الثرثرة عند الأطفال في المرحلة العمرية الممتدة من (3-9) هي أمر عادي؛ حيث يعيش الطفل في هذه الفترة مرحلة الاكتشاف ومحاولة معرفة كل ما حوله، لذلك نجده يسأل أسرته عن كل صغيرة وكبيرة يراها أو يسمعها، ولكن الأم هنا تنزعج كثيرا من ثرثرة أطفالها وكثرة تساؤلاتهم حول الأشياء التي تثار أمامهم.

وكثيرا ما نجد الصد والنهر هو الطريق الذي تلجأ إليه الأم ناحية طفلها، أو ربما لا تجيب على الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي يوجهها الطفل لها باعتباره أنه صغير وعندما يكبر سيدرك ويعرف معنى ذلك الأمر.

أسباب الثرثرة
توجد العديد من الأسباب التي تجعل الطفل ثرثارا ومنها:

 – الرغبة وحب الاستطلاع واستكشاف العالم من حوله، وقدرته العالية على التواصل الاجتماعي لغويا، ناهيك عن أنها قد تكون إشارة إلى ذكاء الطفل، وتعلم بعض الأطفال القراءة، مما يثري لديهم المفردات اللغوية ويظهر هذا السلوك من عمر (6-10) سنوات.

– أيضًا الثرثرة هي نوع من استعراض قدرة الطفل في نطق ما تعلمه من ألفاظ وعبارات من البيئة المحيطة به، بالإضافة إلى أنها قد تكون إشارة إلى موهبة الطفل الإبداعية، وأخيرا من أجل اللعب والتسلية والضحك.

– وقد تكون عادة مكتسبة، فالطفل الذي يعيش في جو به أناس ثرثارون مثل الوالدين أو أحدهما يكتسب هذه العادة منهم، كما أنه ليس من الضروري أن يكون الطفل ثرثارًا لأبوين ثرثارين والعكس.

– ويمكن أن نعتبر الثرثرة لدى الأطفال هي تعبير عن قدرة الطفل اللغوية أو أن الطفل لديه ذكاء لغوي بدرجة عالية، أي لديه القدرة على النطق بشكل أفضل من أقرانه، كما أن النمو اللغوي لديه يفوق من هم في سنه، ولديه قدرة عالية على حفظ وتخزين كم هائل من المفردات والكلمات التي يسمعها من البيئة المحيطة به، خاصة إن كان ذكاؤه ذكاء لفظيا.

للتعامل مع ثرثرة الطفل
في حالة اكتشاف أن ما لدى الطفل من أعراض في كثرة الكلام والرغبة في الظهور والاستعراض أمام الآخرين يرجع إلى قدرة لغوية عالية، فهذا يحتاج إلى برنامج عملي في استثمار هذه القدرة عند الطفل من خلال:

– توفير مواد مقروءة كثيرة له.

– توفير الفرصة له ليعبر عن هذه الموهبة بالكتابة للقصة أو المقال أو غيرها.

– توفير المجال له للتعبير عن نفسه من خلال الخطابة أو التمثيل أو غيرها.

– ينبغي أن يجد الطفل إجابات عن أسئلته التي يطرحها؛ لأن ذلك يهدئ الغموض الذي بداخله، ويجب على الوالدين احترام الطفل ورغبته في المعرفة.

– ينبغي ألا نظهر انزعاجنا من ثرثرة الطفل أو إطلاق ألفاظ تعزز هذا السلوك سواء بوجوده أو من خلفه، واستبدالها بألفاظ إيجابية مثل أن نقول له: (أنت ذكي) ولديه أمور كثيرة للحديث عنها، فهذا الشيء يساعد على تحويل سلوكه إلى السلوك المراد منه.

أما في حالة أن كثرة الكلام لإزعاج الآخرين أو الرغبة في لفت الانتباه أو حب التملك، فهذا يعد من المشكلات؛ ولذا ينبغي على الأم أن تستخدم بعض الوسائل في علاج هذه المشكلة ومنها:

– ينبغي الصبر على الطفل، ولا تكون المعالجة سريعة وقاسية، ففي البداية ينبغي على الأم أن تشعر طفلها بأنها تحب أن تسمع أحاديثه ولديه الرغبة في الاستماع إليه ومشاركته أحاديثه.

– ينبغي أن تتفق المعلمات وكل من يتعامل مع الطفل في نفس الوسائل والخطوات العلاجية.

– يحتاج الطفل إلى تعلم بعض قوانين وآداب الحديث، وأن عليه الاستماع للآخرين حين يتحدثون.

– يمكن مساعدة الطفل في إيجاد أنشطه أخرى تعبر عن نفسه مثل الرسم وكتابة القصص هذا إن كان يعرف الكتابة، مع ممارسة الأنشطة الرياضية، مثل المشي ولعب الكرة وقراءة بعض القصص له؛ لأن الطفل ليس موهوبا لغويا، وبالتالي يحتاج إلى مناشط أخرى يعبر عن رأيه دون إزعاج.

– تشجيع الطفل على تكوين صداقات متعددة؛ لأن ذلك من شأنه يخفف السلوكيات غير المرغوب فيها بالقدوة والتعلم من الآخرين.

– ينبغي تعليم أطفالنا أن هناك أوقاتا لا يمكننا أن نستمع فيها إليه إما لتعبنا أو انشغالنا، وأن عليهم احترام ذلك.

كيف تعلم طفلك عدم المقاطعة؟

من الضروري رسم حدود معينة لذلك، فعدم قبول مقاطعة الطفل حتى يقول لو سمحت هي إحدى الطرق المناسبة، إلا أن التصلب في مواجهة الطفل يمكن أن يتسبب بالجمود للطفل والأم، وبدلا من ذلك يمكن الاستجابة على الدوام بملاحظات تذكيرية لطيفة، وامتداح الطفل عندما يتذكر ما يجب عليه أن يفعله، فهنا تبدو المثابرة والصبر أولويات ضرورية لتدريب الطفل على مهارات التواصل.

ويمكن الاتفاق على تصميم إشارة معينة مثلا عند وضع اليد على الرأس لتعني أنا بحاجة إليك، ورفع إصبعين تعني سأكون معك خلال دقيقتين، ويجب أن يتم البدء بفترة زمنية قصيرة لتزيد فترة الانتظار تدريجيا، ويجب استخدام هذه الإشارات بشكل مستمر قدر المستطاع، وتذكير الطفل بالقوانين عندما ينسى بعضها أو يتخلى عن الالتزام بها، وامتداحه عندما يتذكر ذلك.
فالتعزيز الإيجابي مهم بنفس أهمية التعزيز السلبي، فعندما يبدأ الطفل بالقفز والصراخ، فالأولى أن يتم التحدث معه حول الانتظار، أما إذا استطاع الحفاظ على صبره وهدوئه، وانتظر حتى مرور الوقت المتفق عليه في الإشارة فإنه يستحق الشكر والتقدير لهذا الانتظار المهذب.

ومع نمو الطفل يصبح أكثر إدراكا للأوضاع التي تستدعي مقاطعة العمل أو الحديث، فمثلا يمكن أن يسمح للطفل بالمقاطعة عندما يكون لديه أخبار مهمة (جيدة أو سيئة) أو يحتاج لمساعدة فورية، وفيما عدا ذلك يجب أن يقول بشكل مهذب وهادئ إنه يريد الكلام ويسأل كم تحتاج الأم أو المعلمة من الوقت للاستجابة لطلبه؟ ثم يقوم الطفل بممارسة أي نشاط في مكان آخر.

عملية العلاج وتعديل هذه الصفات تحتاج إلى صبر وتدرج، وأرجو من الله تعالى لكم التوفيق والسداد.

د. سعد رياض – مستشار نفسي وتربوي حاصل على دكتوراه فى علم النفس