واجه اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السماح للسفن العسكرية والتجارية الأمريكية بالمرور مجانا عبر قناة السويس ردود فعل قوية من الخبراء والمواطنين.
يُقدّر خبراء صندوق النقد الدولي عدد السفن الأميركية التي تمرّ في قناة السويس، بما بين ألفٍ وألفَي سفينة سنويًا تمثل بين 5% و10% من إجمالي عدد السفن التي تصل إلى نحو عشرين ألف سفينة في المتوسّط، تحمل نحو 12% من الحركة التجارية العالمية، بما يشير إلى دفع السفن الأميركية رسوم عبور من 500 مليون إلى مليار دولار من إجمالي إيرادات القناة.
وبحسب تصريحات من قائد الانقلاب، تحقق قناة السويس خسائر بقيمة 800 مليون دولار شهريًا، بسبب انخفاض حركة المرور في البحر الأحمر والقناة، منذ يناير 2024. وسجلت قناة السويس أعلى إيراداتها عام 2023، قبيل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، بقيمة 10.25 مليارات دولار.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس السبت، إنه "يجب السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على السواء، بالمرور بحرّية عبر قناتَي بنما والسويس. هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة الأميركية".
وأضاف ترامب في منشور على منصة تروث سوشيال "طلبت من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يتولى هذا الأمر على الفور"، وبعد أشهر من تكرار رغبته في السيطرة على قناة بنما، يصبّ الرئيس الأميركي تركيزه حاليًا على قناة السويس، وهي طريق نقل استراتيجي آخَر للتجارة العالمية.
وتشكل قناة السويس نحو 10% من التجارة البحرية في العالم، إلى أن بدأ الحوثيون في اليمن بمهاجمة سفن مرتبطة بإسرائيل تضامنًا مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة إسرائيلية بدعم أميركي في قطاع غزة، وانخفض عدد السفن التي عبرت قناة السويس إلى 13200 سفينة في عام 2024، مقابل 26400 سفينة في 2023، وسجلت إيرادات القناة في العام الماضي تراجعًا حادًا بنسبة 61% لتحقق 3.9 مليارات دولار، مقارنة بنحو 10.2 مليارات دولار في عام 2023.
وجاءت تصريحات ترامب في وقت تواجه قناة السويس نزيفًا يوميًا من الخسائر الفادحة في الدخل، وتراجع عدد السفن المارة بالقناة منذ أكتوبر 2023، مع توقف شركات الشحن الدولية الكبرى عن المرور بالقناة، واستخدام المسار التجاري الضخم الذي يربط بين آسيا وأوروبا مرورًا بالبحر الأحمر، لقيام جماعة الحوثيين في اليمن بقصف السفن الأميركية والإسرائيلية وسفنًا تتبع دولًا متحالفةً معهما في العدوان على قطاع غزة.
قناة السويس خط أحمر
واعتبرت شخصيات أن تصريحات ترامب تعد مساسًا بالسيادة المصرية ومحاولة للضغط السياسي، فيما سخر آخرون منها، وأدلوا بتعليقات تهكمية على ترامب.
وقال ناشطون إن "قناة السويس حُفرت بدماء المصريين"، مشيرين إلى تضحيات 120 ألف عامل خلال حفرها بين أعوام 1859-1869.
وغرد مصريون في هاشتاجات مثل #قناة_السويس_خط_أحمر و#قناة_السويس.
وقال البرلماني والإعلامي المقرب من الجهات الأمنية، مصطفى بكري، إن "ترامب يقول لولا أمريكا ماكانت قناة السويس، بأمارة إيه ياعم الحاج. يا راجل عندما حفر المصريون قناة السويس في الفتره من 1859 إلى 1869، كانت أمريكا يادوب في الحضانه".
وشنت صحيفة "الدستور" هجومًا لاذعًا على ترامب، وعلقت على حديثه "حقيقي، مأساة هزلية أن يظن رئيس الولايات المتحدة أن العالم كله نسخة من أنصاره.. يسمعون أي رقم جزافي.. وأي خرافة.. ويصفقون! أي كذبة رديئة.. ويهتفون! لكن هذا هو ترامب كما عرفناه".
تجاهل للسيادة المصرية
وعلق خبير القانون الدولي الدكتور أيمن سلامة على تصريحات ترامب بشأن عبور السفن الأمريكية عسكرية كانت أم تجارية لقناة السويس "مجانا" بأنها "تمثل تجاوزًا غير مقبول للقانون الدولي وتجاهلًا تامًا للحقوق السيادية المصرية" مؤكدًا أن قناة السويس تمثل "شريانًا حيويًا للتجارة العالمية وتخضع لنظام قانوني مصري راسخ" يستند إلى تشريعات واضحة ولوائح تنظيمية دقيقة تحدد رسوم المرور وحالات الإعفاء المحدودة.
وأكد الخبير القانوني وفقًا لـ "RT" أن هيئة قناة السويس تنظم بموجب قوانين جمهورية مصر العربية ولوائحها التنفيذية حركة مرور ورسوم السفن المستحقة، وأن "هذه القوانين لا تفرق بين جنسية السفن أو طبيعتها" وتعتمد معايير واضحة للرسوم بناءً على حمولة السفينة ونوعها، مؤكدًا أنه "لا يوجد في التشريعات المصرية أي بند يمنح الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى استثناءً خاصًا من دفع رسوم العبور".
لا امتيازات عبور مجانية
وأشار أستاذ القانون الدولي أنه قد تتضمن القوانين المصرية حالات استثنائية للإعفاء من الرسوم "تتعلق عادةً بسفن الإنقاذ أو السفن التابعة لمنظمات دولية محددة في إطار اتفاقيات خاصة أو في حالات الضرورة القصوى"، لكن هذه الاستثناءات محددة بوضوح ولا تشمل بأي حال من الأحوال منح امتيازات مجانية لدولة بعينها "مهما بلغت قوتها أو نفوذها".
ويرى الخبير الدولي أن مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستثناء الولايات المتحدة وحدها من دفع الرسوم "تفتقر إلى أي أساس قانوني أو منطقي" مرجحًا أن يكون هذا الطلب مستندًا إلى "منطق القوة والنفوذ متجاهلًا مبادئ المساواة بين الدول وسيادة القانون الدولي"، مؤكدًا أن قناة السويس ليست ملكًا لأحد غير مصر وهي تخضع لقوانينها ولوائحها، وعلى جميع الدول احترام هذه القوانين دون تمييز.
وشدد "سلامة" التأكيد على أن قناة السويس ستظل تحت السيادة المصرية الكاملة، وأن عبور السفن سيستمر وفقًا للقانون المصري والقواعد الدولية المنظمة للملاحة، وأنه "لا يمكن لأي تصريحات أو مطالب غير قانونية أن تنتقص من هذا الحق السيادي أو تفرض استثناءات غير مبررة"، وأن مصر أكدت مرارًا وتكرارًا التزامها بضمان حرية الملاحة في القناة لجميع الدول وفقًا لاتفاقية القسطنطينية لعام 1888، "لكن هذا لا يعني التنازل عن حقها السيادي في تحصيل رسوم العبور".