شعبان عبدالرحمن (*)
منذ عقود طويلة أصبح الأداء الفردى والانفرادى هو سمة النظام العربى، وتلك آفة فتحت الميدان لثقافة الأنانية والقطرية والجهوية التى اكتسحت فى طريقها الصالح الجماعى، وغيبت من دفتر الأولويات مصلحة الأمة العليا ومقدراتها الحضارية والاقتصادية والمستقبلية، فكانت النتيجة فشل النظام فى التعامل مع كل أزمة تواجهه.
وكان طبيعيا أن يتبدى فشله الذريع خلال تعامله مع حملة الإبادة الممنهجة التى يشنها النظام السورى البعثى المجرم، إذ لم يستطع إدخال قارورة دواء واحدة للضحايا، والثابت أن كل المساعدات بما فيها الدعم المقرر من مؤتمر "مؤتمر الكويت للدول المانحة لدعم سوريا" تتسلمها مؤسسات النظام وتوزعها على من تشاء! وهل يتخيل المرء أن نظاما يبيد شعبه بهذا الضراوة يقدم لجرحاه أو مرضاه أو مشرديه شربة ماء؟!.. هكذا فشل النظام العربى حتى اليوم مع قضية الشعب السورى مثلما فشل على مدى أكثر من ثمانية عقود مع قضية فلسطين ومثلما فشل قبل سنوات.
مع الحملة العسكرية الأمريكية على العراق منذ بانت بوادرها وتطايرت نذرها عام 2003م، ثم توالى الفشل المزرى وهو يتعامل مع وقائع الحرب على الشعب العراقى وحملة سحق الدولة العراقية بكل مقوماتها وثرواتها وحضارتها، مضيعة على الأمة رصيدا مهما فى قوتها، وهو ما يمثل ضربة موجعة للجسد العربى.
ثم فشل النظام العربى عندما استولى النظام الطائفى الشيعى على الحكم، وفعل بأهل السنة ما لم يصدقه عقل.. اغتيالات وسجون طالت الحرائر من نساء وفتيات أهل السنة، وتشريد داخل العراق وخارجه، وهو ما أفاض الكيل بأهل السنة مؤخرا ففجروا انتفاضتهم، ولا أظن أنها ستتوقف قبل أن يستردوا حقوقهم ويخرجوا معتقليهم ويؤمنوا وضعهم فى بلادهم التى اختطفت منهم.
لقد اجتاحت الآلة العسكرية الغربية العراق عام 2003م بدعوى التخلص من صدام حسين ونظامه الدموى، ولكنهم سرعان ما مكنوا نورى المالكى وتياره الطائفى الذى ارتكب من الجرائم ما تخجل أمامه جرائم صدام حسين، ولقد روى لى السيد طارق الهاشمى خلال توليه منصب نائب رئيس الجمهورية وقائع يشيب لها الولدان من التفنن فى قتل أهل السنة، ثم التمثيل بجثثهم، وقد كان شقيقه وشقيقته -رحمهما الله- ضحية تلك الحرب المجرمة، ثم كان الهاشمى نفسه ضحية ذلك الحكم الطائفى البغيض بالحكم عليه بالإعدام فى قضايا تافهة وملفقة ومن قضاء ملاكى لنورى المالكى وحزبه.
لم يعد خافيا أن دورا سيأتى على دول عربية أخرى ستطولها الآلة العسكرية الأمريكية- البريطانية، وستكون المبررات يومها هى المبررات نفسها التى صدرت بشأن العراق وربما يكون شعار "تحرير الشعب" –الكاذب- هو القاسم المشترك، وعندها سيطرح الغزاة أكثر من دليل على ضرورة إزالة النظام "أى نظام".
فكيف ستتصرف تلك الأنظمة عندما يحل عليها الدور وتُمحق البلاد ويُباد العباد بسببها؟!
لماذا لا تتحرك هذه النوعية من الأنظمة بسرعة للمصالحة الفعلية مع شعوبها؟.. مصالحة وفق برنامج تكون له الأولوية على كل البرامج لإزالة ركام سنوات القهر والكبت.
لكن.. ومع أن الحال هكذا واضح لتلك الأنظمة، إلا أنها فيما يبدو تركب رأسها "المنتشية" بصولجان الحكم وترتب أمرها على أن يظل الوضع على ما هو عليه.. شعب مقهور وسلطة غاشمة تتنعم بكل شىء حتى ولو كانت النتيجة هى ضياع البلاد وإهلاك العباد.
____________
(*) كاتب مصري - مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
[email protected]
twitter: @shabanpress

