نشرت 11 منظمة حقوقية عالمية تقريرًا فضح شركة “كليفورد تشانس”، وهي شركة محاماة عالمية كبرى، بعد أن أصدر فرعها في السعودية تقريرًا مكونًا من 39 صفحة نشره الفيفا، حيث قالت المنظمات أن هذا التقرير يعتبر تقييمًا “معيبًا” للواقع الحقيقي في المملكة العربية السعودية حيث تسعى البلاد لاستضافة كأس العالم لعام 2034. كما تشير هذه المنظمات إلى أن التقرير قد يعرض الشركة لـ”التورط في ارتكاب انتهاكات قد تحدث أثناء تنظيم البطولة”.
عندما تم انتخاب الرئيس الحالي للفيفا، جياني إنفانتينو، لأول مرة في عام 2016، وضعت الفيفا سياسة تقتضي أن الدول المضيفة لبطولات كأس العالم المستقبلية يجب أن تكون لديها استراتيجية لحقوق الإنسان وتقديم تقييم سياقي للمخاطر المرتبطة باستضافة البطولة في كل دولة.
حاليًا، تعتبر السعودية المرشحة الوحيدة لاستضافة كأس العالم للرجال لعام 2034، ورغم أن عملية الترشح لم تكتمل بعد ولا تزال تخضع للتصويت، بدا أن إنفانتينو قد أضعف من نفوذ الفيفا عندما صرح على حسابه في إنستغرام منذ حوالي عام أن السعودية “من المقرر” أن تكون الدولة المضيفة لبطولة عام 2034.
جاء ذلك بعد أن أعلنت الفيفا عن تنظيم نسخة ضخمة من بطولة كأس العالم لعام 2030 والتي ستقام عبر ثلاث قارات (أفريقيا، أوروبا، وأمريكا الجنوبية) وست دول (المغرب، إسبانيا، البرتغال، الأرجنتين، أوروغواي، وباراغواي)، وقد استبعد هذا الإعلان هذه القارات الثلاث من الترشح للبطولة التالية في عام 2034، بينما جعلت البطولة المشتركة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك لعام 2026 العودة إلى أمريكا الشمالية مرة أخرى لتنظيم البطولة أمرًا غير مرجح.
هذا جعل الطريق شبه مفتوح أمام السعودية كممثلة عن قارة آسيا لاستضافة بطولة 2034، خصوصًا عندما انسحبت أستراليا، ومنذ الإعلان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يعقد إنفانتينو أي مؤتمر صحفي للإجابة على الأسئلة حول هذا الموضوع.
لا يزال قرارا استضافة بطولتي 2030 و2034 خاضعين لتصويت عبر الإنترنت من قبل الدول الأعضاء في الفيفا في 11 ديسمبر/كانون الأول، لكن لا يوجد أي منافس في كلا العرضين ويعتبران على نطاق واسع إجراءات شكلية.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، قامت 11 منظمة — بما في ذلك منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة حقوقية سعودية بإدارة المعارضين في المنفى، ومنظمات حقوقية مختصة بمنطقة الخليج — بإثارة مخاوف جدية بشأن مصداقية تقرير بعنوان “التقييم السياقي المستقل المعد لصالح الاتحاد السعودي لكرة القدم فيما يتعلق ببطولة كأس العالم 2034”.
تم إعداد التقرير بواسطة AS&Hكليفورد تشانس، وهو الفرع السعودي لشركة كليفورد تشانس العالمية للمحاماة، ونشرته الفيفا في يوليو/تموز وكان التقرير جزءًا أساسيًا من ملف السعودية لاستضافة البطولة.
وفي حدث بارز في دبي، حصلت AS&H كليفورد تشانس (وهي مشروع مشترك بين كليفورد تشانس ومكتب أبو حميد الشيخ الحقباني للمحاماة) على لقب “شركة العام” في السعودية.
وصرح الدكتور فهد أبوحميد، الشريك الإداري، قائلاً: “هذه الجائزة هي انعكاس للالتزام الثابت بتقديم نتائج متميزة لعملائنا في المملكة العربية السعودية”.
في يوم الاثنين، أصدرت المنظمات الحقوقية إحدى عشر بيانًا مشتركًا عبّرت فيه عن “قلق عميق” بشأن التقرير.
وجاء في البيان: “إن تقييم حقوق الإنسان المعيب لملف السعودية لاستضافة كأس العالم 2034 من قبل AS&H كليفورد تشانس — وهي جزء من الشراكة العالمية لمكتب كليفورد تشانس بلندن — قد يضع الشركة في خطر التورط في انتهاكات قد تنتج عن البطولة.”
كما حصلت صحيفة “ذا أثلتيك” على نسخة من رسالة مكونة من 15 صفحة موجهة إلى تشارلز آدامز، الشريك الإداري العالمي لشركة كليفورد تشانس، بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تشرح فيها تلك المخاوف وتحدد مهلة لمدة أسبوعين للرد.
ولم تتلقَ المنظمات الحقوقية أي رد سوى إشارة من الشركة بأن التعليق خارج التقرير المنشور سيكون “غير ملائم”، دون التطرق إلى أي من النقاط المثارة، كما لم تتلق “ذا أثلتيك” ردًا من كليفورد تشانس أو الاتحاد السعودي لكرة القدم على جميع النقاط المطروحة في هذا المقال.
في البيان الصحفي، قالت المنظمات أن “سجل حقوق الإنسان المتدهور في السعودية قد ازداد سوءًا في ظل الحكم الفعلي لولي العهد محمد بن سلمان”، وتحدثت عن “ارتفاع عدد الإعدامات الجماعية، والتعذيب، والاختفاء القسري، والتقييد الشديد على حرية التعبير، وقمع حقوق النساء تحت نظام الولاية الذكورية، والتمييز، وقتل المئات من المهاجرين على الحدود بين السعودية واليمن”.
وتضيف المنظمات أن: “نظام الكفيل غير الإنسان، بالإضافة إلى حظر النقابات العمالية وعدم تطبيق قوانين العمل، يستمر في التسبب في استغلال واسع النطاق للعمال المهاجرين”.
نقطة استغلال العمال المهاجرين تُعتبر ذات أهمية خاصة في سياق بطولة كأس العالم لعام 2034، حيث أعلنت السعودية نيتها بناء 11 ملعبًا جديدًا قبل انطلاق البطولة.
وتوضح الرسالة الموجهة إلى شركة كليفورد تشانس بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول ثلاثة مخاوف رئيسية: أول هذه المخاوف هو أن التقرير يستثني عددًا كبيرًا من حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا من نتائج تقييمه، وتؤكد الرسالة أن هذا الاستثناء جاء، بحسب التقرير، إما لأن السعودية لم تصدق على المعاهدات ذات الصلة أو لأن الاتحاد السعودي لكرة القدم لم يعترف بها على أنها “تنطبق” على التقييم.
وهذا يعني أن التقييم تجنب التطرق إلى قضايا يعتبرها الكثيرون جوهرية في السعودية، مثل حرية التعبير، والتجمع، والتظاهر، بالإضافة إلى التمييز على أساس الجنس، وحظر النقابات العمالية، وحق حرية الدين، وعمليات الإخلاء القسري.
وتواصل الرسالة القول بأن “هذا النهج يتعارض كليًا مع المعايير والممارسات الدولية التي تقضي بضرورة إدراج جميع حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا كنقطة مرجعية، حيث قد تؤثر الشركات بشكل محتمل على أي من هذه الحقوق”.
وتحت قسم نطاق التقييم والمنهجية في تقرير AS&H كليفورد تشانس، ذُكر أن نطاق التقييم قد “تحدد من قبل الاتحاد السعودي لكرة القدم بالتوافق مع الفيفا”، وهذا يشير إلى أن الفيفا قد وافقت بدورها على هذه الاستثناءات.
ومع ذلك، فإن سياسة حقوق الإنسان الخاصة بالفيفا، التي نُشرت على موقعها في مايو/أيار 2017، تنص على أن الفيفا ملتزمة باحترام حقوق الإنسان وفقًا للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، كما تنص المبادئ التوجيهية على ضرورة أن تشمل تقييمات حقوق الإنسان جميع حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا كنقطة مرجعية.
وقد أرسلت منظمة العفو الدولية رسالة إلى الفيفا تطالبها “بتأكيد الأساس الذي وافقت بموجبه المنظمة على تحديد نطاق تقييم الحقوق بالتنسيق مع الاتحاد السعودي لكرة القدم”، ولكن لم تتلق العفو الدولية ردًا من الفيفا.
ولم ترد الفيفا كذلك على أي من النقاط المحددة التي أثارتها المنظمات الحقوقية أو على استفسارات صحيفة “ذا أثلتيك”، ولكن ذكرت أنها تشرف على “عملية تقديم العروض بدقة”، وأنه سيتم نشر “تقرير تقييم” لعطاء السعودية قبل المؤتمر الاستثنائي للفيفا في 11 ديسمبر/كانون الأول.
وتوضح الرسالة المرسلة في 7 أكتوبر/تشرين الأول أيضًا أن تقرير AS&H كليفورد تشانس اعتمد “بشكل انتقائي” على نتائج وتقييمات لجان الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية فيما يتعلق بطبيعة مخاطر حقوق الإنسان في السعودية، مستبعدًا نتائج هامة لعدد من القضايا الحساسة.
كما ذكر تقرير AS&H كليفورد تشانس أنه استند إلى ستة أسابيع من البحث المكتبي والتواصل فقط مع الوزارات السعودية، بما في ذلك هيئة حقوق الإنسان الحكومية، ووزارة الداخلية، ووزارة الرياضة، حيث تمت هذه الاجتماعات بتسهيل من الاتحاد السعودي لكرة القدم.
في هذا السياق تقول المنظمات الحقوقية في رسالتها إنها لم تجد أي دليل على أن AS&H كليفورد تشانس قد استشارت “أطرافًا خارجية ذات مصداقية”، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان، أو المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، أو النقابات العمالية لإثراء تقريرها.
وأشارت المنظمات الحقوقية إلى أن النتيجة هي أن هذا التقرير “سيساهم على الأرجح في تمكين السعودية من استضافة كأس العالم، والتي قد يتسبب تنظيمها في تأثيرات خطيرة ومتعددة على حقوق الإنسان”.
وفي أوساط منظمات حقوق الإنسان، كان هناك الكثير من التكهنات حول كيفية تعامل الفيفا والسعودية مع التحديات المتعلقة بالامتثال لسياسة حقوق الإنسان الخاصة بالفيفا.
ووفقًا لمصادر مطلعة على الموضوع، والتي فضلت عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الأمر، فقد علمت صحيفة “ذا أثلتيك” أن شركات أخرى ربما قد تمت مخاطبتها لإجراء هذا التقييم، حيث يُفهم أن إحدى الشركات رفضت القيام بالمهمة، جزئيًا بسبب مخاوف تتعلق بالسمعة، وكذلك خوفًا على الموظفين أو على فرص العمل المستقبلية إذا تم تقديم تقرير شامل يأخذ بعين الاعتبار جميع القضايا الحقوقية المرتبطة بالسعودية، في حين كان آخرون يخشون أنهم قد لا يتلقون أجرًا كاملاً إذا لم يتم اعتبار العمل مرضيًا من قبل الجهات السعودية.
وقد سبق أن تلقت شركة كليفورد تشانس، التي تشغل منصب الرئيس المشارك لجمعية محامي الأعمال وحقوق الإنسان، إشادة من المنظمات الحقوقية عندما تعاونت مع مركز الرياضة وحقوق الإنسان لإعداد تقرير عن خطط حقوق الإنسان للمدن المستضيفة لكأس العالم 2026، والتي ستقام في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
في ذلك التقرير، لم تتجاهل كليفورد تشانس المعاهدات أو الاتفاقيات التي لم تصدق عليها الولايات المتحدة.
فعلى سبيل المثال، سلطت المنظمات الحقوقية الضوء على أن الولايات المتحدة لم تصادق على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، ورغم ذلك أكدت كليفورد تشانس في تقريرها عام 2022 على أهمية أن تشمل المدن خطة لحماية الأطفال في مقترحاتها، مع الاستشهاد بالاتفاقية.
وتشرح الرسالة التي أرسلتها المنظمات الحقوقية إلى كليفورد تشانس أيضًا أن الشركة على موقعها الإليكتروني الرسمي تذكر أن عملاءها في السعودية يشملون “وزارات سعودية رئيسية وكيانات مملوكة للحكومة، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الشركات السعودية والدولية المملوكة للحكومة، وكذلك الشركات الخاصة والمدرجة والمؤسسات المالية”، كما طلبت الرسالة من كليفورد تشانس الكشف عن “أي علاقة محاماة بين كليفورد تشانس و/أو AS&H كليفورد تشانس والحكومة السعودية خلال إعداد هذا التقييم، وكذلك ما إذا كانت الحكومة السعودية قد تمت استشارتها أو اطلعت على مسودة التقييم قبل النشر”.
لم تعالج كليفورد تشانس هذه النقطة في ردها على المنظمات الحقوقية، ولم تقدم تعليقًا عندما تواصلت صحيفة “ذا أثلتيك” مع الشركة للتعليق، كما لم تستجب الفيفا عندما طُلب منها إبداء الرأي حول ما إذا كان هناك أي مخاوف بشأن مصداقية التقرير ومدى تأثير استقلاليته.
في بيان صحفي، صرح جيمس لينش، المدير المشارك لمنظمة فير سكوير لحقوق الإنسان، التي قادت الرسالة المشتركة الموجهة إلى كليفورد تشانس، قائلاً: “لقد كان واضحًا لأكثر من عام أن الفيفا مصممة على إزالة جميع العقبات المحتملة لضمان منح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بطولة كأس العالم 2034.
من خلال إنتاج تقرير غير مهني بالمرة، ساهمت AS&H كليفورد تشانس، وهي جزء من إحدى أكبر شركات المحاماة العالمية التي تروج لخبراتها في حقوق الإنسان، في إزالة عقبة رئيسية أخيرة”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط على الرابط التالي:
https://www.nytimes.com/athletic/5873571/2024/10/27/clifford-chance-saudi-report-fifa-human-rights/