علي حسن الغباشي
مشاهد الحرق والتخريب التي يقوم بها عدد من الخارجين علي القانون والمأجورين من بعض الأطراف السياسية بتوجيه من قوى خارجية وإقليمية، هذا المشهد الغريب وغير المألوف مصرياً أعاد لذاكرتي مشهد ثورة النوبيين والإقطاعيين إبان حكم أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين، والتي كادوا فيها يقتلون صلاح الدين واقتحموا قصر الخليفة الفاطمي العاضد، لولا دعم الشعب المصري وحبه لصلاح الدين ولجيشه المجاهد المنتصر دوماً على أعداء الأمة في ذلك الوقت الصليبيين.
القاهرة على مر العصور والتاريخ كانت بأمر من الله قاهرة للأعداء والطغاة والمتآمرين المتاجرين بأموال ودماء الشعب المصري العظيم.
فأين ذهب ضرغام وشاور الخائنان وأمثالهما من الموالين لأعداء الأمة ؟!! ذهبوا إلى مزبلة التاريخ ومستنقع النسيان تلاحقهم اللعنات في أروقة التاريخ وعلى ألسنة الجماهير، وفي عهد قريب مارس الدور نفسه المماليك فلاقوا المصير المحتوم لكل ماكر غادر يظن أن شعب مصر ساذج أو يمكن أن يخدع بحيل وأباطيل الطامعين. سيكتوي كل من يقف وراء المخربين بنيران هذا الشعب الأبي العظيم وسيقع في مقبرة القاهرة التي لا ترحم من تلاعب بأمنها وتاريخها ومستقبلها.
صوت القاهرة يدوي في أذني: "غركم صمتي .. واستهنتم بتاريخي ومستقبلي... فلا تستعجلوا غضبي!!..."
أتدرون أن القاهرة تضيء أسماء أقوام وتقبر وتخفي آخرين وتلحق بهم اللعنات إلى يوم القيامة.
دخلها صلاح الدين فأصلح وعمّر فرفعته في صفحات التاريخ بحروف من نور، وكذلك العز بن عبدالسلام وسيف الدين قطز ومحمد علي وغيرهم كثير حتى الآن. وعلى النقيض كثير من المتآمرين والمتحكمين ومن ظنوا أن التاريخ توقف عندهم.
وللأسف من يتحدى ذكاء الشعب وصبره يندم حين لا ينفع الندم يعطيهم الشعب الفرصة تلو الأخرى، فلا يحسنون استغلالها واستثمارها لإصلاح أوضاعهم وتحسين صورتهم القبيحة لدى الناس.
أتساءل لماذا لا ينتهز السياسيون ومن قبلهم الحكام الفرصة التي تأتيهم ؟! فلا أجد جواباً !!... فيأتيني قول الحق عز وجل مفسراً وموضحاً (ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء). نعم لقد ظلموا أنفسهم ومن حولهم وهيهات أن يفلح الظالمون!!.
ماذا عليهم لو استجابوا لصوت العقل؟.. ماذا لو استجاب المجرم بشار الأسد لصوت العقل؟! لما حدث ما حدث أو من قبله مبارك وبن علي.
لكنها لعنة الظلم والضلال والفساد تضل وتعمي القلوب والعقول.
الغريب أن بعض القوى السياسية المصرية وقعوا في الخطأ التاريخي نفسه مع شعب هو أذكى وأوعى ممن يطلقون على أنفسهم نخبة أو مثقفين ؛ لم يستطيعوا قراءة عقل ووجدان الشعب المصري الذي وإن صبر أو غض الطرف لبعض الوقت لكنه ينتفض ويلقن المغرورين بصبره درساً قاسياً.
من قال لكم يا سادة إن شعب مصر غير واعٍ لا يفرق بين المعارضة وممارسة السياسة وما نراه من الحرق والتدمير والتخريب لكل منجزات الوطن ومؤسساته المنتخبة ودستوره الذي ارتضاه بأغلبية كاسحة.
هل يدري السياسيون ومن يقفون وراء مثيري الشغب (محرقي الوطن) حجم التضحيات التي بذلها الشعب حتى وصل لهذه المرحلة وحصل على تلك المكتسبات وبنى هذه المؤسسات ؟ لا يظن أحد أن ما قدمه الشعب المصري هو هذا العدد القليل من الشهداء إبان ثورة الخامس والعشرين ناسياً أو متناسياً مئات بل آلاف الشهداء والجرحى والمكلومين من أسر وأبناء وأقارب المعارضين من زمن عبدالناصر حتى الطاغية مبارك.
الشعب المصري قدم ثمناً باهظاً عبر أكثر من خمسة عقود تم خلالها تدمير معظم مناحي الحياة الجميلة والراقية التي تميزت بها أم الدنيا مصر بين دول العالم أجمع، فخربت المقومات الاقتصادية وقدرات الجيش وقضي على الثقافة والفكر المصري الجاذب للعلماء والباحثين من كل أنحاء العالم. أصبحت مصر بعد تلك الحقبة المظلمة في ذيل الأمم وتابعة سياسياً واقتصادياً لدولة متهاوية مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
هل تتصورون أيها المستخفون بذاكرة وقدرة الشعب المصري أنه ببساطة وبعد هذا الحجم الضخم من التضحيات والصبر ممكن أن يتهاون مع أي أحد أو قوة كائنة من كانت على ظهر الأرض تريد في لحظة فاصلة أن تضيع وتهدم هذا البناء القوي العريق الممزوج بدم وعرق وتضحيات وقدرات الشعب الكريم على الله وفي صفحات التاريخ ؟!!.
أتساءل والقلب في منتهى الأسى هل توجد معارضة فعلاً في العالم ترفض الحوار وتتكبر على الوطن وتستهين بإرادة الشعب وتسخر من المواطنين ؟! ، تارة بادعاء جهل الناس وأميتهم وتارة بفقرهم وحاجتهم وأنهم مجرد منساقين وراء طعام وكساء ودواء يقدمه خصومهم للمواطنين دونما أن يقدموا هم أي شيء ولو على سبيل المنافسة.
كفاكم عبثاً واصطد¬¬¬اماً بكينونة الشعب ووجدانه،لا تصادموا سنن التاريخ وقوانين الحياة وجينات الشعب الكريم (كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... فلم يوهنها وأوهى قرنه الوعل)
على كل المعنيين من أبناء شعبي الحبيب أين كانوا سياسيين، حكاماً، محكومين.. أرجوكم اقتربوا من شعبكم احترموه.. اسمعوه افهموا آماله وتطلعاته.....؛ التاريخ لا يرحم أحداً والأمة المصرية صانعة التاريخ.
_____________
كاتب وصحفي مصري مقيم بالسعودية
[email protected]

