لا أخفى شعورا بالارتياح إزاء سقوط ممثل الدعوة السلفية بالإسكندرية، المهندس عبدالمنعم الشحات في انتخابات الإعادة، وأعتبر ذلك السقوط رسالة وجهها المجتمع إليه، ينبغي أن يقرأها جيدا هو وأمثاله من غلاة السلفيين الذين لم يكفوا عن تخويف الناس بالإساءة إلى الدين والدنيا.

حتى إنني قلت حين سمعت بالنتيجة إن الخبر فيها ليس من الذي نجح، وإنما الخبر الحقيقي أن الرجل رسب ولم ينجح. 

لا أعرف المهندس الشحات لكني كلما سمعته أو تابعت كلامه في وسائل الإعلام أحسست بأنه يوجه إليّ إهانة شخصية، باعتباري أحد الباحثين ذوي الصلة بالشأن الإسلامي.

وحين علمت بنتائج الفرز في جولة الانتخابات الثانية بدائرة النزهة بالإسكندرية، قلت إن إعراض الناخبين عنه بمثابة تصويت عقابي له، جراء أحاديثه التي دأب على إطلاقها خصوصا في الفترة الأخيرة، وهذه قصة تستحق أن تروى.

في جولة الانتخابات الأولى حصل المهندس الشحات على نحو 191 ألفا و675 صوتا، أما منافسه المحامي المستقل حسني دويدار الذي أيده الإخوان فقد حصل على 144 ألفا و296 صوتا.

 كان الرجل قد عرف بالتشدد منذ كان طالبا جامعيا، وقد عرفناه حين قدمته لنا الفضائيات وتنافست بعض الصحف في تسليط الأضواء عليه لشذوذ آرائه التي تعد صيدا ثمينا للراغبين في الاصطياد والإثارة.

 وكان ذلك أوضح ما يكون حين استضافه أحد مقدمي البرامج الشعبوية وأغرقه في بحر من الأسئلة التي تدور كلها حول آرائه في الحياة الخاصة للناس، اللبس والخلع والحجاب والنقاب والمايوهات والكباريهات والخمر والميسر واللهو... الخ.

 وجاءت إجابات صاحبنا كلها بالسلب. حتى بدا وكأنه يريد أن يقلب كل شيء في المجتمع، بغير تدرج أو ترفق أو رحمة.

 لم يسأله مقدم البرنامج عن شيء مما يهم جماهير الناس، مثل البطالة أو التعليم أو الصحة أو التنمية لكنه حاصره في مشكلات النخبة واهتمامات الطبقات العليا. وهي الاهتمامات التي ما برحت تركز عليها أغلب وسائل الإعلام في الوقت الحاضر،

 في وقت لاحق هاجم الرجل الديمقراطية واعتبرها بدعة، وعاد إلى الحديث عن إطلاق اللحى وإغلاق البنوك ومنع المايوهات.

ولم نسمع منه شيئا عما يمكن أن يحقق شيئا في مصالح خلق الله، وكأنه لا يريد أن يغادر ساحة الممنوعات والمحظورات. ولا أن يعطي الناس أملا في المباحات أو المندويات (ما هو مستحب أو مرغوب).

قال لي أحد زملائه ممن تخرجوا معه في قسم الكمبيوتر بجامعة الإسكندرية إن وسائل الإعلام أوقعت به، وإن الرجل الذي لا يزال في الأربعينيات من عمره لم يحسن التعبير عن نفسه. لم أستبعد ذلك لكنني قلت إن أحدا لم يغصبه على ما قاله وإنه استسلم للوقيعة ولم يخيب ظن الذين نصبوا له الفخاخ.

 وفي السياسة فإن المتحدثين لا يعذرون، لكنهم يحاسبون على ما ينطقون به، بل إنهم قد يحاسبونه على ما يسكتون عنه.

كلام المهندس الشحات أحدث مفعوله السلبي حين أعلن على الملأ. وكانت النتيجة أنه في الإعادة خسر أكثر من 50 ألف صوت.

ذلك أنه حصل هذه المرة على 144 ألفا و296 صوتا، مقابل 191 ألفا و675 صوتا في الجولة الأولى.

أما منافسه الذي كان قد صوت لصالحه نحو 170 ألف شخص في الجولة الأولى، فإنه حصد في الجولة الثانية أكثر من 28 ألف صوت إضافية، إذ صوت لصالحه 198 ألفا، وضمن بذلك الفوز في الدائرة.

 سمعت من البعض أن تراجع الإقبال على التصويت في الجولة الثانية جاء خصما من رصيد المهندس الشحات، لكني قلت إن ذلك التراجع كان يمكن أن ينسحب أيضا على منافسه، لكن الذين ذهبوا إلى التصويت أعرضوا عن الأول وصوتوا لصالح الثاني، بعدما قدم الشحات نفسه بالصورة السلبية التي عممها الإعلام على الناس.

قلت إن المجتمع عاقب الرجل بالإعراض عنه، وأضيف أن ذلك لم يكن إعراضا عن الشخص بقدر ما كان عزوفا عن التطرف وانحيازا إلى الاعتدال.

 قلت أيضا إنني شعرت بالارتياح لأنه لم ينجح، وأضيف أن لدي سببا آخر للارتياح هو أن أجواء الانفتاح النسبي التي تعيشها مصر الآن سمحت للمجتمع بأن يستمع في العلن إلى ما كان يقوله الغلاة لأتباعهم في الخفاء.

 وإذا كان إعراض الناس عنهم يعد عقابا مناسبا، إلا أن ذلك الإعراض ربما دفعهم إلى إعادة النظر في أفكارهم وتهذيب خطابهم.

 وإذا ما تحقق الإعراض فإن المجتمع يكون قد تجنب مفسدة صغرى، أما إذا هذَّب الغلاة خطابهم فإنه يكون قد حقق مصلحة كبرى.

ولنا في الأولى أجر وفي الثانية أجران والله أعلم.