كشفت صحيفة The Guardian البريطانية عن تسليم ملف قانوني ضخم يتهم قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى وحدة جرائم الحرب التابعة لشرطة العاصمة البريطانية (سكوتلاند يارد).

الملف المكوَّن من 142 صفحة أعدّه فريق من المحامين الدوليين في لندن، ويستند إلى شهادات ناجين ووثائق ومقاطع مصورة وشهادات شهود عيان، توثق جرائم قتل جماعي واغتصاب وتعذيب وتهجير قسري بحق المدنيين، معظمهم من سكان إقليم دارفور، وخصوصًا من قبيلة المساليت.

المحامون ركزوا في الملف على مبدأ "مسؤولية القيادة"، محمّلين القائد العام لقوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقادة الصف الأول في المليشيا، المسؤولية المباشرة وغير المباشرة عن هذه الفظائع.

وقال القاضي الدولي السابق السير هوارد موريسون، الذي شغل سابقًا منصب قاضٍ في المحكمة الجنائية الدولية، إن الأدلة التي تضمنها الملف "دامغة وتستوفي شروط الملاحقة الجنائية الدولية"، مشيرًا إلى أنها قد تشكل قاعدة قوية لإصدار مذكرات توقيف دولية مستقبلاً.
 

عدالة من لندن.. لماذا الآن؟
   تم تقديم الملف يوم الاثنين الماضي إلى وحدة التحقيقات في الإرهاب وجرائم الحرب (SO15)، وهي الجهة البريطانية المعنية بتلقي الملفات التي قد تحال إلى المحكمة الجنائية الدولية أو تُفتح بشأنها تحقيقات مستقلة في إطار اختصاص المملكة المتحدة العالمي بملاحقة جرائم الحرب.

المحامون الذين تولوا إعداد الملف أوضحوا أن الخطوة جاءت بناء على تفويض من أحد أنصار الديمقراطية السودانيين المقيمين في الخارج، الذي لم يُفصح عن هويته لدواعٍ أمنية. الخطوة تعكس استمرار الجهود السودانية في الشتات لملاحقة مرتكبي الجرائم، رغم محاولات إسكات الأصوات المنتقدة عبر الترهيب أو العنف.
 

محكمة العدل الدولية في الصورة… والإمارات في مرمى الاتهام
   تزامن الكشف عن الملف مع لحظة حساسة تشهدها الأروقة القضائية الدولية، حيث تنتظر محكمة العدل الدولية إصدار قرار بشأن دعوى قدمتها الحكومة السودانية تتهم فيها الإمارات بـ"التواطؤ في جريمة الإبادة الجماعية"، من خلال دعمها المالي والعسكري لقوات الدعم السريع.

الاتهامات تشمل تمويل وتسليح المليشيا التي باتت تُتهم على نطاق واسع بارتكاب "تطهير عرقي" في غرب السودان، وخاصة في مدينة الجنينة التي تعرضت لحصار ومذابح مروعة استهدفت مكون المساليت.

وتتسق هذه الاتهامات مع ما أعلنته مؤخرًا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي أعادت تصنيف الفظائع في دارفور بأنها ترقى إلى "جريمة إبادة جماعية"، بعد مراجعة الأدلة وشهادات الضحايا، في خطوة تعزز الضغط الدولي على قادة الدعم السريع وداعميهم الإقليميين.
 

من دارفور إلى أم درمان.. جرائم لا تتوقف
   رغم أن تركيز المحكمة الجنائية الدولية ينصب على دارفور، فإن سجل الجرائم لا يقتصر على الإقليم وحده.
ففي الأسبوع الماضي، وثّقت مصادر إعلامية وميدانية مقتل 31 مدنيًا، بينهم أطفال، في هجوم شنته قوات الدعم السريع على أحياء في مدينة أم درمان.

مثل هذه الحوادث تضعف من فرص نفي القادة العسكريين أي صلة بالجرائم، إذ بات واضحًا – حسب خبراء القانون الدولي – أن القيادات العليا تعلم، أو كان ينبغي أن تعلم، بما يجري على الأرض.
 

هل تتجه لندن لمحاكمة حميدتي؟
   ورغم أن القضاء البريطاني لا يملك سلطة مباشرة على سودانيين غير مقيمين في أراضيه، فإن وجود مبدأ "الولاية القضائية العالمية" يمنح المملكة المتحدة صلاحية التحقيق وملاحقة المتورطين في جرائم حرب، بغض النظر عن جنسياتهم أو مكان وقوع الجريمة، طالما توفرت الأدلة.

وفي حال قررت الشرطة البريطانية فتح تحقيق رسمي استنادًا إلى هذا الملف، فقد يكون ذلك مقدمة لصدور مذكرات اعتقال أوروبية أو دولية ضد قيادات في الدعم السريع، ما قد يقيد تحركاتهم مستقبلًا ويضعهم في مواجهة عزلة قانونية ودبلوماسية متصاعدة.
 

للاطلاع على التقرير الأصلي باللغة الإنجليزية على موقع The Guardian اضغط هنـــــــــــــا