في الوقت الذي تمضي فيه إسرائيل في إقصاء الفلسطينيين من غزة عبر إبادة جماعية وحشية، يواصل المجتمع الدولي ترديد شعاراته الفارغة من "القلق العميق" و"الإدانة" و"الكارثة"، في وقت يُغلف فيه تواطؤه بغطاء إنساني كاذب. فالمساعدات الإنسانية لم تعد سوى ستار يُخفي دعمًا ضمنيًا لجرائم استعمارية وإبادة ممنهجة.
يُقابل العالم يوميًا بمشاهد حية مرعبة من غزة، تُظهر أجساد الفلسطينيين تتطاير بفعل القصف، في مشاهد تتجاوز قدرة العقل السوي على التصور، إلا إذا كان هذا العقل ملوثًا بإرث الاستعمار والعنف.
منذ أسابيع فقط، نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عن خطة إدارة ترامب المعروفة بمشروع "الريفييرا"، بحجة رفضه لتهجير الفلسطينيين من غزة. لكنه اليوم، وبعد آلاف القتلى، يُظهر انشغاله بحالة المجاعة في القطاع. ومع أن بعض المسؤولين الإنسانيين عبّروا عن رفضهم لاعتبار الفلسطينيين غير جديرين بالبقاء، فإن هذا التصريح يتجاهل الحقيقة الأساسية: بقاء الفلسطينيين لا يعتمد على المساعدات الإنسانية، بل على تغيير سياسي جذري.
فالمساعدات الإنسانية عاجزة عن مواجهة الاستعمار والإبادة، ولا تستطيع تخفيف الألم الناتج عن هذا العنف المستمر. غزة تجاوزت حدود "الأزمة الإنسانية"، لكن الخطاب الدولي هو ما جعل الوضع يبدو وكأنه يمكن علاجه عبر المساعدات، وهو ما منح إسرائيل مزيدًا من المساحة للمضي في استراتيجيتها الإباديّة.
وعلى الرغم من استهداف إسرائيل للعديد من العاملين في مجال الإغاثة، فإن هؤلاء العاملين ما زالوا جزءًا من نظام يستفيد من الكوارث ليبقى قائمًا. فالمساعدات، مثلها مثل "القلق الدولي"، لم تعد تحمل معناها الحقيقي، بل أصبحت أدوات تخدم الزعماء العالميين، لا المدنيين المنكوبين.
لن تمنع المساعدات الإنسانية الفلسطينيين من الموت تحت القصف، بل قد تُبقيهم أحياء حتى تنزل القنبلة التالية. فغضب المجتمع الدولي من منع إسرائيل دخول المساعدات لا علاقة له بالضحايا، بل ينبع من حسابات سياسية نابعة من تواطؤ صريح أو ضمني مع الإبادة. وبما أن القوى العالمية لم تصل بعد إلى مرحلة الاعتراف الصريح بقبولها للإبادة، فإنها تواصل لعبتها المزدوجة من خلال ما يُسمى "النموذج الإنساني".
المساعدات لا يمكن أن تُنقذ شعبًا يُستهدف بالإبادة. دورها المنطقي يكون في دعم السكان بعد توقف المجازر، لا أثنائها. فلماذا لا يُطرح هذا التناقض الكبير بين العنف والمساعدات على طاولة النقاش؟ وكيف للعالم أن يتقبل مشاهد الأجساد المتطايرة وكأنها أمر معتاد؟ هل تحولت كلمة "إبادة" إلى مجرد مصطلح لا يحمل وزنًا إنسانيًا أو أخلاقيًا؟
ألمانيا، ثاني أكبر مزود للسلاح لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، قدمت مؤخرًا 45 مليون يورو لوكالة أونروا، في خطوة وُصفت بأنها دعم "لحقوق اللاجئين الفلسطينيين في الحياة الكريمة". لكن كيف يمكن أن يُفهم هذا الدعم في ظل استمرار توريد الأسلحة؟ ولماذا تدعي أونروا الحياد وهي خاضعة بالكامل لتوجهات الممولين السياسيين؟ الحقيقة أن هذا "الحياد" هو مجرد امتداد لنفاق المجتمع الدولي.
اليوم، لم تعد المساعدات الإنسانية تُعنى بإنقاذ الأرواح، بل بتجميل صورتها أمام الرأي العام، بينما تموّلها الدول نفسها التي تدعم الإبادة. لقد فقدت الكلمات معناها، وأصبح القتل والاستغاثة متوازيين في مشهد عبثي مروّع.
الفلسطينيون يُقتلون باسم الاستعمار، ويُطعمون مؤقتًا باسم "الإنسانية"، في معادلة قاتلة فرضها نظام دولي يزعم الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، بينما يدعم آخر مشروع استعماري قائم في العصر الحديث.
هذه هو "الإرث" الذي سيتركه المجتمع الدولي: تواطؤ واضح مع الإبادة، باسم نموذج إنساني زائف.
https://www.middleeastmonitor.com/20250405-the-humanitarian-paradigm-is-as-deadly-as-genocide/