د. حلمي القاعود

لا يستحيي أفراد "الحظيرة الثقافية" في أحاديثهم وتصريحاتهم من التطاول على الشعب المصري المسلم، حين يجاهرون علنًا وعلى رءوس الأشهاد أنهم يقفون ضد إسلامه ودينه وعقيدته، وأنهم قادرون على حرمانه من مؤسساته التي يملكها وينفق عليها من عرقه وكدحه ودموعه أحيانًا، ويُشعرونه أنه لا قيمة له في اتخاذ قراره المستقل والتعبير عن نفسه وعن آماله وطموحاته.

قبل حين قال رئيس ما يُسمى "المجلس الأعلى للثقافة": لن أسمح بـ"تديين الفن" ولا "أسلمة" الأدب! وتبحث عن القوة التي تقف خلف هذا المسئول ليلقي بتصريح مثل هذا التصريح فلا تعرف! وتحاول أن تفهم الدافع إلى مثل هذا التصريح المنافي لأبسط حقوق الشعب المصري المسلم فلا تفهم! الذي تعرفه وتفهمه هو إصرار السادة الذين يسكنون "حظيرة الثقافة" على إخراج الشعب المصري من عقيدته وإيمانه وإسلامه لحساب الفكر العلماني.

وقبل فترة قصيرة أدلى موظف آخر في المجلس المذكور بتصريح مشابه، حيث ذكر أن قيادات وزارة الثقافة ستقف ضد أي محاولة لفرض "وزير إخواني" على وزارة الثقافة، وهدد بالإضراب عن العمل والتظاهر ضد أية محاولة لـ"أخونة الوزارة" قائلاً: إن أي محاولة لأخونة الدولة هي محاولة لاغتصاب مصر، ولن يسكت عليها أحد!

وهذا كلام يبدو أن صاحبه يملك من القوة ما يفوق إرادة الشعب المصري كله ومؤسساته المنتخبة ورئيسه الذي جاء في تصويت عرفه العالم أجمع -ولم يأتِ صدفة أو على ظهر دبابة- ولكن موظف الحظيرة يؤكد أن ما يُسمى قيادات الوزارة ستقف ضد تعيين "وزير إخواني" لوزارة الثقافة!

وإني أسأل الموظف المحترم: مَن الذي يعين الوزراء؟! هل هو المجلس الأعلى أو موظفو "الحظيرة"؟! وهل "الوزير الإخواني" مصري أم "صهيوني"؟! ثم ما هي جريمة "الوزير الإخواني" الذي يمكن أن يتولى وزارة الثقافة؟! هل لأنه مسلم يحفظ القرآن، ويفهم الحديث الشريف، ويلتزم بأخلاق الإسلام؛ فلا يسرق ولا يفسد ولا يروج لقيم معادية للفطرة الإنسانية؟!

ثم ما معنى الإضراب عن العمل والتظاهر؛ لأن السلطة تختار لوزارة الثقافة وزيرًا مسلمًا، وليس وزيرًا شيوعيًّا أو انتهازيًّا أو ناصريًّا أو ليبراليًّا أو مواليًا للغرب الاستعماري؟!

الذي أعرفه أن معظم قيادات وزارة الثقافة موالية للنظام السابق؛ جاءت بمعرفته، واستمرت في مناصبها بناءً على رضا الأمن، ومعظمها منقوع في بئر الفساد، ومُعادٍ صريح أو مقنع للفكرة الإسلامية، ويكفي أن الوزير الذي أعلن استقالته قبل أيام هو من صناعة النظام البائد الفاسد، الذي كان يعادي الإسلام صراحة ويعتقل أتباعه وعلماءه وأنصاره ويلقي بهم وراء الأسوار بلا رحمة ولا شفقة، ثم إنه -أي الوزير- حريص على إرضاء الشيوعيين والناصريين وأنصار النظام السابق، مع أنه أزهري النشأة والتعليم، ويعلم جيدًا: ماذا يعنى الإسلام في مواجهة العلمانية والعلمانيين!

إن مصطلح "الأخونة" لا يعيب المسلمين ولا المنتمين إلى الإخوان، وإذا كان الانتماء إلى الإسلام يعني "الأخونة" فمرحبًا بها في كل وقت وحين. ثم إن التيار الإسلامي قد فاز في الانتخابات التشريعية بالأغلبية، ومن حقه أن "يُؤَخْوِن" السلطة، وأن يأتي بالإسلاميين الذين ينفذون برنامجه أو مشروعه الحضاري، ومن ضمنه وزير الثقافة ووزارتها التي يجب تطهيرها من الفساد المزمن والفاسدين المعمّرين، وينبغي أن يوضع على رأسها وزير يخشى ربه ويحرص على الثقافة الإسلامية التي أهدرتها "الحظيرة" وأَزْرَتْ بها، وأحلت مكانها الفكر "العلماني"، وخاصة فرعه "الماركسي".

الغريب أن الموظف المذكور يصف مشاركة الإسلاميين بأنها "أخونة" للدولة، وأنها محاولة لاغتصاب مصر، ولن يسكت عليها أحد! ومرة أخرى هل جاء الإسلاميون على ظهر دبابة واغتصبوا نظام الحكم كما فعل العلمانيون منذ ستين عامًا؟! ومَن الذي فوَّض الموظف المذكور ليتكلم باسم مصر التي لن تسكت على مشاركة الإسلاميين؟!

يفترض في هذا الموظف الذي يرأس لجان المجلس الأعلى أنه يملك حدًّا أدني من المعرفة، ويعلم أن هناك شيئًا اسمه "الديمقراطية" التي تقوم على اختيار الشعب، وأن صندوق الانتخابات يأتي بالأغلبية التي تحكم برجالها وبرنامجها، فإذا نجحت أعاد الناس انتخابها، وإذا أخفقت رفضها واختار منافسيها؛ فكيف لهذا الموظف أن يرى مشاركة الإسلاميين اغتصابًا لمصر؟! مَن الذي يحاسب هذا الموظف على عدوانه ضد الديمقراطية، وتضليله للناس بتصريحاته الاستبدادية العدوانية؟!

للأسف لم يكتفِ الموظف المذكور بهذا العدوان الصارخ ضد الحرية والديمقراطية، بل يعترف بجريمة نكراء حين يقول لبوابة الأهرام: إنه جرت محاولات من قبل لإضافة أعضاء من الأزهر لتركيبة المجلس الأعلى للثقافة عبر تخصيص "كوتة" لهم، وهو ما وقف المجلس ضده بقوة؛ حيث إن المجلس يعد أي "محاصصة" على أساس تمثيل ديني أو طائفي يشكل خطورة كبيرة على المجتمع. فهل وجود علماء أو أدباء من الأزهر الشريف تعد "محاصصة" دينية وطائفية؟! طيب قل لي أيها الموظف: ما معنى أن يكون تركيبة المجلس الأعلى من الشيوعيين الحكوميين والناصريين الحكوميين والليبراليين الحكوميين؟! هل حلال على هؤلاء حرام على مَن ينتمون إلى الشعب المصري المسلم؟! هل نسي الموظف أن مصر مسلمة وشعبها كله مسلم بالعقيدة والحضارة، وليس شيوعيًّا ولا ناصريًّا ولا ليبراليًّا، وأن هؤلاء مجرد مجموعات تربَّت على حجر النظام البوليسي الفاشي طوال ستين عامًا، ولا تمثل قطاعات حقيقية في الشارع المصري؟!

لا يعترف الموظف المذكور فيما يبدو أن وزارة الثقافة مؤسسة مصرية ملك للشعب المصري بما فيه الإخوان المسلمون والسلفيون والجهاديون والوسطيون والجماعات الإسلامية وغيرهم من الإسلاميين، وليست قاصرة على اليساريين والليبراليين أو "الحظائريين" وحدهم؛ فالشعب المصري المسلم هو الذي يدفع ميزانيتها من دمه وكده، ومن حقه أن يشارك في تسييرها والتخطيط لعملها، ومن ثَم فلا يجوز لوزير الثقافة أو رئيس المجلس الأعلى للثقافة، فضلاً عن موظف من موظفيه أن يمنع أغلبية الشعب من المشاركة في حركة الثقافة بدعوى "الأخونة".

ليس من حق أهل "الحظيرة" أن يستمروا في ادعاء ملكية وزارة الثقافة، وأن يتبجحوا بأنهم سيواجهون بحزم دخول مَن لا يعجبهم إلى المجلس الأعلى للثقافة.

أيها "الحظائريون"! أنتم لا تملكون الوزارة، ويجب على المسئولين الذين يعينون الوزير أن يقنعوا أهل "الحظيرة" بذلك.