ غير مقصود ?? و كيف يا أخي لم تنظر جيدا قبل أن تسكب الماء  ?? أما كنت  تعلم عاقبة فعلتك تلك ?? لم لم تحتاط لنفسك ?? ثم أخذت أنصحه وعرفته خطورة ما فعله , وبينت له خطأه الذي أورده موارد الهلاك  , وذكرته بأنني كنت قد نصحته من قبل , وأن ما حدث له هو جزاء عدم سماعه لنصائحي , ثم حذرته من مغبة تكرار هذا الفعل  ثانية ... وأخيرا فقد بينت له موقفي العادل والواضح بأنني أرفض سكب المياه من الشرفات على رؤوس المارة , كما أني أرفض كذلك ذبحه , ثم بكيت على موته ومضيت ..

... كثيرون هم من اتخذوا مثل ذلك الموقف من بعد الإنقلاب وإلى الآن وللأسف الشديد منهم إسلاميون ,  فبينما يقوم الإنقلابيون بذبح وقتل كل ما هو شرعي ومنتخب في مصر , وكسر إرادة الشعب بأفعال إجرامية فجة , يقف فريق ممن كنا نحترمهم في يوم من الأيام موقفا مخزيا و مشينا مما يحدث  من جرائم  , و يبرر موقفه ذلك بأنه الحياد  ( وكأنه يوجد حياد بين قاتل ومقتول !!!!! )
و أن من واجبه أن يشرح وينظر للعامة الأخطاء التي فعلها المقتول وتسببت بموته .

أعرف أن الإخوان قد أخطأوا بالفعل في العديد من الأمور .. من بعد الثورة واثناء وجودهم بالحكم  , ولكن هل أخطائهم تلك ( والتي هي نتيجة طبيعية لإجتهادات بشرية تقبل الخطأ والصواب ) هل تصبح مسوغا ومبررا لذبحهم والتنكيل بهم وبالوطن كله ??! , وهل هذا هو وقت التنظير والتقعيد و البحث في أخطاء ارتكبوها بينما هم يذبحون بالفعل , أيهما أولى يا أصحاب العقول ? أن أشرح لمن يقتل اسباب قتله , أم أدافع عنه واحميه من الموت ??!!!!! وهل الحديث عن أخطاء الإخوان الغير متعمدة والغير مقصودة في ظل جرائم غيرهم وخطاياهم هل هذا هو الإنصاف ??! هل هذا من العدل في شئ  ?! أم هل يعقل هذا أساسا  ?!!!

أقول لمن يقفون هذا الموقف المخزي والمتخاذل , لقد تم حل البرلمان بغرفتيه والذي كان يشغله غالبيته الإخوان , وتم إسقاط الدستور الذي أشيع عنه بأنه دستور الإخوان , كما تم عزل و خطف الرئيس الإخواني , و من يحكم البلاد الآن هم العسكر بمجلسه وقيادته ,  ومن يشكلون الحكومة الحالية هم اعضاء في جبهة الإنقاذ ورجال من عصر مبارك و تيارات علمانية وليبرالية , بينما قيادات الإخوان جميعها إما مقتولة أو معتقلة  ,

فما رأيكم أن ننسى قليلا حكم الإخوان وكل أخطائهم التي ارتكبوها , ونتحدث عن عصر الرخاء والنماء الذي نعيشه الآن , و لننس الرئيس مرسي ( الديكتاتور !!!)   , ولتكلمونا  أنتم عن عصر الحريات في عهد العسكر , كلمونا عن غلق القنوات والإعتقالات العشوائية والقتل في الشوارع بدم بارد ,  كلمونا عن قانون الحبس الإحتياطي الذي تم تعديله ليصبح من حق أي قاض  أن يمد حبس أي برئ إحتياطيا مدى الحياة وبدون إبداء أسباب ,

فلننس حكم الإخوان الذين تتهمونهم بالإستحواذ والرغبة في المغالبة  , ولتحدثونا أنتم عن  منهج المشاركة وتقبل الآخر عند التيارات الليبرالية والعلمانية و المتحالفة مع العسكر وتشكل جميع مقاعد الحكومة الحالية ....و هي تدعو صراحة لإنهاء تيار الإسلام السياسي في مصر وعدم عودته اساسا للعمل لمدة خمسون سنة قادمة .. وقد شاهدنا الكاتب ( محمد سلماوي ) وهو يتحدث عن ذلك صراحة ويبرره , بينما تحدث الصحفي ( حلمي النمنم ) عن أن مصر لا مكان فيها للإسلاميين وذلك لأنها علمانية بالفطرة ولابد أن يعي الإسلاميون ذلك  ...
وحتى المجال الدعوي .. يستكثروه على الإسلاميين و يطالبون بإغلاق المساجد واقتصارها فقط على علماء السلطة وفقهاء الشرطة من يقبل بهم العسكر ويرضون عنه .

وما رأيكم أيضا أن تكلموني عن الحريات وقيمة إحترام الأراء عند التيارات الليبرالية والعلمانية ? و التي بررت غلق 17 قناة إسلامية ومصادرة صحف وإعتقال الآلاف بحجة الحفاظ على الأمن القومي  , بل و تقوم حكومتهم الآن بالقبض على بنات في سن الاربعة عشر عاما بتهمة حمل بالونات عليها شعار رابعة .

ولننس عهد الإخوان ومتاجرتهم بالدين , ونتحدث عن عهد العسكر والقائد العسكري المؤمن الذي يصلي صلاة الجمعة أمام الكاميرات , و يستعين بشيوخ الدم وفقهاء الغم ..من تفوح رائحتهم النتنة في كل نواحي مصر ليفتوا له بقتل الخوارج والأوباش .

وليتكم تحدثوني عن قيمة التسامح عند التيارات العلمانية التي تسيطر على حكومة تفتخر بأنها من قررت فض اعتصامي رابعة والنهضة وان ايديها ليست مرتعشة ..
بل و تبرر تلك المذبحة الشنيعة والتي راح ضحيتها الآلاف قتلا وحرقا وقنصا , ويقارن رئيس حكومتهم ( حازم الببلاوي ) بين ما حدث فيها وبين ما فعلته ( امريكا) في حربها مع ( فيتنام )المحتلة .

وما رأيكم أن تكلموني عن منهج ( التدرج ) والذي شابه الخلل عند الإخوان المسلمين , فرأيناه في أحسن حالاته عند غيرهم من التيارات العلمانية , حينما تحالفوا جميعا مع العسكر و استعانوا ب ( تيس مأجور له لحيه ) ليقوم بدور المحلل  الشرعي وقرروا في لحظة واحدة  الإلقاء بإختيارات الشعب جميعها  في صناديق القمامة , وصعدوا هم على ظهر دبابات عسكر كامب ديفيد ليحكموا مصر ( طبعا .. بعد ذبح التيس  ) .

بل كلموني أكثر عن قيم التواضع التي افتقدتموها عند الإخوان ورأيتموها في التيارات الليبرالية والعلمانية والتي لا تعترف بكم أساسا كإسلاميين , وتزدريكم وتحتقركم  , وترى أن الإسلام لا يمكن أن يمثل منهجا يدير دولة أو يحكم أمة , فهي تحترم مناهج لينين وماركس وميكافيلي وتعترف بها كمرجعيات للحكم , بينما لا تحترم منهاج الله ولا شريعته , وتؤمن أن الدين الإسلامي مكانه فقط بين حدران المسجد ولا يجب ابدا أن يتخطى عتباته ,

فلتنسوا جميعا حكم الإخوان الذي انتهى بالفعل بعد إنقلاب الثالث من يوليو ,
و كلمونا رجاء  عن هذا العصر الجديد الذي يحكم فيه العسكر مصر ويكتب فيه الليبراليون والعلمانيون دستورها في غرف مظلمة  , ويشكلون حكومتها ويديرون هم البلاد .

حدثونا إذن عن مزايا هذا العصر الجديد وعن قدر إستمتاعكم به , كلمونا عن النعيم والرخاء والنماء والإزدهار , وعن انهار اللبن و العسل التي نسبح جميعا فيها .

... أليس من الافضل لحضراتكم , يا أصحاب الرأي والكلمة ان تنظروا  للحاضر وتقفوا على أحداثه ..بدلا من أن تعيشوا عمركم كله تفتشوا في الماضي وتبكوا على اللبن المسكوب ??!!! ....
قليل من الإنصاف كي يرحم الله مصر ))

شرين عرفة
[email protected]