حازم سعيد :
ظواهر عديدة بين الإيجابي والسلبي شهدتها الساحة المصرية منذ ثورة 25 يناير المباركة وحتى الآن ، أحسب أن الانفلات الأخلاقي يعد أبرز السلبي منها .
وهو يحتاج لتسليط الضوء عليه ، لتحذير كل مهتم برصد القيم الخلقية والاجتماعية المصرية وإصلاحها ، خاصة أصحاب مشروع النهضة ، والذي يعد هذا أحد أهم المحاور المطلوب إحداث طفرة فيها ضمن هذا المشروع .
ولعل أبرز من تبدو عليهم هذه الظاهرة السلبية من يقودون الآن الاعتراضات والمشاغبات ضد الرئيس ويشغلونه بالمماحكات الفارغة ، ألخصهم في النقاط الموجزة التالية :
1. تظاهرات 6 أبريل بالبرسيم والملابس الداخلية :
هذه الحركة تأسست في 6 أبريل من العام 2008 وهو اليوم الذي قادت فيه إضراباً نوعياً عانى منه نظام المخلوع ، وقاد هو وغيره لمزيدٍ من الإضرابات العمالية ، أدت في محصلتها مع عوامل أخرى إلى قيام ثورة 25 يناير المباركة ، إلى أن توجت بفضل الله بالنجاح .
فكرة الإضراب الذي قادته الحركة في 2008 عكست قدرتهم على الابتكار ، أعني بذلك ما يتعلق بالجانب الإبداعي – دون الأخلاقي - ، تأكد ذلك الأسبوع قبل الماضي حين قادت الحركة تظاهرة أمام بيت الرئيس استخدمت فيها نبات البرسيم بابتكار في شكل الشتيمة يعكس عقلية إبداعية ، ولكنها للأسف متهاوية إلى درك الأخلاق القميئة ، ثم تظاهروا أمام بيت وزير الداخلية بالملابس الداخلية الحريمي ، في تأكيد للتطور غير الأخلاقي للابتكار والإبداع ، ويعكس التردي القيمي الرهيب الذي تدنت إليه عناصر الحركة .
2. بذاءة اللسان :
وضرب المعارضون في هذا الدرب أمثلة نموذجية من التفنن في الانهيار الأخلاقي ، وأبشعه حين تجد فتاة أو امرأة تتفوه بألفاظ الفحش والخنا ، تلك التي كان يستحي منها فتوات الماضي ، قبل أن يأتي زمان منافسة النساء للرجال في هذا المنوال .
إنني أتحدث عن مثيلات نوارة نجم ، ممن يحفظن قاموس الشتائم ويبدعن فيه ، وهن لا يدرين أنهن بذلك قد تردين لهوة سحيقة من الانهيار الخلقي ، وأبسط ما أستطيع نقله لكم من مقولاتها ، ما تتحدث به عن نفسها في معرض الرد على أحد رموز الإخوان : " طب إحنا عيلة بتسب الدين أباً عن جد " . أنا في هذه الفقرة أتحدث فقط عن بذاءة اللسان ، ولا أتحدث عن صور من الاختلاط المشين يقمن بها ، مثل مشهدها الشهير وهي تصافح أحمد دومة باليد والتقبيل في الشارع كما يفعل المرء مع بني جنسه ذكوراً أو إناثاً ، وهو التصرف الذي يعكس أخلاقاً بعيدة عن شرعة ربنا ، ولم تعتدها مجتمعاتنا .
هذا الذي لم تسلم منه النساء ، ابتلي به رجال كثر على غرار بلال فضل وعلاء الأسواني وإبراهيم عيسى وعمرو أديب وعناصر 6 إبريل الشتامين وأحمد دومة وكل عناصر التيار الشيوعي الذين يطلقون على أنفسهم الاشتراكي أو الشعبي .
3. السخرية وباسم يوسف :
على نفس المنوال وفي تعدٍ صارخ ، وتحدٍ لقول الله عز وجل : " لا يسخر قوم من قوم " سورة الحجرات . يقوم باسم يوسف كل مرة بمجموعة من الاستقطاعات لمشاهد وحوارات أغلبها منتزع من سياقه الطبيعي الذي لو روي فيه كاملاً فلن يكون هناك ذلك الإسقاط الساخر الذي يقوم به بإيماءات حواجبه وإشارات وجهه .
يصل الأمر لمداه حين يستخدم الإيحاءات والإيماءات الجنسية التي لا يقصدها أصحابها ولا تصلح في مجتمعاتنا ، وقد تمر ويسكت عنها في المجتمع الأمريكي للنسخة التي يقلدها ، بيد أنه لا يستساغ في مجتمعاتنا الشرقية الإسلامية ، وعلى شاكلتها رقصاته على المسرح وهو الأستاذ الدكتور الجراح !!! وكذلك رفعه للملابس الداخلية كنوعٍ من الإيماءات الساخرة على مواقف لمن ينتقدهم .
4. مواقف لا أخلاقية لحزب النور :
وأبرز هذه المواقف معارضاتهم الأخيرة للرئيس وللإخوان ، ولو أنهم استخدموا حججاً عقلية ومنطقية لما انتقدتهم ، رغم ما أعانيه من مرارة الذي تربى على العقيدة السلفية ثم تداس أمام عينه مفاهيم الولاء والبراء ليل نهار ، ويتجرع هذا العلقم بصورة أصبحت شبه يومية .
لن أحدثك عن ادعاءات الأخونة ، ولن أحدثك عن شتائم الشاب الذي جعلوه متحدثاً رسمياً ، ولا عن اعتراضاته التي تجاوزت العقل والمنطق قبل أن تتجاوز العلم والديانة في كل مؤتمر يذهب إليه وفي كل استضافة فضائية فلولية يمر بها ، ولن أحدثك عن طريقة المعارضة التي تدنت عن أن تكون لغة طلاب علم أو أصحاب دفاعٍ عن الشريعة .
ولن أتحدث عن معارضتهم - عمال على بطال - والصيت العالي في مواقف تذهب سدى كقضية القرض ، وقضية الصكوك ومشاغباتهم الإعلامية حول ذلك كله .
وإنما سأذكر لك ما هو جدير بأن يضعهم بجدارة ضمن السلبي من الأخلاق في المجتمع المصري ، جزء من حوار في شهر يوليو 2012 ومع بداية تولي الرئيس مرسي ، أجرته جريدة الشروق مع الشيخ ياسر برهامي أحد أبرز موجهي حزب النور وسياساته ، وافغر فاهك واعجب واندهش لنص السؤال ونص الإجابة لهذا الذي يملأ الدنيا ضجيجا الآن – باسم الدين والعلم والعقيدة – رافضاً لأي علاقة مع إيران جملة وتفصيلاً :
الشروق : البعض يطالب بعلاقات كاملة مع إيران هل أنت مع هذا الاتجاه ؟
الدكتور ياسر : إيران دولة من الدول التي نحتاج إلى التعامل معها ، ولكن يجب أن نؤكد على أنها دولة صاحبة مشروع توسعي لنشر المذهب الشيعي ، وإذا قبل الإيرانيون بعدم تجاوز الخطوط الحمراء داخل مصر وخارجها ، فلا مانع من تكوين علاقات جيدة معها ، نحن ليس لدينا مشكلة في تكوين علاقات مع كل دول العالم حتى مع غير الإسلامية فكيف بدولة إسلامية مثل إيران . انتهي رد الشيخ ياسر !!!
أذكرك أن الذي فعله الرئيس مرسي وينتقده الشيخ ياسر الآن هو عين ما أجازه الشيخ نفسه في هذا الحوار برؤية عقائدية ثوابتية تضعك أمام المستحيل عقلاً ومنطقاً أن تلحقها بالفقهية التي تتغير الاجتهادات حولها بظهور مستجدات جديدة !!! فلماذا غير الشيخ رأيه ، وما من مستجدات في القضية سوى أن الفعل صدر من الرئيس مرسي القادم من أعماق الإخوان ؟!!! ولا حول ولا قوة إلا بالله .
5. البلطجة :
والبلطجة ليست قاصرة على حاملي المطاوي والسنج والمولوتوف والجنازير والمعتدين على الحرمات والدماء بالسلب والنهب ، سواءاً في عنف المعارضة هذه الأيام أو أحداث السرقة والسطو المسلح وما شابه ذلك .
وإنما تتخذ صوراً شتى من فحش الفعل وسوء الخلق ، مثل قيام التجار برفع الأسعار استغلالاً لحالة الفوضى ، أو تخطي الدور في الطوابير وشتيمة من ينهاك عن ذلك ، أو السير مخالف لعدم وجود عسكري المرور و" البحلقة " لمن ينصحك بعدم فعل ذلك ، أو التخلف عن الفصل الدراسي مقابل إعطاء الطلاب دروس خصوصية في نفس التوقيت ، أو سرقة البنزين والسولار وتهريبهم بالسوق السوداء ... كلها ظواهر ودلالات تعكس الخلق السيئ الذي ساد كثيراً من الناس للأسف الشديد .
6. وللإسلاميين نصيب :
وأعني بذلك بعض مشايخ الفضائيات الذين يملئون الدنيا صراخاً وضجيجاً وشتيمة وسباً لكل من خالفهم ، ويصل الأمر للفاحش من القول تحت دعوى أثر للفظة فاه بها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات مرة في إحدى المعارك ، وتغافلوا عن مئات وآلاف الأحاديث والأقوال التي تحض على الطيب من القول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لصديقه رضي الله عنه والصالحين من بعدهم .
وأعني بهم كذلك بعض الشباب المخلصين ، لكنهم للأسف حين يردوا على بعض منتقديهم أو خصومهم يستخدمون سلاح الشتيمة والسباب والتشبيه بالبهائم والأنعام ، منطوقاً أو مكتوباً ، مما لا يندرج تحت الطيب من القول أو الخلق ويخالف صريح رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعلى النقيض من ذلك كله صلب رسالة النبي صلى الله عليه وسلم :
أ. نعم .. صريح رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، والذي قال عنه ربه سبحانه : " وإنك لعلى خلق عظيم " ، والذي قالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " كان خلقه القرآن " . وآلاف الآيات والأحاديث والآثار والمرويات عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام تحث على الخلق الحسن وطيب الخلق ولين القول والجانب والمعشر وقول التي هي أحسن وإصلاح ذات البين والسماحة في البيع والشراء والتقاضي ، والتحذير من آفات اللسان ومن كب الناس على مناكبهم في جهنم بسبب حصائد ألسنتهم ، ومن نطق الكلمة دون أن يلقى لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً ، ومن غير ذلك مما هو معلوم من ديننا بالضرورة .
ب. من هنا تفقه حكمة الإمام مؤسس هذه الدعوة المباركة وهو يقول في الوصايا العشرة : " تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بخير " و " لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج فإنه رعونة وإيذاء " و " لا تمزح فإن الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد " ، وبالجملة فإن الوصايا العشر كلها فيها من دلالات الأخلاق ما فيها من الروعة والتوفيق والحمد لله .
ج. الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم : أختم بموقف لهذا العالم الفاضل الذي نتعلم منه الأدب ، وأنصح كل قارئ يريد أن يتعلم الأخلاق والذوق والأدب الرفيع فليستمع لمجموعة من محاضراته القيمة عن الأخلاق والأداب واللسان أضع لكم روابطها في نهاية المقالة ، وأترككم مع الموقف الذي يحكيه العزيز محمد مدني مراسل قناة مصر 25 بالإسكندرية ، حيث يقول : " كنت في لقاء حضره فضيلة الشيخ محمد إسماعيل المقدم أحد مؤسسي الدعوة السلفية في مصر وسأله أحد الحاضرين عن دخول مليون ونصف شيعي إلي مصر فقاطعه الشيخ قائلا: من قال لك هذا الكلام ؟ فرد الرجل بعض المشايخ ونقلوه من وسائل الإعلام .
فقال الدكتور المقدم : أو ليست هذه هي وسائل الإعلام التي اكتويتم بنارها ، فلماذا صدقتموها الآن .. واستكمل أما موقفنا مع الشيعة واضح ، فنحن لا نقبل عقيدتهم ولا نتعامل معهم ، لكن إن كنت تقصد رئاسة الجمهورية فالتعاملات الدولية تقتضي أن نتعامل معهم كدولة ولا نقبل بهم كمنهج وعقيدة "
وهذا هو عين الإنصاف وحقيقته ، وعين الأدب ودقته .. وفقك الله يا شيخ محمد للخير والسداد ..
كبسولة :
1. حين أعارض حاكماً – ما لم يكن فاسداً أو طاغياً – فإنني يمكن أن أعارضه ليوم أو يومين ، أو في موقف أو موقفين ، ويمكن أن أعارضه مرات ، وأوافقه ولو مرة ، أما أن أمكث أكثر من أربعين يوماً أكتب في عمودي الثابت نقداً له أو لجماعته يبين أني لا أرتدي إزاءهم إلا نظارة النقد ، وكأنه لا يوجد مفسد ومخطئ في البلاد سواهم ، وأتبنى أجندة خصومهم ومعارضيهم على طول الخط ، ولا يخلو يوم على الإطلاق من أحد الذي ذكرت ، فهذا ما لا يمكن لعاقل أن يستسيغه أو يجد له مبرراً منطقياً ، خاصة حين يصدر ممن ينتسب إلى الإسلاميين ، وهو ما يعجزني إلا أن أضعه ضمن غير الأخلاقي في الظواهر السلبية المصرية ... عن جمال سلطان أتحدث .
2. أين الثرى من الثريا .. في الوقت الذي انشغل فيه مشعلو الفتنة ومسعرو نار الحرب في مصر بالاحتفال بذكرى 6 أبريل بالشتائم والمولوتوف والبلطجة وبإشعال فتنة طائفية ، احتفل الشباب الحر الطاهر الأبي بنوعٍ جديدٍ من الجهاد ضد الصهاينة بهجمة الكترونية رهيبة كفيلة بتدمير كيانهم وإفقادهم توازنهم لأيام بل لشهور.. وتسلم إيديكم يا أيها المجاهدون ... والله أكبر ولله الحمد ..
==========
[email protected]
رابط لصور بالوصايا العشر للإمام البنا رحمه الله :
http://www.moudhsh.com/vb/attachment.php?attachmentid=2290&d=1337015936
رابط للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم هو والعلامة الشيخ أبو إسحاق الحويني وهما ينهيان عن فعل بعض شيوخ الفضائيات من سوء الخلق والفحش من القول :
http://www.youtube.com/watch?v=TlDPf65buUY
روابط ببعض دروس الشيخ محمد في مجموعة من الموضوعات المرتبطة بالأخلاق :
حسن الخلق : http://ar.islamway.net/lesson/45260
الحياء خلق الإسلام : http://ar.islamway.net/lesson/4363
الأدب الضائع : http://ar.islamway.net/lesson/1349
آفات اللسان : http://ar.islamway.net/lesson/384
وهذا نموذج من إنصافه : أحبوا هذا الرجل العلامة ... وهي محاضرة حول الشيخ السيد سابق رحمه الله :
http://ar.islamway.net/lesson/101660

