اعتدت قوات الشرطة المصرية في يوم الخميس الموافق 7 أغسطس 2025، على مجموعة من الأهالي في منطقة "عزبة الهجانة" أو ما يُعرف اليوم بـ "مدينة الأمل" الواقعة في حي مدينة نصر، شرقي العاصمة القاهرة، بعدما رفض السكان القسري إخلاء منازلهم في إطار خطة تهجير قسري لصالح مشروع سكني فاخر باسم "مدينة الأمل الجديدة"، بالتعاون بين محافظة القاهرة والهيئة الهندسية للجيش وشركة "كونتراك" للتنمية العمرانية.
ما السر وراء التهجير؟
سلطات الانقلاب تعتزم الاستلاء على عشرة أفدنة من أرض عزبة الهجانة لإقامة مشروع الإسكان "مدينة الأمل الجديدة"، بتعويضات بسيطة للغاية.
المتر المربع يُعوض بحد أقصى 5 آلاف جنيه (نحو 103 دولارات) فقط، مع عرض إضافي للعائلات لشراء وحدات جديدة بعد انتهاء المشروع، بواقع 30 ألف جنيه إجمالًا كإيجار مؤقت.
لكن السوق العقاري المصري يشهد ارتفاعات حادة، ما يجعل هذه التعويضات بعيدة جدًا عن الواقع، حتى الوحدة السكنية المكونة من 3 غرف (104 م²) في المشروع الجديد يُعلن عنها بسعر 2 مليون و704 آلاف جنيه، أي ما يعادل نحو26 ألف جنيه للمتر.
"مش هنسيب بيوتنا"
رد الأهالي كان حازمًا؛ إذ رفعوا شعار "مش هنسيب بيوتنا" ورفضوا بيع منازلهم بالتعويضات المجحفة.
أحد السكان، عبد الناصر المهدي (66 عامًا)، عبّر عن صدمته قائلاً إن الأهالي استبشروا خيرًا عندما وجّه السيسي عام 2021 بـ"تطوير" المنطقة، لكن الواقع الملموس هو تهجير وتعويضات هزيلة لا تراعي قيمة العقارات السوقية أو الظروف المعيشية للسكان.
الاحتجاج والعنف الرسمي
في محاولة لتمرير عمليات التهجير، لجأت الشرطة بحسب التقارير إلى استخدام القوة والترهيب ضد السكان المعترضين.
أدى ذلك إلى اشتداد التوتر، وتحول الاعتراض إلى مظاهرات كبيرة في مدينة نصر، حيث هتف المحتجون بشعارات مدوية مثل: "بُعد السيسي" و "مش هنسيب بيوتنا" دون أن تحظى الأحداث بتغطية إعلامية حقيقية .
تأكيد الأهالي مقاومة الإزاحة ليس مجرد رفض شخصي، بل يعتمد على قاعد دستور مصر، تنص المادة 35 من الدستور على أن "الملكية الخاصة مصونة ... ولا تنزع إلا للمنفعة العامة، وبمقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا".
ورغم هذا التمسك الدستوري، تسارع الهيئة الهندسية ومحافظة القاهرة في أعمال الحصر والإزالة، حيث تم حصر232 عقارًا في المنطقة تشمل 1166 وحدة سكنية، بالإضافة إلى 224 محلاً أو مخزنًا و23 قطعة أرض فضاء.
ما يحدث اليوم في عزبة الهجانة هو تجسيد لاستمرار نمط التهجير القسري للمناطق الفقيرة تحت شعار "التطوير"، دون مراعاة الحقوق الدستورية للسكان المستضعفين.
فالتعويضات الزهيدة، والإجراءات الأمنية العنيفة، وتمويل المشاريع العقارية الفاخرة، كلها تعكس أولوية مصالح المستثمرين والجهات الأمنية على حساب حقوق الناس.
هذا الهجوم ليس الأول من نوعه، إذ تكرر في مناطق كثيفة مثل جزيرة الوراق، حيث سعت الأجهزة الحكومية إلى تطهير أراضي مماثلة تحت غطاء المشاريع التنموية، مقابل تعويضات منخفضة (مثلاً: 120–160 ألف جنيه للوحدة).
موقف دفاعي مشروع
"مش هنسيب بيوتنا" لا يمثل فقط مقاومة ميدانية، بل صرخة دستورية عادلة في وجه سياسات تهجير لا تُقدّر قيمة الإنسان أو المنزل، وتشكل الأزمة في "مدينة الأمل" نموذجًا معاصرًا للرأسمالية السلطوية التي تحوّل قاطني المدينة إلى رُكام في سبيل بناء مشاريع ثرية جديدة يملأها غيرهم.