لم تكد تهدأ سحب الدخان التي خلفتها عملية "مطرقة منتصف الليل" الأمريكية-الإسرائيلية، حتى بدأت تل أبيب تقرع طبول حرب جديدة. فبينما يتباهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "دمر التهديد النووي الإيراني" وحقق "السلام الأبدي" في الشرق الأوسط، ترسم الاستخبارات الإسرائيلية صورة مغايرة تماماً: طهران لم تستسلم، بل عادت لترميم ترسانتها الصاروخية ودفاعاتها الجوية بسرعة أثارت قلق قادة الاحتلال.

 

ومع اقتراب اللقاء المرتقب بين بنيامين نتنياهو وترامب في فلوريدا، تستعد إسرائيل لطرح ملف "التهديد الفوري" على الطاولة، مطالبة ليس فقط بضوء أخضر لضربات جديدة، بل بشراكة أمريكية مباشرة في جولة تصعيد قد تشعل المنطقة من جديد، في وقت تتجه فيه أنظار واشنطن نحو مغامرة عسكرية أخرى في فنزويلا.

 

سباق مع الزمن: نتنياهو يبيع "الخطر الإيراني" لترامب مجدداً

 

التحرك الإسرائيلي الجديد يستند إلى تقارير استخباراتية "مقلقة" -بحسب وصف تل أبيب- تشير إلى أن طهران لم تكتفِ بامتصاص الضربة الأخيرة، بل بدأت بالفعل في إعادة تشغيل خطوط إنتاج الصواريخ الباليستية وترميم منظومات الدفاع الجوي التي دُمرت جزئياً. نتنياهو، الذي يرى في هذه الأنشطة "تهديداً وجودياً"، يخطط لاستغلال لقائه مع ترامب لتقديم "لائحة أهداف" جديدة، تتضمن خيارات لضربات استباقية تستهدف البنية التحتية العسكرية التي أعيد بناؤها.

 

الاستراتيجية الإسرائيلية هذه المرة تعتمد على إقناع ترامب بأن الخطر لا يقتصر على إسرائيل، بل يمتد ليهدد المصالح الأمريكية في المنطقة بأسرها. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين سابقين، فإن نتنياهو سيحاول "توريط" واشنطن في العمليات القادمة، مقدماً خيارات تتراوح بين الدعم اللوجستي والمشاركة العملياتية المباشرة.

 

هذه المحاولة تأتي في توقيت حساس، حيث يسعى ترامب لتعزيز صورته كـ"صانع سلام" و"مدمر للأعداء" في آن واحد، وهو ما قد يجعله ميالاً للاستماع إلى "صديقه" في القدس، خاصة إذا تم تغليف الطلب بغلاف "حماية الأمن القومي الأمريكي".

 

"مطرقة منتصف الليل": هل كانت الضربة القاضية فعلاً؟

 

رغم التفاخر الأمريكي بأن العملية التي شُنت في يونيو الماضي، بمشاركة 100 طائرة وقاذفات B-2، قد "قضت تماماً" على القدرات النووية الإيرانية، إلا أن الواقع على الأرض يبدو أكثر تعقيداً.

 

التقييمات الأولية التي شككت في حجم الضرر الحقيقي للمنشآت الإيرانية بدأت تجد صدى في التحركات الحالية لطهران. فإيران، التي أبدت ظاهرياً اهتماماً بمسار دبلوماسي جديد لتقليص العقوبات، تعمل في الخفاء على استعادة قوتها الردعية، مدركة أن "الهدنة" الحالية قد تكون مؤقتة.

 

تصريحات البيت الأبيض التي تؤكد نجاح العملية تستند إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن إسرائيل ترى ما هو أبعد من الملف النووي: ترى "خطر الصواريخ" و"تمويل الوكلاء" كأولوية قصوى لم يتم تحييدها بعد.

 

هذا التباين في تقييم النتائج بين الحليفين قد يخلق فجوة يسعى نتنياهو لردمها خلال زيارته لفلوريدا، عبر تقديم أدلة مادية على أن "المهمة لم تنجز بعد"، وأن التراخي الآن سيعني مواجهة عدو أكثر شراسة وتطوراً في المستقبل القريب.

 

فنزويلا وإيران: جبهات مفتوحة وحسابات معقدة

 

ما يزيد المشهد تعقيداً هو السياق الدولي الذي يتحرك فيه ترامب حالياً. فالرئيس الأمريكي، الذي يفكر بجدية في شن ضربات عسكرية في فنزويلا، قد يجد نفسه أمام معضلة فتح جبهتين في آن واحد.

 

هل يملك "الجيش الأمريكي" -وسياسياً "إدارة ترامب"- القدرة والرغبة في الانخراط في صراع جديد في الشرق الأوسط بينما تتجه الأنظار نحو الكاريبي؟

 

إسرائيل تدرك هذا التحدي، ولذلك قد تركز في طرحها على خيارات "جراحية" وسريعة لا تستدعي انخراطاً أمريكياً واسعاً وطويل الأمد، بل مجرد "ضربات تأديبية" جديدة تضمن استمرار التفوق النوعي الإسرائيلي.

 

وفي المقابل، فإن رغبة طهران في استئناف المحادثات الدبلوماسية قد تكون "فخاً" أو "تكتيكاً لكسب الوقت" في نظر تل أبيب، وهو ما ستحاول إسرائيل إجهاضه قبل أن يتبلور إلى سياسة أمريكية رسمية.

 

اللقاء المرتقب في فلوريدا لن يكون مجرد جلسة مجاملة، بل قد يكون اللحظة التي يتقرر فيها ما إذا كانت المنطقة ستتجه نحو هدوء حذر، أم نحو جولة جديدة من النيران.