هل سيتعلم ترامب من دروس الماضي في الشرق الأوسط؟
السبت 15 فبراير 2025 09:00 م
بعد أقل من أسبوع بعد توليه منصبه، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موقفه تجاه الفلسطينيين بدعوته الأردن ومصر لاستقبال سكان غزة ليعيشوا في بلديهما، متبنيًا فعليًا السياسة الإسرائيلية المتمثلة في التطهير العرقي للفلسطينيين. لم تُخفِ إسرائيل نيتها في تهجير سكان غزة منذ بداية الحرب الإبادة على القطاع قبل أكثر من عام. وقد رفضت كل من مصر والأردن بشكل صريح وقاطع خطط إسرائيل للتطهير العرقي آنذاك، وأكدتا على نفس الموقف الآن بعد اقتراح ترامب.
رأت مصر والأردن أن اقتراح ترامب لا يشكل فقط تهديدًا لأمنهما الداخلي واستقرارهما، بل يمثل أيضًا تهديدًا كبيرًا للسلام والأمن في المنطقة.
السيطرة الأمريكية على غزة؟
بعد دعوته لتهجير الفلسطينيين، أعلن ترامب، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة الدائمة على غزة. وأكد أنه يعتزم تطوير القطاع ليكون جاهزًا لاستقبال الاستثمارات الأجنبية. وقد أيد نتنياهو الاقتراح على الفور، رغم عدم واقعيته.
كما أعلن ترامب عن قراره بقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقال إنه سيعلن خلال الأسابيع المقبلة عن موقفه من ضم إسرائيل للضفة الغربية. وادعى ترامب أن العقبة الوحيدة التي تمنع سكان غزة من مغادرة وطنهم هي عدم توفر وجهة بديلة، مما دفعه إلى تجديد دعوته لمصر والأردن لاستقبالهم.
رفض عربي ودولي واسع
ورغم علمه بالرفض العربي القاطع لهذه الخطة، والذي تجلى في بيان موحد من ست دول عربية، واصل ترامب الضغط على مصر والأردن، مهددًا بقطع المساعدات الأمريكية عنهما إذا استمرتا في رفض اقتراحه.
لكن المعارضة لم تأتِ فقط من الدول العربية. فقد برزت معارضة سياسية كبيرة داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث رفض عدد من المشرعين الجمهوريين واليهود، بالإضافة إلى أعضاء ديمقراطيين، الخطة، معتبرين أنها غير واقعية ومحكوم عليها بالفشل. كما رفضت دول غربية رئيسية، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، الاقتراح.
تُعيد خطة ترامب بشأن تهجير سكان غزة إلى الأذهان مبادرته السابقة "صفقة القرن" التي طرحها خلال ولايته الأولى، والتي تمحورت حول ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية إلى إسرائيل. وكما فشلت تلك الخطة، فمن المرجح أن تفشل خطته الجديدة أيضًا، بسبب تجاهلها للواقع الإقليمي والتاريخ والعدالة.
إخفاقات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
يجب أن تدفع خطة ترامب الجديدة إلى إعادة تقييم السياسة الخارجية الأمريكية الفاشلة في الشرق الأوسط، والتي تعكس سوء فهم عميق لديناميكيات المنطقة. إذ يعتمد ترامب على الإكراه كأداة للسياسة الخارجية، كما يتضح من تهديداته المتكررة لدول عدة، من بينها كندا وبنما وجرينلاند.
علاوة على ذلك، يمثل نهج ترامب تجاه القضية الفلسطينية انحرافًا واضحًا عن السياسة الأمريكية التقليدية التي كانت تدعم حل الدولتين، رغم أن الإدارات السابقة لم تمارس ضغوطًا على إسرائيل لتنفيذه. وعلى عكس الإدارات السابقة، التي كانت تحاول موازنة دعم إسرائيل مع الحفاظ على تحالفاتها العربية، يتبنى ترامب نهجًا مختلفًا تمامًا.
عوامل تحدد موقف ترامب من القضية الفلسطينية
تتحدد سياسة ترامب تجاه القضية الفلسطينية بثلاثة عوامل رئيسية:
1. فرض رؤيته بالقوة: يعتمد على قوة الولايات المتحدة العالمية لفرض سياساته، حتى لو تطلب ذلك التهديد والضغط على الدول الأخرى.
2. دعم غير مشروط لإسرائيل: رفع العقوبات عن المستوطنين واستأنف تزويد إسرائيل بالقنابل الثقيلة.
3. البحث عن إرث تاريخي: يسعى لتحقيق إنجاز غير مسبوق في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، رغم افتقاره لفهم أبعاده الحقيقية.
مصر والأردن تحت الضغط
رغم أن الأردن تلقى أكثر من 200 مليار دولار من المساعدات الأمريكية منذ عام 1951، فإنه يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وقد تأثر مباشرة بقرار ترامب تعليق المساعدات للعديد من الدول لمدة 90 يومًا.
مصر، بدورها، تواجه واقعًا اقتصاديًا معقدًا، وقد تتعرض قريبًا لنفس الضغوط. فكلا البلدين حليفان رئيسيان للولايات المتحدة، ويتلقيان مساعدات عسكرية وأمنية كبيرة. وبينما تستضيف الأردن قواعد عسكرية أمريكية، فإن كلاهما يرتبطان باتفاقيات سلام مع إسرائيل ويلعبان دورًا حيويًا في استقرار المنطقة.
القضية الفلسطينية تظل مركزية
لا تزال القضية الفلسطينية محورًا رئيسيًا في سياسات الشرق الأوسط، وتمثل قضية عادلة جمعت الشعوب العربية، بل وحتى الحكومات، رغم اختلاف سياساتها. هذا الواقع هو ما دفع الإدارات الأمريكية السابقة إلى تبني لغة دبلوماسية حذرة، مفضلة تأجيل الحل النهائي مع الحفاظ على دعمها الثابت لإسرائيل.
لكن سياسة ترامب غير المدروسة تجاه حلفائه الإقليميين، مثل مصر والأردن، قد تؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار، وهو ما يظهر بوضوح في ردود الفعل الرسمية القوية من كلا البلدين على اقتراح التهجير.
دروس من الإخفاقات الأمريكية السابقة
لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من سوء استخدام القوة وسوء فهم المنطقة، مما أدى إلى نتائج كارثية.
في أعقاب حرب الخليج عام 1991، حاولت واشنطن فرض نظام جديد في المنطقة مع استبعاد إيران من مؤتمر مدريد، وهو ما كشف عن سوء تقديرها للديناميكيات الإقليمية.
بعد أحداث 11 سبتمبر، خاضت الولايات المتحدة حروبًا في العراق وأفغانستان، أدت إلى ملايين الضحايا والدمار، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها. فحركة طالبان صمدت رغم الاحتلال الأمريكي الذي استمر لعقدين.
في العراق، رغم الإطاحة بنظام صدام حسين، لم يتحقق الاستقرار المنشود، بل أصبح العراق ساحة نفوذ لقوى إقليمية أخرى، ما لم يكن في صالح الوجود الأمريكي هناك.
التناقضات في السياسة الأمريكية
ما بين محاولاتها للحفاظ على وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وتحولها الاستراتيجي نحو آسيا لمواجهة الصين، تعاني الولايات المتحدة من تناقضات سياسية. فإدارة أوباما وقعت اتفاقًا نوويًا مع إيران، ألغاه ترامب لاحقًا لصالح سياسة "الضغط الأقصى"، لكنه الآن يفكر في إعادة التفاوض.
وفي تناقض آخر، تسعى واشنطن إلى تعزيز القدرات العسكرية لحلفائها الإقليميين لمواجهة إيران، بينما تدفع في الوقت نفسه باتجاه تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وهي عملية ترتبط جوهريًا بحل القضية الفلسطينية. لكن تردد واشنطن في معالجة جوهر الصراع الفلسطيني يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي.
الفلسطينيون يقررون مصيرهم
رغم المحاولات المتكررة لتجاهل القضية الفلسطينية، يبقى الفلسطينيون أصحاب القرار في مصيرهم. رفضهم العلني لمقترحات التهجير، واحتجاجاتهم الحاشدة، وإصرارهم على البقاء في أراضيهم، كلها تعكس إرادة قوية.
في عالم يدّعي التمسك بالعدالة والقانون الدولي، من غير المرجح أن تحظى خطة ترامب بدعم واسع. كما أنه من المستبعد أن يقبل المجتمع الدولي بتكرار عمليات التهجير القسري التي وقعت في 1947-1948 و1967.
في نهاية المطاف، تظل فلسطين قضية شعبها، الذي يواصل نضاله رغم كل التحديات.