يتجه المجلس الأعلى للجامعات إلى رفع أعداد المقبولين بكليات الطب بشكل غير مسبوق، استجابة لتوجه حكومي يربط بين تصدير الأطباء إلى الخارج وتعزيز العائدات الاقتصادية عبر تحويلات المصريين العاملين بالخارج، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول مستقبل التعليم الطبي وجودته في مصر.

بحسب مصدر قيادي في المجلس الأعلى للجامعات، فإن هذا العام سيشهد قبول نحو 15 ألف طالب وطالبة بكليات الطب الحكومية، مقابل ما كان يتراوح بين 11 إلى 12 ألفًا في الأعوام السابقة. وتستهدف الخطة، التي وصفها المصدر بأنها "توجه من الدولة"، الاستمرار في رفع الأعداد تدريجيًا حتى تصل إلى 25 ألف طالب سنويًا.

 

تصدير العقول لمصلحة العملة الصعبة

   هذا التحرك يتزامن مع تصريحات مثيرة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي لم يبد قلقًا من موجة هجرة الأطباء إلى الخارج، بل اعتبرها فرصة لتعظيم العائدات المالية. خلال مؤتمر صحفي عُقد مؤخرًا، قال مدبولي: "أنا أعتبر سفر الأطباء شيئًا جيدًا كجزء من قوة مصر الناعمة. الطبيب يخرج لاكتساب خبرات ويحقق عائدًا اقتصاديًا، ويتم تحويله أيضًا إلى الدولة المصرية".

واقترح مدبولي زيادة أعداد خريجي كليات الطب خلال الست سنوات المقبلة، مبررًا ذلك بأنه حتى لو غادر 7 أو 8 آلاف طبيب للعمل في الخارج "لن تكون هناك مشكلة".

 

هجرة الأطباء.. عرض للعرض، لا لحل الأسباب

   الواقع أن موجة هجرة الأطباء من مصر ليست وليدة اللحظة، وإنما تتفاقم منذ سنوات بسبب تدني الأجور، وضعف التدريب، وسوء بيئة العمل.

الدكتور حسين خالد، رئيس لجنة القطاع الطبي بالمجلس الأعلى للجامعات، أقرّ بأن أسباب هجرة الأطباء متعددة، منها "تدني مستوى الأجور، وغياب برامج التدريب وشهادات مزاولة المهنة وفق المعايير الدولية، ونقص الإمكانات المهنية والتعليمية، بالإضافة إلى ما يتعرض له الأطباء من اعتداءات خلال أداء عملهم".

ورغم وضوح الأسباب الهيكلية، إلا أن الحل الحكومي اختزل الأزمة في ضخ المزيد من الخريجين إلى السوق، دون إصلاح جذور المشكلة.

 

أزمة بنية تحتية... وأطباء بلا تدريب

   الأزمة لا تتعلق فقط بأسباب الهجرة، بل بقدرة الجامعات المصرية على تقديم تعليم طبي بجودة مقبولة مع هذه الأعداد الضخمة.

الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء، تساءل عن جدوى هذه الخطة قائلًا: "ما الفائدة من تخريج دفعات من الأطباء بلا تدريب؟"، مشيرًا إلى النقص الحاد في المستشفيات الجامعية مقارنة بأعداد الكليات سواء الحكومية أو الخاصة، ما يجعل فرص التدريب العملي شبه معدومة لعدد كبير من الخريجين.

 

تناقضات السياسات التعليمية

   بالتوازي مع هذا التوسع في كليات الطب، تستمر الدولة في تقليص أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية وبرامج الانتساب، وهو توجه بدأ تطبيقه تدريجيًا منذ العام الماضي، بتخفيض نسبته 8%، بحسب تصريحات سابقة للدكتور مصطفى رفعت، الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات.

وتستهدف هذه السياسة ما تسميه الدولة "التخصصات التي تحتاجها سوق العمل"، مثل الذكاء الاصطناعي والهندسة والطب. لكن في ظل الهروب الجماعي للأطباء وعدم معالجة أسباب هجرتهم، يبدو أن الأرقام وحدها هي ما يحرك السياسات، وليس تطوير التعليم أو سد فجوة السوق الحقيقية.