محمد السروجي

الإنسان قيمة في ذاته بغض النظر عن خلفياته السياسية والمذهبية ، كرمه الله سبحانه لكون إنساناً "ولقد كرمنا بني آدم" ، من أجله سنت القوانين والدساتير وشُرعت الشرائع وأُنزلت الكتب وأُرسلت الرسل فقط لكونه إنساناً بنيان الله سبحانه، لذا كان لزاماً عليناً أن نرفض وبشدة ما تم ضد سحل أحد المصريين في أعمال الشغب التي تمت أمام قصر الاتحادية يوم الجمعة 1\2\2013 م، ونطالب محاسبة المتسبب أياً كان موقعه دون مزايدة أو تصفية حسابات من هذا الفريق أو ذاك ضد هذا الفصيل أو غيره ، كما نطالب بمحاسبة المواطن المسحول نفسه حال ثبوت ارتكابه أي أعمال عنف أو بلطجة أو تضليل للرأي العام.

لكن حتى لا تختلط الأوراق وتضيع الحقائق وسط هذا الغبار الإعلامي والسياسي الكثيف، ما هو الموقف من الذين يسحلون الوطن يومياً بل كل ساعة بممارسات غير قانونية ولا ديمقراطية ولا أخلاقية ، من يحاسب الذين يقطعون الطرق البرية والسكك الحديدية وخطوط المترو؟

من يحاسب الذين يحرقون المدارس والمساجد والمجامع والممتلكات "تم الاعتداء على 23 مدارسة ومسجد فضلاً عن المحلات والممتلكات في محيط ميدان التحرير وشارع محمد محمود والتجمع الخامس وبور سعيد والإسكندرية وأسوان"؟

من يحاسب الذين حولوا حياة سكان ميدان التحرير والمناطق المحيطة لجحيم حين حاصروهم في بيوتهم ومنحوهم رائحة الغاز المسيل للدموع بديلاً لهواء القاهرة الساحرة؟

من يحاسب الذين استدعوا أطفال الشوارع والبلطجية وتجار المخدرات والمسجلين خطر ليكونوا ورثة الميدان بديلاً عن الثوار؟

من يحاسب الذين لا يتوقفون عن التعبئة والتحريض بغطاء إعلامي وسياسي غير برئ ولا أمين؟ 

من يحاسب الذين يديرون الانفلات الأمني بمهارة غير مسبوقة فأضروا بالاقتصاد والأمن والسياحة والسياسة والتعليم والصحة والاستثمار فضلاً عن الحالة النفسية للأسرة المصرية التي تعاني أجواء الاستنزاف المادي والمعنوي والحقوقي منذ عقود؟

من يحاسب كتائب تبرير شلالات الانتهاكات غير المسبوقة؟

من يحاسب الذين أضروا بسمعة وصورة مصر الكبيرة والقديرة محلياً وإقليمياً ودولياً، من يحاسب الذين أسقطوا وعن عمد هيبة الدولة والرئاسة والحكومة بل وهيبة كل صاحب هيبة حتى اختل ميزان الحياة وارتبكت شبكة العلاقات الإنسانية والقانونية والحقوقية بصورة غير مسبوقة في مصر حتى أصبحنا نعاني صور من حياة البشرية في عصورها البدائية منذ العصر الحجري قبل التاريخ والحضارة والمدنية؟ هذه هي صورة مصر الآن في عيون أصحابها وجيرانها ، أصدقاءها وخصومها،

ويبقى السؤال : من يحاسب هؤلاء جميعاً ؟! إنه الشعب ، شعب مصر الحقيقي الذي تحمل ولعقود ، شعب الثورة وليس الثورجية ومحترفي الصخب والغوغائية ، شعب الثورة الذي انتفض وثار وانتصر لكنه وللأسف اختفى مرة أخرى تحت الانشغال بلقمة العيش أو تحت وطأة القصف الإعلامي المتتالي خلال معارك الاستنزاف التي فُرضت وبعمد فأربكت المواقف وجعلت الحليم حيران، لن يعيد الأمور لمجراها الطبيعي النقي وغير الملوث إلا الشعب أو قطاع كبير من الشعب يستمد زمام الأمور مرة أخرى ويحسم المواقف المعوجة ويدفع ثمن الاستقرار وحماية مؤسسات الدولة حفاظاً على كرامة المواطن وحدود بل وجود الوطن .... حفظك الله يا مصر ....

______________
المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم