شيرين عرفة :
لم أصدق أذني وأنا أستمع لهذا المغني الذي أحترمه البعض في يوم من الأيام , و ندم أشد الندم الآن ,
أذهلتني تلك الجرأة والفجاجة في دعوته الصريحة لتقسيم الشعب المصري إلى شعبين ( وهو أول شعب ينشئ دولة موحدة عرفها التاريخ الإنساني ) , أحدهما شعب يعلن هذا المغني انتمائه له ويفخر بذلك , وشعب آخر يعلن كفره صراحة ويصفه بأحط الأوصاف .
إن تلك الدعوة البغيضة لتقسيم المجتمع وكأننا على أعتاب حرب أهليه بين شعبين لا يؤمن أحدهما برب الآخر وبدينه ويتبرأ كل منهما من أفراد الآخر , فهو يقول ( رغم أن الرب واحد لينا رب وليكو رب ) , فإذا لم تكن تلك الأغنية إعلان صريح لتقسيم المجتمع إلى نصفين وتكفير أحدهما .. فماذا تكون ??
أنه في أي دولة تحترم القانون وتحترم شعبها , لابد لمثل هذا المغني أن يحاكم بتهمة تكدير السلم العام , و منع أغنيته من التداول و التي تمثل خطورة على المجتمع في الدعوة إلى تقسيمه على أساس طائفي بغيض , بل ولابد أن يحاكم كاتب كلمات تلك الأغنية الفاشية والعنصرية ( مدحت العدل ) بتهمة هدم السلم المجتمعي في مصر .
حاولت أن أفهم من سياق الأغنية الهابطة تلك من يقصد بهذين الشعبين , هل يقصد مثلا أنه يتحدث عن نفسه وطبقته من المغنيين والمغنيات والممثلين والممثلات والراقصين والراقصات , هل يمكن أن تكون تلك الطبقة التي طالما أساءت لمصر وشوهت سمعتها وهم تعدادهم فقط بالآلاف .. طبقة تتمتع بكثير شهرة ولا تتمتع بكثير إحترام .. هل يمكن أن يكونوا شعبا بمفردهم ?!!!!
أم يقصد فئة من يطلقون على أنفسهم العلمانيين والليبراليين والحداثيين , وهم من اثبتت خمسة إنتخابات مصرية أنهم لا وزن لهم و أنهم أقلية صغيرة جدا تعيش فقط في الفضائيات تصرخ وتنظر , وتتحالف مع الشيطان من أجل محاربة الإسلاميين وأي إختيار حر للشعب أتى بسواهم ,
فهل يمكن أن يكون هؤلاء شعبا ??!!!
ومن هو هذا الشعب الآخر الذي يصفه بتلك الأوصاف العجيبة ?!! من هم أصحاب الخيام ورعاة الأغنام ومن يعيشون في الكهوف المظلمة ?! وهل مازال في مصر من يعيش في كهف مظلم او خيمة و يرعى الغنم ?!!
ومن الذين يصفهم بقوله تجار المنابر ?! هل يقصد مثلا شيوخ الفتنة و المحللين الشرعيين للإنقلاب , الذين أجازوا قتل معتصمي رابعة العدوية ووصفوهم كذبا وزورا بالخوارج أو البغاة ? الذين أفتوا من قبل بعدم الخروج على مبارك الحاكم الطاغية المزور , وأجازوا الخروج على الرئيس الشرعي المنتخب ?! .. فهؤلاء بالفعل هم تجار المنابر .
ولكنه يتكلم عن شعبين ??!!
تأملت المشاهد المصورة في أغنيته فوجدتها صورا لمظاهرات 30 يونيو , وفيها المتظاهرون يرددون عبارات أغنيته الفاشلة , وكأنه يصف أحد الشعبين بأنهم فئة المؤيدين للإنقلاب , والآخر فئة المعارضين له !!!
و هنا لابد أن نقول لمغني الإنقلاب هذا أن الشعب المصري أثبت على مدار أكثر من شهرين تواصل نزوله بالملايين إلى الشوارع بلا إنقطاع رغم المخاطر والمصاعب , رغم المجازر والمحارق , أثبت أنه لم يقبل بهذا الإنقلاب الفاشل وأحتقره وأسقطه , وبعد مجازر دموية قتل فيها الآلاف وأحرقت الجثث وجرفت بالجرافات وشاهد العالم أجمع تلك المشاهد الموجعة , واعتقل الآلاف من الرجال والنساء بلا تهمة في هدم صريح لدولة القانون , لم يبق ذو عقل وصاحب ضمير إلا ورفض الإنقلاب العسكري الغاشم , وفهم تلك اللعبة القذرة التي سرقوا بها الحكم , لتعود دولة مبارك بكامل أركانها , وفي يوم 30 من أغسطس ..شاهدنا أنتفاضة شعبية لم نر مثيلا لأعدادها حتى في ثورة الخامس والعشرين من يناير , على الرغم من التعتيم الإعلامي في مصر والإجراءات الغاشمة التي طبقتها سلطات الإنقلاب وقطعت بها أوصال البلاد , وأوقفت القطارات بين القاهرة والصعيد , وزرعت آلاف الأكمنة بطول وعرض الطرق بين المدن والقرى , ومع ذلك شاهدنا بأعيننا تلك الأعداد المهولة التي خرجت في كل قرية ومدينة وتم بثها على شبكات الإنترنت و العديد من الفضائيات ..
إذن الإنقلاب الذي لم تعترف به سوى خمسة دول في العالم أجمع لم يبق له سوى : سلطته المستبدة ورجال أمنه وبلطجيته ومجرموه وحكومته والمستفيدون من الإنقلاب وإعلامه الكذوب الذي أعتاد أن يكون مطية لكل ديكتاتور و نعلا في قدميه , ومعهم العبيد لكل فرعون , و المغسولة أدمغتهم من هذا الإعلام الشيطاني , والذي أنت فيه .. أداة من أدواته بتلك الأغنية الفاشية والتي تكرس لإنقسام المجتمع ,
فأين هم الشعبين إذن ??!!!
إنما هو شعب واحد , شعب واع , شعب عظيم , شعب اعتاد أن يقود أمته العربية والإسلامية ويكون صمام أمانها , شعب صنع أعظم الثورات في الخامس والعشرين من يناير , وقادر على إستعادتها ممن سرقوها , شعب أسقط الإنقلاب وأفشله بعزيمة جبارة بالرغم من كل هذا البطش والإجرام ..
فلتفهم جيدا أيها الكاتب الفاشي .. والمغني الإنقلابي : أننا كنا ومازلنا وسنظل شعبا واحدا .. أنتم للأسف .. أسوأ ما فيه .