حازم سعيد :
تزامن بتطابق وسعة وامتداد لهذه الدعوي العجيبة ، كل بلوة في البلد يلقيها الناس الآن على الرئيس مرسي ، كنت أسير بالعربة في شارع ضيق والناس كلهم " مزرجنين ، مقفلين " أمام بعضهم البعض ، فإذا بواحد يطل برأسه لما رأى شعار حزب الحرية والعدالة على جانب سيارتي ، ويقول : " كله بسبب مرسي " ، فظننته لأول وهلة يمزح ، فقلت له : " معاك حق هو مرسي السبب في التضييقة اللى احنا فيها دي " ، فإذا به ينفعل ويشتم الرئيس بشتائم لا استطيع نقلها لأفاجئ بأنه جاد وليس مازحاً ، فانفعلت عليه أنا الآخر ورددت عليه بما لن أزعجكم به ( ولا أخرج به عن نطاق الأدب ) ، وكان كالحجر المسكت كسبت به موقفاً أمام الناس ، ولم أكسب به قلباً !
هذه واقعة من عشرات أتعرض لها يومياً – بغير أن يتطابق رد فعلي - ، ويحكي لي مثلها بالمئات والآلاف ، خاصة بعض محافظات وجه بحري ، وفي المقابل عندما تحكي عن إنجاز للرئيس يفاجئك من أمامك ( من غير المتابعين ومن غير المثقفين ) ولأول وهلة : مهو ده من أيام حسني مبارك ...
لنا مع هذه الظاهرة وقفات :
1. حرب الشائعات ، شغل جهات مخابراتية :
بعيداً عن جانب الطرفة والنكتة والذي وصل لحد صورة المقالة ، وأن طفلاً ما يتهرب من لوم والده بإلقاء اللوم على الرئيس مرسي فيما يتعلق بكسره لريموت التلفاز ، بعيداً عن هذا وما يشابه من نكات وطرف فإنني لا أستطيع تخيل أن هذا التزامن والتطابق والانتشار الحقيقي لهذا اللوم يأتي محض صدفة أو عشواء ، وأزعم أنه لا يطيق صنع هذا الانتشار إلا جهات استخباراتية تتعاون مع بقايا فلول الحزب الوطني مع أدعياء الثورة ، وأولئك يطيقون ويستطيعون التجييش والتحزيب والعمل على نشر فكرة ، ويتعاون مع هذا كله منظومة إعلامية فاسدة .
وقد مررنا بها من قبل في انتخابات الرئاسة ، ورصدنا حينها آلاف المواقف وعشرات الشائعات التي أجادوا إطلاقها في الأوتوبيسات والمرافق العامة والشوارع والهيئات والتاكسيات ، ورصدنا آلاف المنشورات والتي تم توزيعها من مجهولين عن شائعات سلبية عن الرئيس مرسي قبل أن يتولى الرئاسة ، وعما سيفعله في البلد من إلزام النساء بالنقاب والجلوس في البيوت ومن خفض سن حضانة الأطفال للمطلقة ومن محاربة الباعة الجائلين ومن بيع قناة السويس وغيرها من عشرات الشائعات السلبية .
هذا جهد لا يطيقه إلا العناصر المخابراتية مع فلول الحزب الوطني الذين يملكون بقايا قاعدة تجميعية على الأرض ، والسؤال هنا : لأي جهاز ينتمي هؤلاء المخططون ، المخابرات العامة ؟ أم للأمن الوطني وبقايا أمن الدولة ؟ سؤال يحتاج إلى تمحيص وتدقيق ، وأنا شخصياً أرجح الأخيرة .
2. خفة المصريين :
وقد كتبت في هذا الموضوع من قبل في مقالتي قبل السابقة بعنوان " شعب محتاج رئيس تاني " وكتبت فيها وفي غيرها المعنى المستقى من تفسير الأستاذ " سيد " رحمه الله لقوله تعالى : (" فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين ) .
هذه الخفة والهشاشة التي ابتلي بها المصريون هي السبب في تلقف مثل تلك الدعاوي الفارغة بالقبول ، وهذه الشخصيات الخفيفة الهشة ، هي الصنف الثالث الذي أشار إليه الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال لتلميذه كميل بن زياد " الناس ثلاثة ، عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق " .
فما أن يسمعوا دعوى فارغة من أي مضمون ولا منطق ولا عقل إلا ويتلقفوها بالقبول والنشر والرضا والتسليم .
3. هل يستويان مثلاً ؟ كيف ورث الرئيس تركة فساد عهد مبارك والأنظمة السابقة :
وما مثل هذه الدعاوي بالتي يمكن تلقفها وقبولها ، لا عقلاً ولا منطقاً ولا يمكن أن يكون لها مبرر من أي نوع ، فكيف يقارن الفاسد المفسد الذي خرب البلد وسرقها وحولها إلى أرصدته بالخارج ، واصطفي حوله بطانة سوء دمروا كل المقدرات وسرقوا الخيرات ، وورثونا على مدار ثلاثين سنة الأمراض والأوبئة والسرطانات والفشل الكلوي والكبدي ، والفقر والبطالة والعنوسة ، والحوادث والحرائق والانهيارات لعمارات أو مباني أو سفن ، واحتراق قطارات ومسارح ، وفشل سياسات تعليمية وصحية واقتصادية وسياسية وتجارية واجتماعية ، انتشر الزواج العرفي ، وفشا زنا المحارم ، وجوهر بالمعاصي آناء الليل وأطراف النهار ، وضاعت هيبة مصر في المحافل الدولية ولم يعد لها كلمة ، ولا حتى على أراضيها ، مع انتهاكات تترا وتتابع ليل نهار فيما يتعلق بحقوق الإنسان واضطهاد الأقليات واضطهاد المعارضة وسحلها وقتلها وسجنها لسنوات بدون وجه حق ، وكان من نتيجة كل هذا الفساد تلوث نفوس كثيرة وهشاشتها .
ازداد التضخم الاقتصادي وارتفعت الديون وزاد عجز الموازنة ، وأصبحت مصر بلا طعم ولا لون في كل المجالات ، وعجز العقلاء عن تصنيف هويتها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية .
أفيقارن هذا كله برجل جاء إلى الحكم منذ أشهر معدودة ، ومن أول يوم يشتم ويحاصر ويلقى عليه المولوتوف ، وتتعاون أجهزة كاملة على إفشال مشروعه وتقويضه ، حتى من يفترض بهم حمل ذات الأجندة الإسلامية ، ملؤوا الدنيا ضجيجاً وصخباً حول ادعاءات الأخونة .
أي عاقل هذا الذي يقارن من يرث مثل تلك التركة الآسنة وهو يسعى جاهداً في إصلاحها ويقف ضده وفي طريقه مجموعة من المنتفعين الهمج الذين لا يرون سوى مصالحهم الخاصة ويخربون ويدمرون ويعطلون كل شئ وأي شئ ؟
وأي عقل هذا الذي يستطيع أن يقارن هذا بذاك ... سبحانك هذا بهتان عظيم .
4. المأزق الحقيقي : التغيير يسبقه خطوة مهمة : ( إن الله لا يغير ما بقوم ) :
والقضية التي لا يفقهها الأتباع ، وعوام المخدوعين ، أن المأزق الحقيقي هو في تلك النفوس التي لم تتغير بعد الثورة .
وكما قال الحق جل وعلا : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
الإصلاح لن يأتي بضغطة زر ، فينفتح باب النماء ، وإنما يحتاج لمعاول ونفوس بشرية تنهض بعد أن تكون قد غيرت ما بها من قناعات ، وأثار تربية فاشلة على مدار ثلاثين سنة .
الإصلاح يحتاج لجيل لا يفرح بأزمة دولار وجنيه فيرفع الأسعار بمتوالية زيادة لا تتطابق مع فرق ارتفاع سعر الدولار .
الإصلاح يحتاج لأناس لا يسرقون الدقيق ، ولا يخدعون بني وطنهم برغيف هو بنصف مواصفات ما يستحقه إخوانهم وأهلوهم .
الإصلاح يحتاج لأناس لا تهرب السولار وتسرقه للسوق السوداء ، ويحتاج لأناس لا يقتحمون الطوابير ولا يتعدون دورهم ولا يمارسون أي نوعٍ من الرشوة والمحسوبية .
الإصلاح يحتاج لتجار صادقين ، لا يغالون في الأسعار رغبة في التربح السريع ، ويحتاج لمهندسين أمناء لا يسرقون مواد البناء ليثروا ثراءاً فاحشاً على حساب الأرواح ، ويحتاج إلى أطباء أمناء لا يتدخلون في غير ما يتقنون ، ولا يسرقون مرضى المستشفيات العامة أو الخاصة التي يعملون بها لعياداتهم الخاصة .
الإصلاح يحتاج لمدرسين يهتمون بالتدريس لطلابهم في الفصل ، ولا يشغل أعينهم " سبوبة " الدرس الخصوصي فينصرفون عن تعليم تلاميذهم بالمدارس توفيراً للوقت أو الجهد ، أو تركاً لتعليم التلاميذ حتى يصبحوا فريسة سهلة لدروسهم الخصوصية .
الإصلاح يحتاج لإعلاميين صادقين ينقلون الحقائق ، ويستشعرون دورهم في بناء الأمة ، لا منافقين سحرة كذابين كل همهم الحفاظ على مصدر سرقتهم ونهبهم وعمولاتهم التي تصل لملايين الجنيهات ، ولا يبيعون ضمائرهم لملاك الفضائيات أصحاب الأجندات الخاصة .
الإصلاح يحتاج لقضاة عدل وصدق ، لا أولئك المنتفعين من تركة النظام السابق ، ويريدون عودته ، فيحتالون على ضمائرهم ، ويرون أن المصلحة هي في تبرئة قتلة الشهداء من أمثال الطاغية المخلوع .
الإصلاح يحتاج لرجل شرطة أوفياء يسهرون على راحة الوطن ويحمون ترابه بما يملكون ولو وصل الأمر لأرواحهم فسيقدمونها رخيصة من أجل تراب هذا الوطن .
إن وجدت هذه الشرائح فسيوجد الإصلاح والنماء والنهضة ، أما وهي نفوس جرفت وضمائر بيعت ، وغثائية ، وخوف من الموت وإقبال على الحياة ، فحتى لو جاءنا ألف مليون مرسي طاهر اليد نزيه الضمير عفيف الخلق ، قوي أمين فلن يتم به الإصلاح إلا إذا توفر له البطانة الصالحة من شعب يعرف ربه ودينه وخلقه القويم .
5. ورغم ذلك فالإنجازات تترا ، ومستقبل الخير قادم :
ورغم كل ما ذكرت فإن إنجازات الرئيس مرسي على كافة المستويات والأصعدة تتوالى ، اقتصاد في نهوض ومقاومة عنيفة للجنيه أمام أزمة الدولار المفتعلة ، واتفاقيات ومشاريع وصفقات ، وزيارات لدول ، نكسب من وراء كل زيارة فائدة على محور العلاقات الدولية وعلى المحور الاقتصادي .
إصلاح سياسي هائل ونهضة طفرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ، واستكمال بناء المؤسسات وكسب أرض جديدة من الفلول رغم أنف قضاء متواطئ ، ورغم أنف شتائم الإعلام ومؤامرات الإنقاذ ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون ولا يعقلون .
المطلوب إذن من أنصار الرئيس مرسي ، أن يتحلوا بمجموعة من الصفات على رأسها الأمل والتفاؤل بالمستقبل المشرق بإذن الله ، فإن الذي أجراها سيرسيها ، والله سبحانه الذي كتب هذه الثورة ووفق لنجاحها ، والذي أتي بمرسي على سدة الحكم بمصر هو سبحانه الذي سيكتب له التوفيق والنجاح بإذنه وفضله .
ثم عليهم أن يتعرفوا جيداً على إنجازات الرئيس ويدركوا خطوات وأبعاد حركة الرئيس المتوالية والتي يكسب فيها كل يوم أرضاً جديدة ونصراً جديد ، ويفكك فيها كل يوم عقدة من عقد المعارضة ، وينزع شوكة من أشواكهم .
ثم عليهم أخيراً أن يتحركوا بهذه الإنجازات بين الناس ، وليكونوا إعلاماً بديلاً عن إعلام مسيلمة الكذاب ، وليحدثوا الناس بكل ثقة وجراءة ، وليعلموا أن الله سبحانه لا يخلف وعده ، ولقد وعد الله سبحانه بالنصر والتمكين وقال سبحانه : " إنا لننصر رسلنا " ... والوقفة التي تنبغي علينا جميعاً هي أن نقف مع الضمير " نا " في الآية ، وهل أنا منهم فأستحق هذه المعية هل أنا من هؤلاء الذين نسبهم الله سبحانه لنفسه فأفرح وأسر لانضمامي لهؤلاء وما يعنيه من فوزي في الآخرة وهو الأهم حيث يقول سبحانه " ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه " ، أما الطائفة المؤمنة ، والذين نحسبهم مرسي ومن يجاهد معه والله حسيبهم ، وإن لم يكونوا هم في هذا الزمان فمن ! ، فلقد تكفل الله بنصرهم حين قال : " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ، إن الله قوي عزيز " ... والله أكبر ولله الحمد .
-------------
[email protected]

