في تطور خطير يكشف عن حالة الهلع التي تعيشها سلطة الانقلاب من أي صوت عاقل أو قلم حر، وجهت نيابة أمن الدولة العليا استدعاءً للكاتب والروائي والباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، للمثول أمامها للتحقيق في القضية رقم 10204 لسنة 2025. هذا الاستدعاء "الغامض"، الذي لم يحدد حتى صفة "حسن" سواء كان شاهدًا أم متهمًا، لا يمثل استهدافًا لشخص الكاتب فحسب، بل هو رسالة ترهيب واضحة لكل مفكر ومثقف يجرؤ على نقد الواقع المتردي أو طرح بدائل للسياسات الكارثية التي أغرقت مصر في الديون والفقر.
إن جر الدكتور عمار علي حسن، وهو قامة فكرية وروائية وعضو بارز في الحركة المدنية، إلى دهاليز "أمن الدولة"، يؤكد أن النظام الحالي لم يعد يحتمل حتى "النقد البنّاء" أو التحليل السياسي الرصين. فبعد أن أمم الإعلام واعتقل الشباب، جاء الدور الآن على رموز الفكر الذين يمثلون الضمير الحي للأمة، في محاولة يائسة لإسكات كل صوت يغرد خارج سرب "المطبلين".
"برلمان مُكللٌ بالبطلان".. المقال الذي أوجع السلطة؟
ربما لم تكن مصادفة أن يأتي هذا الاستدعاء متزامنًا مع نشر أحدث مقالات الدكتور عمار على موقع "المنصة" بعنوان "برلمان مُكللٌ بالبطلان". في هذا المقال، وكعادته في مقالاته الدورية، وضع "حسن" يده على الجرح، مفككًا شرعية المؤسسات الصورية التي صنعها النظام لتمرير سياساته.
يبدو أن السلطة التي تدعي الاستقرار، ترتعد فرائصها من مجرد مقال يكشف عوارها الدستوري والسياسي. فبدلاً من الرد بالحجة أو تصحيح المسار، تلجأ إلى أداتها الوحيدة والتقليدية: "الاستدعاء الأمني". هذه العقلية البوليسية لا ترى في المثقف شريكًا في الوطن، بل تراه "عدوًا" يجب تحييده، إما بالترغيب أو بالترهيب عبر ملفات القضايا الجاهزة والمفبركة.
غموض مقصود وترهيب قانوني
اللافت في "الإعلان القانوني" الذي تلقاه عمار علي حسن هو الغموض المتعمد. عدم توضيح سبب الاستدعاء أو طبيعة الاتهامات هو أسلوب نفسي معروف تمارسه الأجهزة الأمنية لكسر إرادة الخصوم ووضعهم تحت ضغط عصبي مستمر.
لجوء "حسن" لاستشارة محامين حقوقيين بارزين مثل ناصر أمين وخالد علي، وإبلاغه لنقابة الصحفيين واتحاد الكتاب، يعكس وعيًا بخطورة الموقف، ويؤكد أننا لسنا أمام إجراء روتيني، بل أمام فصل جديد من فصول "هندسة الخوف". النظام يريد أن يقول للجميع: "لا أحد كبير على الاستدعاء، ولا حصانة لمثقف أو أديب".
الحركة المدنية: النظام يخنق المسارات الشرعية
رد الفعل الغاضب من الحركة المدنية الديمقراطية جاء ليضع النقاط على الحروف. البيان الذي أصدرته الحركة لم يكتفِ بالتضامن، بل اتهم السلطات صراحة بـ"خنق المسارات السياسية الشرعية".
تحذير الحركة من أن هذا النهج "يزيد من احتقان الأوضاع" هو قراءة دقيقة للمشهد. فعندما تغلق الدولة المجال العام، وتلاحق أصحاب الرأي الذين يطرحون سياسات بديلة بشكل سلمي وقانوني، فإنها بذلك تدفع المجتمع دفعًا نحو الانفجار أو العمل السري. إن استهداف القوى الوطنية المعارضة ليس دليل قوة، بل دليل هشاشة نظام يخشى الكلمة الصادقة أكثر مما يخشى الجيوش.
تاريخ من التنوير في مواجهة الظلام
عمار علي حسن ليس مجرد كاتب مقال، بل هو باحث له وزنه في دراسة الحركات الاجتماعية والفكر السياسي. كتاباته وأبحاثه المنشورة تمثل رصيدًا معرفيًا يكشف آليات الاستبداد وكيفية مواجهتها. استهدافه اليوم هو محاولة لتجفيف منابع الوعي، وتحويل الساحة الفكرية المصرية إلى صحراء قاحلة لا ينبت فيها إلا "نفاق السلطة".
إن محاولة النيل من قامة مثل "حسن" هي رسالة لكل باحث وأكاديمي: "إلزم الصمت أو واجه المصير المجهول".
خاتمة: الدولة تعادي عقلها
إن استدعاء عمار علي حسن لنيابة أمن الدولة هو وصمة عار جديدة على جبين "الجمهورية الجديدة". فالدولة التي تعتقل مفكريها وتطارد مبدعيها هي دولة تعادي عقلها وتنتحر حضاريًا.
سيذهب عمار علي حسن إلى التحقيق مدعومًا بتاريخه النضالي ومحبة قرائه، لكن النظام هو الذي سيقف في قفص الاتهام أمام التاريخ، مدانًا بجريمة اغتيال العقل المصري ومحاولة تحويل الوطن إلى "زنزانة كبيرة" لا صوت فيها يعلو فوق صوت السجان.

