في خطوة تعكس تصاعد القلق الشعبي والنقابي من تداعيات التعديلات المقترحة على قانون الإيجارات القديمة في مصر، أعلن نقباء الأطباء والمهندسين والصيادلة، أمس الاثنين، رفضهم القاطع لمشروع الحكومة الجديد، الذي يلزم المستأجرين بإخلاء الوحدات السكنية خلال خمس سنوات، مع زيادة تدريجية للأجرة بنسبة 15% سنويًا، تبدأ من 1000 جنيه شهريًا في المدن، و500 جنيه في القرى (في ظل سعر صرف يقترب من 50 جنيهًا للدولار).
وفي اجتماع لجنة الإسكان بمجلس النواب، أكد نقيب المهندسين، طارق النبراوي، أن فرض إخلاء قسري للوحدات السكنية يمثل خطوة شديدة الخطورة اجتماعيًا، موضحًا أن المحكمة الدستورية العليا لم تُلزم بالإخلاء في حكمها الأخير الصادر في 9 نوفمبر الماضي، والذي اقتصر على اعتبار ثبات القيمة الإيجارية أمراً غير دستوري.
أبعاد أعمق للأزمة
يمثل مشروع القانون المقترح إعادة هيكلة جذرية للعلاقة بين المالك والمستأجر في عقود الإيجار القديمة، لكنه يطرح في توقيت بالغ الحرج اقتصاديًا واجتماعيًا، وسط مخاوف من أن يؤدي إلى تشريد مئات الآلاف من الأسر التي لا تملك بدائل سكنية واقعية.
ويثير المشروع كذلك إشكاليات قانونية ودستورية حول مدى توافقه مع مبدأ الأمن السكني وحقوق الساكن، فضلاً عن تعقيدات التطبيق العملي في ظل حالة التضخم وارتفاع أسعار العقارات، ما يجعل الملف مرشحًا لأن يكون أحد أكثر القضايا جدلًا في الأجندة التشريعية المقبلة.
وأضاف النبراوي: "إخلاء الوحدات المؤجرة خلال خمس سنوات بمثابة رسالة موت للمستأجرين القدامى، خاصة أن الحكومة غير قادرة على توفير وحدات سكنية بديلة لهم، في ظل ندرة الأعداد المطروحة من وحدات الإسكان الاجتماعي، وتركيز الدولة على مشروعات الإسكان المتوسط والفاخر"، وتابع: "تمرير البرلمان للقانون في صورته الحالية يخلق أزمة اجتماعية، ويخلّ بالعدالة بين المواطنين؛ لأن الإخلاء سيؤدي إلى مخاطر شديدة، وبالتالي يجب تعديل المشروع بما يسمح باستمرار عقود الإيجار القديم مع وضع قيود عليها، من بينها شرط الإشغال، وعدم غلق الوحدة السكنية".
وزاد النبراوي: "الزيادة في أجرة الوحدات السكنية القديمة حق دستوري، لكن القيمة المقترحة من الحكومة بعيدة عن الواقع، إذ إن فرض ألف جنيه حداً أدنى للأجرة الشهرية يمكن تطبيقه في الأحياء الراقية فحسب بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، في ضوء صعوبة تطبيقه على المناطق الشعبية".
قنبلة مجتمعية تهدّد الجميع
من جهته، قال نقيب الأطباء أسامة عبد الحي، في كلمته أمام اللجنة، إنّ "إنهاء عقد الإيجار بمضي خمس سنوات يعد قنبلة مجتمعية تهدّد الجميع، كما أنه غير دستوري لأنها عقود رضائية"، محذراً من "المساس بعقود العيادات والمراكز الطبية الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة، باعتبارها أمناً قومياً"، على حدّ وصفه، وأضاف أنّ "العيادات والمراكز الطبية والصيدليات غير مخاطبة بحكم المحكمة الدستورية الخاص بتعديل قانون الإيجارات القديمة، لأن هناك تعديلات تشريعية طرأت في عام 1997، وحدّدت زيادة سنوية عليها بنسبة 10%، وهي زيادة كافية".
وتابع أنّ "الأطباء والصيادلة سبق أن سدّدوا مبالغ كبيرة للملاك، في ما يعرف بـ"الخلو" وهو جزء من تكلفة تشطيب الوحدة وتجهيزها للسكن، وإذا كانت الحكومة تسعى إلى تأجير المستشفيات العامة بحجة تشجيع القطاع الخاص، فمن باب أولى عدم تكبيل العيادات الطبية الخاصة، ومطالبة الأطباء العاملين فيها بالإخلاء بعد عدد محدد من السنوات".
غير عادلة
بدورها، ذكرت ممثلة نقابة الصيادلة فاتن عبد العزيز، أن "عدد الصيدليات المؤجرة وفق قانون الإيجارات القديمة يبلغ نحو 10 آلاف و300 صيدلة، بعضها لا يتجاوز مساحة 25 متراً، ومن ثم نقلها إلى مكان آخر يسقط عنها الرخصة وفقاً لأحكام قانون مزاولة المهنة"، وتمثل الوحدات نحو 12% من تعداد الصيدليات المتاحة في المحافظات.
وأردفت عبد العزيز أن "الزيادة المقترحة على الأجرة في مشروع الحكومة بواقع 20 مثلاً للايجار القديم كبيرة، وغير عادلة، لا سيّما مع تباين المواقع الجغرافية"، مستطردة بأن "المحكمة الدستورية قضت سابقاً بنقل إدارة الصيدلية إلى الورثة الشرعيين حتى يتخرج نجل الصيدلي، أو انقضاء عشر سنوات في حالة الوفاة من دون عائل".
وحذّرت من أن إنهاء العلاقة الإيجارية "يؤدي إلى تكدير السلم الاجتماعي، خصوصاً أن الصيدلة تعتبر مهنة، وليست تجارة، إذ تمثّل الصيدليات الخط الأول في منظومة الإسعافات الأولية، وتحرير عقودها معناه القضاء على آلاف الصيدليات العاملة في السوق المصرية منذ سنوات طويلة"، فيما تعهد رئيس اللجنة النائب محمد عطية الفيومي، بـ"خروج تعديل تشريعي متوازن يراعي حقوق كلٍ من الملاك والمستأجرين، من دون انحياز لطرف على حساب آخر، واستماع اللجنة إلى جميع الرؤى للجهات ذات الصلة بمواد القانون".
وحسب تعداد جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي للعام 2017، فإن مصر يوجد فيها ثلاثة ملايين و19 ألفاً و662 وحدة تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديمة، منها نحو مليون و879 ألف وحدة سكنية، و575 ألف وحدة للنشاط غير السكني (تجاري وإداري)، وتسعة آلاف و307 وحدات تستخدم للسكن والعمل معاً.
ويبلغ عدد الوحدات في المناطق الحضرية نحو مليونين و792 ألفاً و224 وحدة، وفي الريف 227 ألفاً و438 وحدة. وتصدرت العاصمة القاهرة قائمة المحافظات بأكثر من مليون و99 ألف وحدة، تليها الجيزة بإجمالي 562 ألفاً و135 وحدة، ثم الإسكندرية بـ433 ألفاً و761 وحدة. وتفيد بيانات الجهاز بوجود 118 ألفاً و835 وحدة مغلقة لسفر الأسرة إلى الخارج، و300 ألف و866 وحدة مغلقة لامتلاك الأسرة مسكناً آخر، وما يزيد على 86 ألف منشأة خالية تخضع لنظام الإيجار القديم، وأكثر من سبعة آلاف وحدة مغلقة بسبب حاجتها إلى الترميم.