25 / 7 / 2010

بقلم فضيلة أ.د محمد بديع .. المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين-، واحشرنا اللهم في زمرته وتحت لوائه، واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا.. اللهم آمين.
 
إخوتي وأخواتي وأحبابي..
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 حديث آخر من القلب إلى القلوب، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينزل منها منزلاً طيبًا، وأن يتقبل منَّا ومنكم صالح الأعمال، ويتجاوز بفضله عن سيئها..
 هذا حديثنا في النصف الأول من شهر شعبان أُحبُّ أن أتحدث إليكم في نقطتين هامتين:
 الأولى: تنبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذا الشهر شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهذه قضية كانت في زمانه، أما الآن فالناس يغفلون عن رجب ويغفلون عن شهر شعبان، بل يغفلون عن شهر رمضان.. وهذه قضية خطيرة.
 نُريد أن نعود باليقظة إلى الاستعداد الحقيقي الذي كان يتشوق به النبي إلى رمضان من رجب، وعندما كان الناس يهتمون برجب ورمضان ثم ينسون شعبان، فما بالنا الآن نحتاج للتذكير برجب وشعبان ورمضان؟
 نُريد أن ننبه إلى هذه النقطة؛ حيث إن هذا التنبيه يحذِّر الإنسان المسلم من الغفلة، "يغفل الناس عنه" هذه لا نُريد أن تكون فينا، ولا نغفل عن شيء أبدًا؛ لأن الغفلة هذه من مدارج الشيطان، ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)﴾(الأعراف).
 نعوذ بالله عزَّ وجلَّ مِن الغفلة، ونسأله أن يرزقنا الانتباه واليقظة في كلِّ شئون حياتنا، واستقبالنا لكلِّ الأحداث والأيام والمواقف؛ حتى نكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.
 الثانية: وهي تحويل القبلة، وهذا أمر جَلل له تأثيره في الأمة الإسلامية ودروسه وعِبَره المتتالية التي لا تنفد.
 موقف أعتقد أننا كُلُّنا نحتاج إلى إعادة التذكير به: المسلمون كانوا يتوجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس، وبعد أكثر من 16 شهرًا يتم التحويل إلى البيت الحرام والكعبة ومكة المكرمة بناءً على آيات نزلت تُنَبِّه المسلمين إلى أنها كانت أُمْنِيَة للنبي- صلى الله عليه وسلم-، ولكن الذي يحدِّدها ويوقت نزولها هو رب العزة سبحانه وتعالى ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ (البقرة: من الآية 144)، شيء نعلمه عنك ونراك، فكان النبي يقول مناجيًا ربه: فإنك تسمع كلامي وترى مكاني ولا يخفى عليك شيء من أمري.
 ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ (البقرة:من الآية144) شيء نعلمه مما في قلبك لم تتحدث به، ولكن العليم بذات الصدور يعلم شيئًا ما يقدر له قدره، وينزله في مكانه ووقته الذي أراده سبحانه وتعالى.
 بعد أن تتلقى الأمة الإسلامية الدرس، ويتلقى بنو إسرائيل الدرس، يعلمون أن الله عزَّ وجلَّ هو مُنْزِل الكتاب، ويوجه القبلة حيث يريد هو، ويأمر عباده وليس عليهم إلا السمع والطاعة.
 فكان في هذا التحويل قمة الالتزام من المسلمين في سماع الأمر وتنفيذه الفوري، يخلصون من هوى أنفسهم، حتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو يتمنى هذا، ولكنه يسمع ويطيع لأمر ربه، حتى يريه ربه أنه يعلم ما في قلبه وسيُوَلِّيه قبلة يرضاها.
 الأهم من هذا عند المسلمين عندما كانوا يُصَلُّون ويمر عليهم رجل ويقول: أشهد أني صليت خلف رسول الله إلى الكعبة المشرفة.. إلى مكة.. إلى البيت الحرام، من أين يأتي هذا التنفيذ الفوري؟ إنه يأتي بناءً على:
 * سمع وطاعة لأمر الله.
 * ثقة في هذا المتحدث عندما يُقسم ويشهد أنه صلَّى خلف رسول الله إلى الكعبة في القبلة التي تمَّ التحويل إليها، فيتحول الإمام ويتحول المأمومون إلى القبلة الجديدة في المسجد ذي القبلتين الشاهد على هذه الطاعة والالتزام، وأكثر من ذلك الثقة في كلام مسلم يشهد شهادة موثقة عند المسلمين.
 أتعلمون لماذا تكون هذه الثقة؟ لا تأتي إلا من التجربة، وشيوع صفة الصدق بين المسلمين في مجتمع لا يعرف الكذب، اسمعوا قول أهل مكة الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سألهم سؤالاًً واحدًا عندما نزلت عليه الرسالة: أكنتم مصدقي؟
 من أين أتت الإجابة بنعم؟، قالوا بالنص: "ما جرَّبنا عليك كذبًا".
 هذه التجربة تعني أننا سنشهد بتجربتنا بين بعضنا، فكيف إذا شاعت بيننا صفات تُغضب الله سبحانه وتعالى ولا تُرضي رسوله؟، يجب التخلص منها فورًا وأولها الكذب؛ لأن رسول الله قال عندما سُئل: "أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: "نعم"، أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: "نعم"، أيكون المؤمن كاذبًا؟ قال: "لا".
 هذه تسمى الصفات الأخلاقية الأساسية التي لا يمكن أن يُسمح بشيء منها، لذلك عندما يصدق المسلم ويتحرى الصدق لا تكون هذه صفته بين الناس، فقط يكون مكتوبًا عند الله سبحانه وتعالى صدِّيقا، "لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقا".
 نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُلزمنا هذه الصفة؛ لأنها إذا شاعت بين المجتمع المسلم يكون الخير كل الخير.
 تجربة تثبت ثقة، وثقة تثبت تصديقًا ليعيش المؤمن بين إخوانه محل ثقة، ويعيش المجتمع المسلم يتبادل الثقة بينه وبين أفراده وقياداته.
 نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل هذا الشهر المبارك شاهدًا لنا لا علينا يوم القيامة، وأن يكون في تحويل القبلة درسً لنا على دقة الالتزام، وعلى الثقة المبنيَّة على التجربة، وعلى الصدق الذي يجعلنا ربنا به من الصديقين والشهداء والصالحين ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء:من الآية 69).
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.