حازم سعيد:

فى تاريخ الأمة الإسلامية مراحل صعودٍ ونصر ، ومنحنيات هزيمةٍ وانكسار ، ولا ينكر أحد أن المرحلة منذ سقوط الخلافة الإسلامية وحتى أيامنا هذه هي من أقسى مراحل ظهور الانكسار ، وإن كان الانكسار ذاته بادئاً منذ زمن أبعد من ذلك .

وكذلك فإن السنتين الأخيرتين من أظهر مراحل الصعود ، بعد ثورات الربيع العربي ، وإن كان صناعة الصعود والنصر ذاته بدأت قبل ذلك مع انتشار الصحوة الإسلامية وبداية المد الإسلامي فى كثيرٍ من دول العالم .

مع الصعود والانكسار ، كان لكل مرحلة رجالها الذين يذكر التاريخ سببيتهم فى ذلك الصعود أو الانكسار .

وأستطيع أن أجزم أن هذه الشهور الفاصلة منذ تولى الرئيس مرسي سدة الحكم بمصر التي هي فى القلب من الأمة الإسلامية ، وتمر الآن بمراحل صعودٍ هائلة ، تحتاج إلى من يأخذ بيدها ويقف وقفة الرجال لتحقيق هذا الصعود والنصر ، أقول : أستطيع أن أجزم أن مصر شهدت فى هذه الشهور ، بل وفى الأسبوع الأخير خاصة ، مع تصاعد وتيرة التصعيد من قبل المتآمرين على أمن هذا البلد بعد عزل النائب العام وتحصين الدستور من شبهة التلاعب به ، شهدت مصر رجالاً أبراراً مجاهدين سوف يذكرهم التاريخ ويعدهم من رجال المواقف والعزة والنصر والجهاد من أجل نصرة الحق وإعلاء رايته ، وأنه كان لهم دور بارز فى هذه النصرة .. أستعرض بعضهم فى هذه المقالة :

شهداء الاتحادية


الذين قضوا نحبهم ، وأحسبهم ممن قضى نحبه من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، محمد خلاف عيسى ، محمد ممدوح الحسيني ، محمود محمد إبراهيم أحمد ، محمد فريد أحمد سلام ، عبد الله عبد الحميد نصار ، هاني محمد سند ، خالد طه أبو زيد، ياسر إبراهيم ، رحمهم الله جميعاً ورزقهم منازل الشهداء فى الجنة .

هؤلاء الأبرار الذين كانت دماؤهم الزكية - بعد فضل الله وتوفيقه - سبباً رئيساً فى حفظ أمن مصر وحفظ مقام الرئاسة من التعدي عليه ، لقد قدم هؤلاء الشباب بكل بسالة وجسارة وتضحية وعطاء دماءهم الطاهرة مقبلين غير مدبرين فداءاً لرسالتهم وغايتهم .

لقد عاشوا بمبدأ وشعار ، أحسبهم - والله حسيبهم - صدقوا فى ترديده ، فكان جزاؤهم ، تحقيق ما رددوه من شعار . مثلما فعل الصحابي الجليل الذي رفض الفئ وقال للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ما على هذا بايعتك ، إنما بايعتك على أن أرمى بسهم ها هنا - وأشار إلى رقبة نفسه - فأموت شهيداً ، فلما أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم سألهم : أهو هو ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : صدق الله فصدقه الله .

لقد ردد هؤلاء الشباب الأطهار شعاراً : " والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا " فكانت موتتهم الشريفة التى ظاهرها الشهادة فى سبيل الله ، نسأل الله لهم أن يكون باطنها كظاهرها ويكتبهم فى منازل الشهداء مع النبيين والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

شباب الإخوان

" من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " . وأحسبكم أيها الشباب من الصادقين الذين انتظروا .

أنا شخصياً من المهتمين بقضية التربية داخل جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الجماعات والهيئات ، حتى غير الإسلامي منها ، وحتى من هو فى خانة المختلفين معنا تماماً فى الأيديلوجية الإسلامية ، حتى كوادر المفرغين من المضمون الآن كالشباب العنيف الذي يأمر بحرق مقاراتنا .

وأهتم برصد كل تصرف ودلالاته التربوية ، والتأثيرات والمناخات والوسائل والبيئات التي خضع لها الشخص وكانت تربيته عليها وفيها ، فأثمرت فيه هذه الشخصية التي هو عليها الآن .

وممن اهتممت برصدهم بشدة شباب الإخوان ، وأفكارهم وأراءهم واحتجاجاتهم واعتراضاتهم ونقاشاتهم فى المواقف المختلفة ، وكنت ممن يعيب عليهم ويصنفهم على أن لديهم نقص فى التربية وفى المفاهيم وأنهم يختلفون عن جيلنا اختلافاً شاسعاً ، وأننا مررنا بمناخات تربية وتوريث من قبل الرعيل الأول وأساتذة الدعوة لم يدركوها هم ، إلى غير ذلك من وجهات النظر والتقييم .

ولكن أحداث الأسبوع الأخير وما قدمه لي هؤلاء الشباب من دروسٍ فى الدفاع عن المقرات وعن الاتحادية ، وروح العطاء التي قدموها ، والبذل الذي بذلوه ، والتلبية عند الحيعلة فى أي وقت ولو كانت قبل الفجر ، وبأي هيئة ، وكانوا دائماً فى الصفوف الأولى رمزاً للعطاء والتضحية ، لقد قدموا لي دروساً فى الحرص على الموت وفى الشجاعة وفى الفداء ، وكيف صمدوا أمام الرصاص الحي والخرطوش والمولوتوف بدون ترددٍ ولا خوفٍ ولا وجل .

أيها الشباب الحر الطاهر النقي ، أعتذر إليكم عن كل نظرةٍ خاطئة أو تقييم سلبي تحدثت به عنكم فى جلسة من الجلسات .

وأقول أي ثمرة نرجوها ونحتاجها من مناخات التربية إن لم يكن هذا الصمود والعطاء والبذل والإقدام بلا تردد ولا خوفٍ ولا وجل .

وأزعم أن التاريخ سيذكر لكم عطاءكم ، وأن وقفتكم الصامدة وشجاعتكم وبذلكم بلا تردد كانوا سبباً فى نصرة الشرعية وتثبيت دعائم الأمر للإسلاميين بمصر ، وقت أن تخندق العلمانيون وعملاء الغرب وحاولوا جاهدين الانقلاب على الشرعية وعلى اختيار الشعب .

رجال المواقف


وأخص بالذكر ها هنا الدكتور سليم العوا ، ذلك الرجل الذي نافس على رئاسة الجمهورية ، ثم لما انقضى الأمر شارك بالتأسيسية لصناعة دستورٍ تاريخي بمعنى الكلمة لمصر ، وكانت مشاركاته فى اللجان الفرعية وزهده فى الأضواء مثالاً وقدوة .

ثم كان موقفه الأخير فى محاولة رأب الصدع والسيطرة على الأمر وإبطال حجج العلمانيين الواهية ، والتصرف بذكاء بالمشورة والرأي والتوجيه للوصول إلى الاستقرار الذي وصلنا إليه بفضل الله هذا الأسبوع .

إنه نموذج العطاء بإخلاص ، والتثبيت من عند الله سبحانه ، ليكتبه الله ثم التاريخ ضمن رجال المرحلة ، وضمن رجال المواقف .

يلحق به وعلى مقربة منه الرائع المجاهد الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ، الذي قدم نموذجاً للفداء والعطاء والشجاعة والخلق ، ولن أنسى ، ولن ينسى لك التاريخ أبداً يا شيخ حازم ما قدمته هذا الأسبوع من نصرة للحق حين حاصرت مدينة الإنتاج الإعلامي لتلقي الرعب فى قلوب منافقي التوك شو الذين وصلت بهم الجرأة مداها من التعدي على هيبة الرئيس ومقامه ، ولن ينسى التاريخ لوقفتك أنها كانت ضمن أسباب عدم اقتحام المتآمرين قصر الاتحادية لخوفهم من اقتحامك مدينة الإنتاج الإعلامي لأن من يملك الإعلام فقد امتلك الرمزية والضوء .

ولن أنسى ، ولن ينسى لك التاريخ مروءتك ، وأنت تسئل : ألست تختلف مع الرئيس مرسي ، فلم تقف معه هذه الوقفة ، فتكون إجابتك : أنه وقت الفتن والمحن تذوب الخلافات ، ولا يبقى سوى نصرة الحق ، وأنه لا يجوز فى وقت المحنة أن نذكر الخلاف ولا أن نتعرض له .

يلحق بهما وعلى مقربة أمثال الأفاضل المجاهدين أبو العلا ماضي وعصام سلطان ، الذين كتب الله لهم أن يكونوا من أهل المروءات ، وما وقفاتهم بالتأسيسية ، وفى مواجهة العلمانيين إلا مصداق ذلك .

وما من مرة يظهر فيها هذان الصادقان فى الشهور الأخيرة ، وحتى بعد خلافات الانتخابات التشريعية مع الإخوان ، إلا ويكون لهما علامة فى نصرة الحق وأهله وإفحام الباطل وأهله من العلمانيين ومنافقى التوك شو .

سليم العوا .. حازم صلاح أبو إسماعيل .. أبو العلا ماضي .. عصام سلطان .. ورفاقهم من الصادقين المخلصين .. سلام عليكم .

التيار الإسلامي كله


ورغم ما يعلمه القاصي والداني من تحفظات لفروع التيار الإسلامي كالسلفيين والجهاد والجماعة الإسلامية على أدبيات ومواقف للإخوان ، إلا أنهم وقت حان الجد ، وتكلمت النوازل ، ولأنهم رجال صادقون مخلصون ، فقد آثروا أن يطووا صفحات الخلاف طياً .

وتغلب صدقهم وإخلاصهم وفقههم على النظرة الفردية والجزئية الضيقة ، ليقفوا جميعاً فى خندقٍ واحد مع إخوانهم من الإخوان المسلمين ، ومع رئيسهم الشرعي المنتخب ، ومع نصرة الشرعية والشريعة ، ليتخندق الإسلاميون جميعاً متسامين على خلافاتهم وعلى النظرات الحزبية الضيقة ، ويصطفوا ضد العلمانيين ومن والاهم .

وليصير الأمر كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إلى فسطاطين ، فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاقٍ لا إيمان فيه .

وليكتبهم التاريخ ضمن مرحلة صعودٍ ليس لمصر وحدها ، بل للعالم الإسلامي كله ، وليسجلوا بحروفٍ من ذهب أنهم ضمن جيل عاش متسامياً على خلافاته ، ناهضاً بالأمة ومشروعها الحضاري التقدمي الإسلامي.

وأسأل الله سبحانه أن يديم علينا هذه الوحدة التي تجعلنا نقرأ آيات كتابه المعجز ونحن مستشعرين بحلاوتها ونذوقها ، وكأننا نقرؤها لأول مرة ، وكأنها أنزلت علينا اليوم وليس من قبل ألف وأربعمائة سنة.

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ، وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون"

" والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم " ....

 سبحان الله ، وكأني أقرؤها لأول مرة ، وأستشعر فيها بحلاوة كأني لم أذقها من قبل .

أيها الأفاضل الأجلاء .. سيذكر التاريخ مواقفكم ، وأسأل الله سبحانه أن يكتبها لكم فيمن صدق ، وفيمن اختاره الله ليكتب فى صفوف أهل الذكر والجهاد .

كبسولة : وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ..

فى مقابل من ذكرت من الموفقين فريق كنت أحسب أنه سيوفق ، وسيكون من رجال المواقف ومن أهل المروءات ، ولكنه أبى وأحجم وتأخر ، ثم تخندق مع العلمانيين ، على رأس هؤلاء السادة مستشارو الرئيس المستقيلون ، وذلك الذي وقف موقفاً فرق فيه بين مكتب الإرشاد وبين باقي جسم الجماعة ، كيف ومتى ولماذا ؟ لا أدري ، وافترض أنهم منتهي الصلاحية ، وطلب من الشباب عدم الانصياع لأوامرهم وتعليماتهم ، لمجرد أنه اختلف معهم فى الرأي ، فى وقت كان إخوان الماضي يحتاجون منه للعون والدعم والمناصرة ، مهما كانت الخصومة أو الخلاف فيما مضى .

ولأني لا أريد للمقولة أن تسوء ، ولأنها تتحدث عن أصحاب الهمة وأهل المروءات فأكتفي بهذه الإشارة التي جاهدت نفسي مراراً وتكراراً حتى لا أتعرض لها ، فأبت نفسي ورفض عقلي واستعصى علي قلبي ، فلم يملك القلم إلا الانصياع ، وها هو قد انصاع وأشار ، فحسبنا الله ونعم الوكيل ، وأعانه الله وأعاننا على نفسه وعلى أنفسنا وأقلامنا .

ولعل من أخطأ إلى أوبةٍ إن شاء الله .

____________

[email protected]