منذ ستينيات القرن الماضي، يعاني الأطباء من الإهمال وتدني الرواتب، وتسلل الفساد المالي والإداري والمحسوبية إلى المنشآت الطبية العتيقة، حتى أصبحت البيئة غير مناسبة مطلقاً للأطباء الأكفاء، في وقت تعد فيه مهنة الطب واحدة من أسمى المهن المطلوبة بشكل دائم وغيابها يعني توقف الحياة في مصر حيث تتفاقم معاناة الشعب الذي تتمدد فيه الامراض والفقر والجوع.
وكشفت دراسة حكومية مصرية، أن عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة من نقابة الأطباء في مصر، باستثناء من بلغوا سن المعاش، يبلغ حوالي 212 ألفًا و835 طبيبًا، يعمل منهم حاليًا في جميع قطاعات الصحة، سواء بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية الحكومية، أو القطاع الخاص، حوالي 82 ألف طبيب فقط، أي بنسبة 38% من عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة.
وتعني تلك الإحصائية أن 62% من الأطباء المسجلين في مصر، خارج المنظومة الطبية، إما بسبب السفر إلى الخارج للعمل أو لاستكمال الدراسات العليا، أو بسبب الحصول على إجازات بدون راتب، أو الاستقالة نهائيًا من العمل الحكومي.
وتخلص الدراسة، إلى أن مصر لديها طبيب لكل 1162 شخصًا، بينما المعدل العالمي، طبقًا لمنظمة الصحة العالمية، هو طبيب لكل 434 شخصًا.
وبدأ العديد من الأطباء في البحث عن فرص عمل أخرى خارج مصر، حيث كان الخليج العربي الوجهة الأولى، ومع الوقت اتجهت بوصلة الهجرة إلى أوروبا وأميركا، وبعض الأطباء يعودون إلى مصر بعد الحصول على شهادات علمية متقدمة.
إلا أنه بعد قانون المسؤولية الطبية فإن عدد المغادرين مصر وليس فقط القطاع الحكومي من الأطباء سيكون خوفًا من السجن أو توقيع غرامات لا تتناسب تمامًا مع دخله البسيط، وهو يري أن أوروبا تفتح الباب علي مصراعيه تناديه للعيش في حياة كريمة، يجد فيها كل حقوقه ويستطيع الالتزام بتأدية واجباته بهدوء وسلام داخلي غير قلق من أن يعتدي أحد عليه أو يتسبب في سجنه.
الجهاز المركزي للإحصاء، أكد في بياناته المنشورة أن عدد الأطباء انخفض إلى 97.4 ألف طبيب في عام 2022، مقابل 100.7 ألف طبيب في عام 2021 بانخفاض بلغت نسبته 3.3%..
وذكرت بيانات لنقابة الأطباء المصرية، أن نحو 11 ألفًا و536 طبيبًا استقالوا من العمل الحكومي خلال 3 سنوات فقط في الفترة من 2019 وحتى مارس 2022.
وبحسب تلك البيانات، فإن عام 2023 شهد استقالة أكثر من 4300 طبيب مصري يعملون بالمستشفيات الحكومية، وهو العدد الأكبر خلال السنوات السبع الماضية، بمعدل يصل إلى 13.5 طبيب كل يوم، إذ تضاعف 4 مرات من 1044 استقالة عام 2016 إلى 4127 استقالة عام 2021.
ووفق نقابة الأطباء المصرية، فإن متوسط راتب الطبيب المقيم في مصر 3700 جنيه مصري (نحو 47 دولارًا)، ومتوسط معاش الطبيب بعد نحو 35 عامًا من العمل الحكومي 2300 جنيه (نحو 46 دولارًا)، بينما أشارت هيئة التأمين الصحي إلى أن متوسط راتب الطبيب في نظام التأمين الصحي الشامل الذي تم تطبيقه في بعض محافظات مصر يصل إلى 17 ألف جنيه (نحو 340 دولارًا) في الشهر.
ويبقى السؤال كيف يعيش الطبيب بظل نظام يتسم بالفساد وإهدار الحقوق المالية والمعنوية، ويحصل علي درجات علمية معترف بها دوليًا، وهو يستطيع أن يكمل دراسته ليصبح مؤثرًا في تخصصه العلمي مؤديًا رسالته الساميه دون قمع أو سلب أبسط حقوقه.