تشهد نقابة الصحفيين المصريين واحدة من أكثر معاركها الانتخابية سخونة منذ تأسيسها، في مشهد بات يعكس ليس فقط صراعاً نقابياً محدوداً، بل ساحةً مكتملة الأركان لصراع سياسي أوسع بين تيار الاستقلال المهني، المدافع عن الحريات الصحفية، وقائمة مدعومة بوضوح من أجهزة الدولة تسعى لإعادة بسط نفوذها داخل أروقة النقابة.

وبينما يستمر فتح باب التسجيل في الجمعية العمومية حتى اكتمال النصاب القانوني، بحسب ما أكده جمال عبد الرحيم، سكرتير عام النقابة ورئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات، تتأرجح كفة المنافسة على مقعد النقيب وأعضاء المجلس الستة وسط أجواء مشحونة وغير مسبوقة في تاريخ النقابة الحديث.

 

سباق حتى الرمق الأخير

   الأنظار موجهة إلى قاعة النقابة بشارع عبد الخالق ثروت، حيث ينتظر أكثر من عشرة آلاف صحفي أن تقول الجمعية العمومية كلمتها في انتخابات التجديد النصفي، لاختيار نقيب جديد وستة أعضاء مجلس من أصل 12. التنافس المحتدم يدور في الأساس بين النقيب الحالي خالد البلشي، الصحفي المحسوب على تيار الاستقلال، وغريمه عبد المحسن سلامة، النقيب الأسبق المدعوم صراحة من مؤسسات الدولة.

معركة الكواليس لا تقل ضراوة عن علنية السباق؛ إذ شهدت الأسابيع الماضية تبادلاً عنيفاً للاتهامات بين الطرفين، وصل إلى حد التخوين والتشكيك في النزاهة، بل واستخدام "البدل النقدي" كورقة ضغط انتخابية فجّة. سلامة، مدعوماً من رؤساء تحرير الصحف القومية ومؤسسات الدولة، أعلن عن "زيادة غير مسبوقة" في بدل التدريب والتكنولوجيا، لكنه ربط الإعلان الرسمي عنها بفوزه في الانتخابات، ما أثار اتهامات مباشرة باستخدام المال العام كوسيلة لحشد الأصوات.

 

حرب القوائم والتسريبات

   عشية الانتخابات، تسربت ما تعرف بـ"قائمة الدولة" التي تضم مرشحين من المؤسسات الصحفية الحكومية والخاصة التابعة للمخابرات، أبرزهم عبد المحسن سلامة، محمد شبانة، حسين الزناتي، ومحمد الشاذلي. وبالمقابل، خرج تيار الاستقلال بقائمة معاكسة يتصدرها خالد البلشي، وتضم وجوهاً بارزة في الدفاع عن الحريات مثل عمرو بدر، محمد سعد عبد الحفيظ، إيمان عوف، وفيولا فهمي.

واتُّهمت حملة سلامة بتنظيم عمليات واسعة لحشد الصحفيين من المحافظات، وتقديم حوافز مادية وعينية، بينها وجبات من مطاعم مشويات فاخرة، فضلاً عن وعد بزيادة البدل والإعانات الطبية. بينما يحذر صحفيون من تكرار تجربة ولايته السابقة، التي تزامنت مع موجة فصل تعسفي طالت المئات، وتقييد الحريات الإعلامية، وإغلاق العديد من المواقع والصحف المستقلة.

 

مدينة الصحفين

   الملف الأبرز الذي وضعه البلشي على طاولة برنامجه، وهو "مدينة الصحفيين"، تحول فجأة إلى عبء انتخابي.

إذ تبين في جلسة فض مظاريف الشركات المتقدمة لتنفيذ المشروع أن شركة واحدة فقط تقدمت، وملفها غير مكتمل، ما تسبب في حالة غضب عارمة بين الصحفيين الحاجزين. حاول البلشي امتصاص الصدمة، متعهداً بإعادة طرح المشروع وفق ضوابط شفافة، لكن خصومه استغلوا الموقف للطعن في كفاءته.

 

صعود الشباب... ومفاجآت محتملة

   إلى جانب المنافسة على مقعد النقيب، يخوض 51 مرشحاً السباق على ستة مقاعد بمجلس النقابة، بينهم عدد كبير من الوجوه الشابة، ما قد ينذر بمفاجآت. وتبرز أسماء مثل أيمن عبد الحفيظ، إيمان عوف، أحمد عاطف، وفيولا فهمي كأبرز ممثلي "تحت السن"، بينما تعوّل الكتل المؤيدة للدولة على أسماء محسوبة عليها من المؤسسات الرسمية.

وتكتسب المنافسة في هذه الدورة زخماً إضافياً، مع عودة الاستقطاب السياسي إلى النقابة، بعد سنوات من محاولات "تحييدها" عن المعارك المهنية والحقوقية. وهو ما تعكسه أيضاً حملات التضامن الدولية مع الصحفيين المصريين، خصوصاً في ظل التعتيم على تغطية الحرب على غزة، واعتقال عدد من الصحفيين المصريين خلال العامين الماضيين.

 

مستقبل النقابة على المحك

   الانتخابات الحالية لا تتعلق فقط باختيار نقيب وأعضاء مجلس، بل بتحديد مصير النقابة في وجه محاولات الهيمنة أو البقاء كأحد آخر معاقل الاستقلال المهني في مصر. فخالد البلشي، رغم ما واجهه من تحديات في ملف الخدمات، نجح – وفق أنصاره – في إعادة النقابة إلى مسار الدفاع عن الحريات، بينما يتهمه خصومه بالفشل في تحسين الأوضاع المعيشية للصحفيين.

وفي المقابل، يطرح عبد المحسن سلامة نفسه كـ"نقيب خدمات"، يعِد بالمزايا والزيادات المالية، لكنه يواجه شبح ولايته السابقة، وتاريخاً حافلاً بتقاطع المصالح مع أجهزة الدولة، بل والانتماء سابقاً للحزب الوطني المنحل، في مشهد يستدعي كثيراً من الذاكرة الصحفية والسياسية.