10/04/2010

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. إخوتي وأخواتي أحبابي في الله.. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
 
نستكمل حديثنا من القلب إلى القلوب، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينفعنا وإياكم به، وأن يجعلنا من الذين يستمعون إلى القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هدى الله.
 
حديثنا اليوم عن بعض المواقف المستفادة تربويًّا من سورة البروج، وإنزال ما فيها من عِبرٍ على واقعنا اليوم؛ لأن هذا النموذج أقصى ما وصل إليه أعداء الحق بأن يتصوروا واهمين القضاء على هذا الحق بحرق أصحابه.. واهمين في القضاء على مَن يحملون الحق، فالقضاء على الحقِّ وَهْم.
 
سخر الله منهم في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)﴾ (الصف).
 
إذا أراد الله لهذا النور أن ينتشر، قد ينتشر على أشلاء ضحايا لقوا ربهم شهداء يشهدون على هؤلاء الظالمين ببغيهم وطغيانهم، وقد ينتشر على أيدي حتى أعداء الإسلام بأن يسخرهم الله عزَّ وجلَّ..

إذا أراد الله نشر فضيلةٍ           طُويت أتاح لها لسان حسود

 هؤلاء المؤمنون حُفِرَ لهم أخدود ليُحرقوا بالنَّار، وكان تصوُّر أعداء الإسلام كما قال رب العزة: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ (الأنفال: من الآية 30)، ولن تجدوا في مكر أعداء الإسلام لأصحاب الحق وحملة هذه الراية وهذا النور إلا هذه الوسائل؛ لأنهم قد يئسوا من هذا الدين ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3).
 
هذا الحريق الهائل الضخم، تشير الآيات إلى أن هؤلاء ألقوا بالمؤمنين في النار بغيةَ القضاء على الحق الذي يحملونه، فانظروا إلى الطفل الرضيع على كتف أمه ينطق بالفطرة وبمعجزةٍ أرادها الله عزَّ وجلَّ لتثبيت أمه صاحبة القلب الرءوم، والإيمان القلبي العميق، يقول لها طفلها: يا أماه لا تتقاعسي إنك على الحق.
 
أبعد هذا تثبيت مادي بعد التثبيت الإيماني والروحي من ربِّ العزة، ثم تعالوا إلى الموقف الآخر هؤلاء الذين يَحرقون أهل الحق ويتصورون أنهم بهذا يقضون على الحق أليس هذا على عين الله عزَّ وجلَّ يراه ويشهده؟.. نعم، والآيات تقطع بهذا: ﴿وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)﴾ (البروج)، أي أن الله عزَّ وجلَّ قد يرى أن في بقاء أهل الحق حاملين لهذه الراية مهما ضحوا.. هذه إرادته سبحانه وتعالى يتركها تحدث؛ لأن في هذا موقف إشهاد للبشرية، هؤلاء الناس حملة الحق فلولا أنهم يعرفون أن ما يحملون غالٍ يستحق التضحية بالنفس والمال والغالي والنفيس لما فعلوا، لذلك سُمي الشهيد شهيدًا؛ لأنه يشهد على الأمة بل على البشرية أني أحمل حقًّا وأضحي في سبيل الله بما أملك بروحي ونفسي ومالي وكل ما أملك.
 
الله عزَّ وجلَّ يرى هذا، ويريد أن يحدث ويرضى لعباده ويُعد لهم شهادةً تجعلهم أحياء عند ربهم يُرزقون، ويريد لأهل الباطل أن يقعوا في هذه الجريمة النكراء الشنعاء بأن يحرقوا أهل الحق العُزّل ليقعوا في أكبر جريمة، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل نفس مؤمنة".
 
انظروا في واقعنا الحديث إذا أراد الله عزَّ وجلَّ أن يجعل قطرات دم الشهيد لعنةً تتابع هؤلاء الصهاينة، انظروا إلى ما فعل رب العزة بهذه الدماء الزكية؛ حيث تتبع قطرات دم الشهيد محمود المبحوح كل المجرمين الذين شاركوا في هذه الجريمة النكراء في كلِّ بقاع الدنيا، وما زالت أصداؤها تتوالى وما زالت توابع هذا الزلزال بقتل هذه النفس المؤمنة نراها بين يومٍ وآخر، إذًا اللهُ عزَّ وجلَّ يرى هذا الذي يحدث ويعلمه، وقد قدَّره وإن كان لا يرضى بما يقع على المسلمين المؤمنين من جرائم من أعداء الإسلام لكنه يريد بهذا نصرة الدين، ورفعة شأن هؤلاء الشهداء عند الله سبحانه وتعالى.
 
يقول رب العزة في ختام هذه الآيات: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)﴾ (البروج)، بعد هذا الابتلاء وهذه الفتنة يكون هذا هو الختام.. نعم الحق الذي يحمله أهل ابتغاء مرضات الله وطمعًا في جنته، لا تقلقوا عليه، اطمئنوا على حفظ الله لهذا المنهاج، اقلقوا فقط على أنفسكم واسألوا الله لكم بالثبات حتى لا تتزعزع عزيمتكم: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾ (آل عمران).
 
يا أهل الحق في كلِّ مكان وزمان.. احملوا الحق، وأنتم تحملون اسمًا من أسماء الله الحسنى، احملوا الحق وارفعوا رايته عاليةً، وأنتم على يقين أن الله ناصره ومؤيده ومحقّقه، وأن ما يحدث لنا في هذا الطريق ابتغاء مرضات الله أجرُنا قد وقع فيه على الله عزَّ وجلَّ، ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ (النساء: من الآية 100)، هذا الحق الذي تحملونه، وهذا المنهاج الذي نتشرف بحمله في جماعة الإخوان المسلمين منهاج الإسلام الشامل الكامل من القرآن والسنة.. هذا الحق.. الله عزَّ وجلَّ تعهد بحفظه، ويطالبنا عزَّ وجلَّ أن نثبت على حمل هذه الأمانة، والله عزَّ وجلَّ بالغ أمره ولكنه سبحانه قد جعل لكل شيء قدرًا، فانتظروا عون الله وتأييده، وتأكدوا من نصرة الله عزَّ وجلَّ للذي تحملونه، وانتظروا أجر الله كما وصَّاكم حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض"، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يثبتنا وإياكم على هذا الحق حتى نلقى ربنا عزَّ وجلَّ غير خزايا ولا ندامى، ولا مبدلين ولا فاتنين ولامفتونين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.