حازم سعيد :
في حوار لصاحبي المدرس مع زملائه الفلوليين بالمدرسة التي يعمل بها ، انهالوا طعناً وسباً ولمزاً لفشل الرئيس والحكومة وضربوا مثلاً على ذلك : أزمة السولار ، وأن الرئيس والحكومة فاشلون لا يستطيعون حل المشكلات والتي على رأسها أزمة السولار الذي لا تستطيع الحكومة توفيره للمواطنين وتفشل في ذلك ، استمرت وصلة الشيتمة - التي لا يمكنني أن أسرد ما فيها لأنه يحتاج لمقص الرقيب - لأكثرمن نصف ساعة ، وصاحبي الإخواني ساكت صامت لا ينطق بشئ ، حتى إذا ما فرغت جعبة زملائه الشتامين ، نطق صاحبي أخيراً بسؤال : هو السولار بيتباع في السوق السودا ؟ فأجابوه كلهم بنعم . فقال لهم : إذاً السولار موجود ، والأزمة ليست أزمة سولار ، بل هي أزمة أخلاق ، فمن الذي هربه للسوق السوداء ، ومن الذي يبيعه ومن الذي يشتريه ، كلهم بلا أخلاق ...
إجابة صاحبي المسكتة التي لم يستطيعوا معها رداً وفغروا أفواههم وكأنها الضربة القاضية ، مضمون هذه الإجابة ودلالتها وما تفعله المعارضة الآن من شتائم وبلطجة ، وما تشهده الساحة المصرية من حوارات مثل هذه بالآلاف على مدار اليوم الواحد ، بتوابع أحداث المقطم ، وسكوت الرئيس عن شتائم معارضيه ، وهدوئه وصبره فى اتخاذ القرارات ..... كل ذلك هو وحي هذه الخواطر التالية : ...
الشعب محتاج رئيس تاني
المصريون جرفوا على مدار ستين سنة ، بالذي خدعهم به الاستعمار وصوره لهم أنه حكم ذاتي واستقلال وما هو إلا صورة من صور الاستعمار ، على يد طغمة حاكمة ولاؤها الأول للغرب وللشهوات وللمادية .
مناهج تعليم ووسائل إعلام ومناخات ثقافة وتشويه للقيم والمفاهيم والأخلاق ، كل ذلك أورث الأنانية وحب الذات وكره الدين والبعد عن مراقبة الله سبحانه ، وأنتج شخصيات هشة ضعيفة أقصى طموحاتها وهمتها في الحياة هو أن تربي أولادها وتزوجهم ، وأضاع قيمة الدين في النفوس ، ومحا معنى الجهاد ، وحرف مفهوم شمولية الإسلام لأركان الحياة جميعاً ، وورث النظرة الضيقة للأمور ، وسرعة الحكم على الأشياء ، وسهل تقديس الحاكم وجعله فرعوناً يطأطأ له الناس رؤوسهم ، وأشاع مفاهيم عجيبة عن " المشي جوة الحيط " ، وأن " الجدران لها ودان " ، لتكتمل أركان الشخصية الهشة الخفيفة التي حدثنا عنها ربنا عز وجل : " فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوماً فاسقين " ( أي جعلها خفيفة هشة ).
إنها الشخصية الغثائية التي تحدث عنها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يتناول تكالب الأمم على قصعتها حين يقول في ختام حديثه الشريف : ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : " حب الدنيا ، وكراهية الموت " .
هذا هو أدق وأجمل تعبير عن ذلك الذي أسهبت في سرده لتوصيف الحالة المصرية ، بل العربية والإسلامية في أغلبها الأعم الآن .
وحين يأتي رئيس من نوعية أخرى تخالف تلك التي ذكرت عنها الغثائية والخفة ، فإن هؤلاء الخفاف يستنكرونه ويستغربونه ، ويصدقون ويستسهلون اللمز والطعن فيه ، بل ويسخر ساخرهم منه ، وذلك أنهم خفاف غثائيون .
هنا تحضرني الطرفة التي كثيراً يتداولها الآن أتباع الرئيس وأحباؤه أن : " أم الرئيس دعت عليه بأن يبتلى بحكم المصريين " . وهي طرفة تصف حال هؤلاء الخفاف الغثائيين أدق توصيف ، وأنهم من خفتهم وغثائيتهم يمثلون مشقة وحجر عثرة في طريق الحاكم الصالح الذي يريد ان ينهض بالبلاد .
هؤلاء الناس يحتاجون لرئيس فرعون جبار ديكتاتور ظالم يسوسهم بالسوط والحبال ، ويقهرهم ويؤزهم إلى ما يريد أزاً ، ولا يفهمون لغة الهدوء والحكمة والصبر والرفق والحلم والأناة التي يتمتع بها مثل الرئيس مرسي الذي تربي في محضن التربية الخاص بالإخوان المسلمين .
التربية الخاصة بالإخوان
تلك التربية التي تؤسس في كيان كل فرد منهم وهو على باب الجماعة أن الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا .
تلك التربية التي تنهض بالفرد على أساس واجبات الأخ العامل ، وفي ضوء أركان البيعة والتي هي : الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والأخوة والثقة والتجرد والثبات .
هذه التربية التي تعلم فرد الإخوان أنه : ما كان لله دام واتصل ، وما كان لغيره انقطع وانفصل ، ولهذا فالأخ ييمم وجهه لله سبحانه ، ويستوي عنده المدح والذم من العامة ، ولا يثنيه تجريح الشتامين عن هدفه وقصده طالما اتخذ الوسائل الشرعية الصحيحة ، ولا يهمه ذلك الشتم والسب والانتقاص لأنه يعمل لله وعند الله وينتظر الأجرة من الله ... هناك ... عند مليك مقتدر ، وحيث الأحبة : محمدٍ وصحبه .
لذا لن تجد في غير الإخوان هذا الكم من الثبات الانفعالي وفي القلب منهم الرئيس محمد مرسي – حفظه الله وأكرمه وسدده - وهم يشتمون ويجرحون ليل نهار ، وما هذا إلا نبت ووراثة مدرسة النبوة على صاحبها الصلاة والسلام ، وهو الذي أوذي وأهين وشتم وألقي عليه سلا الجزور وهو ببطن الكعبة وأدميت كعبه الشريفة فى الطائف ، وأدخلت حلقتا المغفر في وجنته الشريفة صلى الله عليه وسلم .. فلم يصده ذلك عن الصدع بدينه ودعوته ...
ولن تجد هذا الهدوء النفسي وضبط رد الأفعال وهم يسحلون ويضربون إلا عند الإخوان ، وليس هذا عن ضعف وهوان ، بل هو نتاج محاضن تربوية ورثت فى كل أخ من الإخوان النظر والتطلع للغاية ، دون الالتفات لأشواك الطريق ولا أن يعبأ بها .
لن تجد في غير الإخوان المسلمين هذا الهدوء والتسليم والسمع والطاعة رغم ما يعتصر النفس من آلام أنك تستطيع أن ترد على المعتدي بل وتخفيه وتمحيه من الوجود كله ، وتدفنه في قلب المقطم ، وأنت تستطيع ذلك وتقدر عليه ، ولكنك تتذكر أهدافك وغاياتك ومقاصدك العليا ، ثم تتذكر أوامر قيادتك وحكمتها في أن تلتزم الهدوء والسلم وضبط النفس فتسكت وتكف يدك ، مع قدرتك - تمام القدرة - على أن ترد الصاع صاعين .
لن تجد في غير الإخوان المسلمين هذا الأدب مع القيادة والانضباط والالتزام بشرائط العضوية والتزامات الجندية ، رغم اختلافك الشديد مع قيادتك في تقديرها للموقف وطريقة حشدها للناس ، ولكنك تتذكر أركان بيعتك ومنها ركن الثقة وركن الطاعة وركن التجرد فتسكت وتسمع وتطيع مسلماً راضياً هادئة نفسك .
لن تجد في غير الإخوان المسلمين رجلاً يعذب ويسجن ويقتل أصحابه ويسجنون ويحكم عليه ظلماً – وهو ابن الباشوات – ثم عندما يأته رجل يبشره بموت الطاغية الذي نكل به ، لا يكون من أمره إلا أن يقول : " الله يرحمه " ، وذلك أنه أوتي من التوازن النفسي وعمق الفهم وملك لزمام الأمر ، والتحكم فى العاطفة، أقول أوتي من ذلك كله أقصاه .
وآخرون منهم ... لحقوا بهم ...
وما قلته عن أنه لن تجد غير هذه الصفات في الإخوان فهو على سبيل الأغلب الأعم ، وإلا فهناك من أفاضل الأمة الآن من غير الإخوان من يقومون لله مقامات ومواقف حق وصدق ورجولة ، ويتصفون بالثقل ، ودقة الحكم على الأمور والأشياء ، وإن اختلفوا مع الإخوان في مواقف واختلف معهم الإخوان في غيرها .
ولسوف يذكر التاريخ لهم ، ولعلها تكتب لهم عند الله بفضله ، هذه المواقف التي هي مواقف الرجال ، ولو سردت لك القائمة فستجد فيها رجال البناء والتنمية والوطن والراية وغيرهم من الناضجين المجاهدين الثابتين ، ولسوف تجد فيها الشوامخ والقمم من أمثال الشيخ العلم محمد عبد المقصود والشيخ سعيد عبد العظيم والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل والأفاضل : العوا وآل مكي والغرياني و" أبو " العلا ماضي وعصام سلطان ومحمد محسوب وممدوح إسماعيل وحاتم عزام ومحمد عبد المنعم الصاوي والعمدة وكثيرين على نهجهم ومنوالهم وصفاتهم .
ولسوف تجد فيها أمثال العقلاء الناضجين على صغر سنهم مقارنة بغيرهم من أمثال حسام " أبو " البخاري ومحمد حمدي وغيرهم من مئات الشباب المخلصين الصادقين – ولا أزكيهم على الله - .
أعجز تمام العجز أن ألحق بهؤلاء – والحمد لله أن الأمر بيد الله سبحانه وليس بحكمي ولا تقديري – أقول : أعجز أن ألحق بهم أولئك الذين ملئوا الدنيا صخباً وضجيجاً حول التغلغل والتغول والانتشار والتعمق " والتغمق " في مفاصل الدولة وهياكلها فيما أطلقوا عليه : " الأخونة " حتى لو لبسوا عباءة الشريعة ، فلطالما علمونا قاعدة : كم من مريد للحق لا يبلغه ، ولطالما صنفوا الكتب والمجلدات حول مضامين الولاء والبراء التي نحتكم الآن إلى أدبياتهم فيها وليس إلى أفهامنا ولا عقولنا ....
وفي الجهة الأخرى شراذم تائهون :
هؤلاء الذين أجروا البلطجية ليسحلوا ويقتلوا ويقنصوا ويسفكوا الدم البرئ، ويلقوا بالمولوتوف ويخربوا المنشآت والممتلكات ، ويهدروا أموال المصريين سدىً وهباء .
أولئك السبابون الشتامون الذين تقطر ألسنتهم بالسوء والفحشاء ، ويتزيون بزي المعارضة ، من أمثال 6 إبريل التي كانت ولم تعد هي وملحقاتها كنوارة وأسماء وغيرهن ، والذين يحسبون ويحسبن أن قلة الأدب والفحش معارضة وثورة ، وما تظاهرة الملابس الداخلية إلا خير دليل على ما وصلت إليه أخلاقهم من انحراف وتدنٍ .
وحتى لا تتشوه المقالة بسيرة هؤلاء أكتفي حولهم بهذه الإشارة ، لأن أمثالهم وشتائمهم أقل من أن يلتفت إليهم وإليها الإخوان .
=============
[email protected]

