خالد إبراهيم

بعدما حدث في الأيام الأخيرة، نجد أنه من المهم جدًا تذكير الجميع بتصريحات الرئيس محمد مرسي حين تحدث عن امتلاك المصريين حريتهم و إرادتهم بعد الثورة، وحذَّر من أنه لاعودة إلى الوراء، وأن العودة للوراء دونها الرقاب "وأنا أول هذه الرقاب".

لقد أسفر الوجه القبيح للنظام البائد متمثلا في الابتسامة الصفراء لرأسه المخلوع وهو في كامل زينته بشعر مصبوغ ونظارة ثمينة وساعة مليونية، وبدا وكأنه خارج من القصر الملكي – أو عائد إليه وهو يلوح باليد لعبيده ورعاياه.

لقد أثارت هذه المظاهر حفيظة وغيظ شرفاء المصريين الذي رفضوا الخنوع والخضوع والذل والاستبداد وثاروا عليه، لكنها وكما يقول المثل مع تصرف قليل: " ربّ صباغة نافعة " فقد كانت لها فوائد كثيرة يأتي في مقدمتها قرار النائب العام المحترم بإعادة الطاغية إلى سجن طرة.

كانت هذه الطلة المشؤومة كاشفة لكثير من الحقائق التي نسيها بعض المصريين الطيبين أو غفلوا عنها أو – وهو الاحتمال الأغلب - خدعوا بتضليل إعلامي غير مسبوق في تاريخ مصر الحديثة والقديمة.

لقد أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن كل الإجراءات التي اتخذتها أجهزة الدولة العميقة بداية من قرار التنحي إنما كانت لحماية المخلوع وأولاده وأزلامه وإعادة التمكين لهم مرة أخرى، وتمثل ذلك في القضايا المهلهلة ومن ثم أحكام البراءة للجميع، ودعم اللص الهارب، والتقاعس عن حفظ الأمن، وأزمات السولار والغاز والكهرباء والمترو ...إلخ لمحاولة تكفير الناس بالثورة وإسقاط النظام الجديد ليترحم البعض على أيام المخلوع وكأنها كانت نعيما.

وأكدت توفيق الله تعالى للرئيس مرسي في اختيار نائب عام شجاع ينتمي إلى القلة القليلة من قضاة مصر الشرفاء، ووقف هذا النائب كالطود الشامخ أمام المحاولات الدنيئة لإهانته وإجباره على الاستقالة، وبدء في تكوين فرق عمل من أعضاء النيابة على أعلى مستوى من الكفاءة للتحقيق في كافة الجرائم التي تهم الرأي العام.

وكشفت الأقنعة عن وجوه كالحة تلفحت بأوشحة الثورية والنضال والبطولة وهي التي عهدها الجميع معارضة ديكورية وأحزاب مستأنسة تجمل أنياب الديكتاتورية وتسير في ركابها وترضع من فتاتها، وهذه الوجوه القبيحة ملأت الدنيا صخبا وشجعت على الحرق والتدمير والتعطيل لبناء مؤسسات الدولة، لكنها لم تنطق ببنت شفة حين أخلي سبيل المجرم السفاح.

وكشفت عن أناس ارتدوا مسوح الرهبان الواعظين الناصحين ولكنهم كانوا طوال عمرهم - وسيظلون – خنجرا يطعن التيار الإصلاحي من الخلف، وذلك لأنهم إنما صنعوا على أعين الأجهزة القمعية التي رعت هذا الطابور الخامس المدمر.

وكشفت عن أبناء وبنات صفوت الشريف الذين صنعهم على عينه فإذا بهم – بعد الثورة - يرتدون ثياب العفة والطهارة والثورية ويحيلون حياة من يستمعون إليهم إلى جحيم مظلم.

كما كشفت عن شباب ركب الموجة الثورية لعله ينال حظا من الغنيمة، فلما لم ينل ثقة الشعب قلب له ظهر المجن وصار سوطا عليه بعد أن سال لعابه لما لذ وطاب من الأموال والأضواء.

وفي المقابل كشفت هذه الأزمة عن الثوار الحقيقيين الذين نالهم من الأذى في عهد الديكتاتور ما ليس لأحد طاقة بتحمله، فانضموا إلى طليعة الشعب المصري الثائرة وقبضوا على الجمر رغم التهم الشنيعة والحرب التشويه المريرة التي شنت عليهم فإذا هم ثابتون كالجبال الراسيات.

وهؤلاء الثوار الحقيقيون هم الذين يعلنون وبكل فخر: " العودة للوراء دونها الرقاب، وأولها رقابنا".